رسالة مفتوحة إلى زينب أشطيط، الخادمة الصغيرة في القرن 21، شهيدة الأزمنة الحديثة.. وجه الكاتب والروائي المغربي، عبد الحق سرحان، المهاجر بالولايات المتحدةالأمريكية، الأستاذ بجامعة لويزيان - لافاييت بولاية لويزيان، بعد أن درس سنوات بكلية الأدب إبن طفيل بالقنيطرة، رسالة مفتوحة نشرت بالعدد الأخير من المجلة الفرانكوفونية المغربية « تيل كيل »، إلى الخادمة المغربية زينب أشطيط، بعد تعرضها لتعذيب وحشي من قبل مشغلتها بوجدة. وكذا بعد الحكم الصادر في حقها ابتدائيا بذات المدينة. وهي الرسالة التي ننشر هنا ترجمة لبعض من أهم فقراتها، لتعذر أخد الإذن بنشرها كاملة من كاتبها. وهي رسالة تترجم انخراط المثقف المغربي في موضوع إجتماعي آني ببلادنا، مما يمنح للنص أهمية أدبية وثقافية وإنسانية خاصة.. العزيزة زينب.. أتمنى أن تتمكني من قراءة هذه الرسالة ذات يوم، وأنت الفتاة الصغيرة العزلاء، التي اعتدي على طفولتها من قبل أياد مجرمة. أعرف أن قدرك لا يشبه قدر الأطفال العاديين، الذين لهم بيت وعائلة وإمكانيات للذهاب إلى المدرسة. تهمتك؟ أنك ولدت في وسط فقير منسي. أعلم، مثل الجميع، أن حياتك كانت عنوانا للعذاب. مثلما أعلم، مثل الجميع، أن حياتك قد وشمت إلى الأبد بمواجهة الألم والفجيعة. مسار حياتك، هو عنوان للمحنة، للتعذيب وللجراح. أنت عنوان للعبودية، في عالم قيل إنه طلق منطق الرق. إني أدرك أن التعليم الإلزامي لم يُخلق من أجلك، ولا من أجل مئات الآلاف من أمثالك. لكن، ما الذي يخبؤه لك القدر، ياترى؟!. من يدري، فقد تذهبين في نهاية المطاف إلى المدرسة، بعد كل العذاب الذي واجهته في جسدك وفي روحك. من يدري، بعد 15 أو 20 سنة، قد نجدك في مكان القاضي الذي حكم على معذبتك بثلاث سنوات ونصف السنة من السجن وغرامة 100 ألف درهم. أستطيع الأمل، أنك لن تكوني متساهلة مع كل قتلة الطفولة . إنك لا تعرفينني، يا زينب. وأنا أعرفك من خلال محنتك. إنني مثل كل المغاربة، قد علمت من خلال الصحافة بمنطوق الحكم ضد معذبتك. 3 سنوات ونصف من السجن النافذ، و100 ألف درهم غرامة. لا تعليق لدي. إن القضاة في بلدك أحرار في أحكامهم. إنهم مستقلون ونزهاء، خاصة حين نعلم أن زوج معذبتك من « ذات الوسط ». لقد استرقت السمع لسيدتين، وأنا في القطار، حيث قالت الواحدة للأخرى: « إن هذه المرأة تستحق الموت، لأنها شوهت الصورة التي خلق الله بها هذه الفتاة! ».هذا يعني أن الناس، العامة، غير راضين، بل إنهم حانقون ضد هذا الحكم المخفف. الذي لا يتوازى وحجم ما تعرضت له من تعذيب. ما الذي يمكن قوله هنا؟ هل لا تزال للكلمات من دلالة ودور، أمام هول ما كنت ضحية له؟.. وتمة أسئلة ستظل معلقة: والزوج في هذه النازلة؟، حتى وإن افترضنا أنه لم يسجل عليه أن رفع يده عليك، فإنه هو الآخر شريك في هذه الجريمة التي استهدفت شخصك، لأنه كان يشاهد، يوميا، ما تتعرضين له. إنه أمام القانون متهم بعدم تقديم العون لشخص في خطر. إنه متهم، تماما مثل زوجته، لأنه لم يقم بأي شئ لوقف الوحشية التي كنت ضحية لها، تحت سقف بيته. ثم، ماذا عن أبويك، زينب؟.. إن العفو هو أسمى وأنبل المواقف. هل يمكن أن تغفري لهم، ذات يوم، أنهم وهبوك لحثالة من البشر، وأنهم تركوا العذاب يتسلل إلى جسدك؟.. ألم يلحظوا أي شئ قط؟.. ألم يسمعوا أنينك قط؟.. نعم، إنه الفقر والجهل... العدوان الهائلان لوالديك ( وتبريرهما أيضا).. وماذا عن الجيران؟ وأصدقاء هذه العائلة؟.. إنها أسئلة بلا ضفاف، لا أحد يريد الجواب عليها. وحتى لا ننسى، لنواصل هذه المناحة، على مصيرك ومصير مئات الآلاف من الخادمات، المستغلات في « أجمل بلد في العالم ». إن هذه الرسالة، ليست سوى صرخة جديدة من الغضب من قبلي، تجاه ما يهيننا جميعا. إنه لا يمكنك تصور حجم العي الذي يكبلني ويطوح بي. لأني أعرف أن كلماتي بلا فائدة، وأن مأساتك أكبر من كل كلام. إذ ما الذي سيمسح عنك آثار الفجيعة؟، وأي حكم سيخفف الألم؟، وأي يد حانية يمكنها إصلاح ما يصعب إصلاحه؟. لا يمكنك تصور مدى المهانة التي أستشعرها حول بلدي، حين أتأمل صورتك وهي تسافر عبر الويب ( الأنترنيت ). لا يمكنك تصور فضاعة الإحساس بالمهانة الذي يطوق خاطري، حين أرى قصتك تعرض على شاشات التلفزيون، وأن الصحف تتسابق من أجل عرض هذه الجريمة أمام الناس في الساحات العمومية. إن مأساتك هي مأساتنا. إنها تستوطن ثنايا البلد، الذي لا يعرف كيف يحمي فلدات كبده. إن ألمك يهيننا جميعا، يهوي بنا في السحيق، ويجعلنا جميعا في موضع مساءلة. إنك طفلة، وعْدُ الغد وأمله، الذي يتلع عليه القدر والحمقى المعتوهون. نحن جميعا مسؤولون عن الجريمة المقترفة في حقك، لأننا نقبل العيش في مجتمع يغمض أعينه على استعباد الأطفال، عن اغتيال البراءة والشباب والذكاء. نحن جميعا مذنبون، نقبل حرية الأقوياء تجاهنا. نحن جميعا مذنبون لأننا لا نصرح بما يكفي من القوة في وجه اللاتسامح. فالمجتمع الذي نعيش فيه يدبر إحباطاته وتناقضاته حسب المستطاع، لا يقبل من يفطر رمضان، لكنه يقبل أن تحرق طفلة في سنك بالزيت أو بالمكواة، وأن تتلقى الضربات حتى الضمور! أي مجتمع هذا الذي نعيش فيه؟. (...) ديستوفسكي كان يقول: «نحن جميعا مذنبون بكل شيء وأمام الجميع، وأنا أكثر من الجميع». زينب، وأنت مازلت على سريرك في المستشفى، العالم كله رأى صورتك، العالم كله على علم بمأساتك، والعالم كله يتساءل عن أي ديمقراطية يمكن لبلدك أن يفتخر بها، إذا كان أطفاله يستغلون، يضربون، ويغتصبون ويحرقون أحياء... عن أي حداثة يمكن أن يتبجح إذا كان رعب تشغيل الخادمات الصغيرات يدق على أبواب حوالي 90 ألف أسرة؟ (...) هل يمكن لمحنتك أن تكون على الأقل عبرة لشيء ما؟ كل هذا الزخم الإعلامي استطاع أن يضع نهاية للمحنة التي تعيشينها أنت ومثيلاتك في أجمل بلد في العالم؟ هل سنفهم أخيرا أن صورة الخادمات الصغيرات تسيء لصورة البلد، التي تسائل ضمير كل هؤلاء الأجانب الذين يأتون للإقامة في رياضات جميلة في مدننا العريقة. زينب أنت لست حالة معزولة لفتيات في عمرك أو أقل من سنك يتعرضن أو قد يتعرضن لأبشع التجاوزات يمكن لطفل أن يعيشها، هم كثيرون وهن كثيرات من يصرخن في وجه الفضيحة، يقولون بصوت واحد: «اللهم إن هذا منكر». لا، زينت أنت لست وحدك.. في القرن 21، لا يجب أن يوجد تشغيل «الخادمات الصغيرات» في هذا المغرب الذي يريد أن يكون حداثيا، والذي وقع جميع المعاهدات الدولية ضد تشغيل الأطفال! مجزرة «الخادمات الصغيرات» يجب أن تتوقف، لأنها جريمة تصيب قلب كل مواطن، وتصيب بالظلمة ضمير كل مسؤول، زينب كنت أتمنى أن تكتشفك البلد طفلة أخرى ليس كالخادمة الصغيرة التي مزقتها زوجة القاضي، ولكن يكتشفك من خلال إنجاز أو انتصار، لو كانت لك فرصة العيش حياة عادية بدل أن تكوني ضمن الأطفال ضحايا العصور الحديثة! تبا لنا، تبا لهذا البلد الذي لا يعرف كيف يحمي أطفاله. تبا للقدر الذي لا يمنح نفس الفرص للجميع.. زينب، اليوم أنت لست وحدك، واذا كان الجميع لا يستطيع المجيء لزيارتك وأنت على سريرك في المستشفى، اعلمي أن الجميع يحبك، لأنك دخلت إلى كل البيوت وأصبحت تسكنين قلوب كل هؤلاء الذين يرفضون تشغيل الخادمات الصغيرات، وتعذيب الخادمات الصغيرات، والتضحية بالخادمات الصغيرات، واغتيال «الخادمات الصغيرات».