قيل وكتب الكثير حول تأجيل التصويت على تقرير جولدستون المتعلق بالحرب الصهيونية على قطاع غزة، وكالعادة انقسم الفلسطينيون والعرب الى فريقين، بل الى قبيلتين، الأولى تخون قرار تاجيل التصويت على التقرير، والثانية تبرر التأجيل. الغريب في الأمر أن معظم المتحدثين والكتاب، وكلمة معظم هنا قد تعني 99,9 % منهم لم يقرأ التقرير الذي جاء في 575 صفحة من حجم A.4 وباللغة الانجليزية، بل اكتفوا بما سمعوا من هنا وهناك، واستندوا عما كتب هنا وهناك. فما قيل وما كتب لم يتطرق إلى أبواب التقرير وعناوينه ولم يذكر أحدا، أو بالأحرى لم يستند احدا الى بنود التقرير التي وصلت الى 1776 بندا. يرى الفريق المؤيد لتأجيل التصويت على التقرير إلى اذار (مارس) من العام القادم أن ذلك يخدم القضية الوطنية، وذلك بالحصول على إجماع الاعضاء الـ 47 بالتصويت، أي ان سبب التأجيل هنا فني، مع العلم بأن المؤيدين للتقرير لو تم التصويت عليه يصل بحده الأدنى الى 33 صوتا ، أي الاغلبية، وبالتالي سيتم التصويت وسيرفع التقرير الى المؤسسات ذات العلاقة. أما الفريق الثاني المعارض لعملية التاجيل، والذي خون الرئيس، وكل من يؤيد التاجيل، فقد افترضوا ان تقرير جولدستون يدين ويجرم الطرف الاسرائيلي، ويدعو الى اعتقال كافة قادة الحرب الصهيونية. وهؤلاء ايضا لم نسمع منهم شيئا أو جملة واحدة حول ما جاء في التقرير، والذي نعرفه عنهم انهم اتخذوا موقفا معاديا للجنة منذ تأسيسها بقيادة جولدستون، وذلك معتبرين ان هذه اللجنة ورئيسها سيفرغان القضية من مضمونها، خاصة وأن جولدستون هو من رأس لجنة التحقيق في دارفور، ودعا الى اعتقال الرئيس البشير، وهذا الفريق طبل وزمر وقال الكثير في حينه، مستغلا ان جولدستون يهودي وان ابنته تدرس في الجامعة العبرية في تل ابيب. نعم، لقد تطرق التقرير الى جوانب عديدة تدين دولة الاحتلال في حربها على قطاع غزة، نعم ان ما قيل عن جيش الارهاب الصهيوني لم تقله أي جهة دولية من قبل. نعم، علينا جميعا ان نؤيد ملاحقة القادة الصهاينة القتلة، نعم، علينا ان لا نجامل قياداتها التي تعشق الدم الفلسطيني. اما السؤال الذي لم يساله أي من الطرفين المؤيد والمعارض وهو : ( ماذا كتب في التقرير عنا نحن الفلسطينيين؟ ) هل كتب أننا ضحايا ومسالمين؟ هل قيل إننا عراة دون غطاء؟ هل قال انه تم قتلنا بدم بارد؟ للأسف لم يكتب هذا كله، بل تم اتهامنا بأننا نخرق القانون الدولي واتفاقية جنيف الثالثة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة. لقد تم اتهامنا واتهام مناضلينا في غزة بأنهم مجرمو حرب ايضا، جاء في الباب الخامس من التقرير والذي جاء بعنوان: النتائج والتوصيات قسم E ، البند الرابع بعنوان (عمليات مجموعات فلسطينية مسلحة) رقم 1747 ما يلي : (فيما يتعلق بإطلاق الصواريخ وقذائف الهاون على جنوب اسرائيل من قبل المجموعات المسلحة الفلسطينية العاملة في قطاع غزة، حيث توصلت البعثة الدولية الى ان هذه المجموعات المسلحة أخفقت في التمييز بين الاهداف العسكرية والأخرى المدنية في جنوب اسرائيل. إن مطلقي الصواريخ والقذائف لم يراعوا أي أهمية لتحديد الأهداف العسكرية، بل كانت تطلق بشكل عشوائي على المناطق المدنية، وهذا بحد ذاته اعتداء على المدنيين، وهذه الاعمال تعتبر جرائم حرب ، وقد تصل الى درجة انها جرائم ضد الانسانية)، أما حول تبرير جولدستون لعدد الضحايا القليل جدا في الطرف الاسرائيلي فقد جاء في التقرير وبنفس الباب السابق رقم 1698 ما يلي: ( هذا القصف «القصف الفلسطيني» أدى الى قتل 4 اشخاص ومئات الجرحى، ويعود السبب في قلة عدد القتلى إلى الاجراءات التي اتخذتها دولة اسرائيل لحماية البنايات العامة، وبناء الملاجيء واغلاق المدارس وغيرها). وحول تبرير التقرير لضخامة عدد الضحايا من الطرف الفلسطيني جاء في البند رقم 1770 من التقرير ما يلي: (على المجموعات الفلسطينية المسلحة احترام القانون الدولي الانساني ، وذلك بالامتناع عن قصف المدنيين والاهداف المدنية ، وعليها اتخاذ الاجراءات الضرورية لحماية مواطنيها اثناء الاشتباكات)، أي ان السلطة المقالة في غزة لم تعير أي اهتمام للمواطنين، بل تركتهم عراة تحت القصف، وهذا هو سبب ضخامة عدد القتلى والجرحى وليس فقط من الاسلحة الاسرائيلية الفتاكة فسفورية كانت او غيرها. لقد تطرق التقرير ايضا الى قضايا تعتبر مركزية لدى الطرف الفلسطيني بشكل عام ، ولدى السلطة المقالة في غزة بشكل خاص والمتعلقة بالجندي الاسرئيلي شاليط، حيث جاء في البند 1749 ما يلي : ( بالنسبة لاحتجاز شاليط، ترى الهيئة الدولية، وبما انه جندي تابع للقوات الاسرائيلية، وتم اعتقاله خلال الاجتياحات على غزة، حيث تنطبق على جلعاد شاليط كافة معايير اسرى الحرب وذلك حسب اتفاقية جنيف الثالثة، حيث وجب حمايته، ومعاملته بانسانية، والسماح له بالاتصالات الخارجية بشكل مناسب كما جاء في الاتفاقية). وزيادة على هذا طالب التقرير في البند 1772، النقطة الثانية باطلاق سراح شاليط ، حيث جاء فيها ما يلي: (على المجموعات المسلحة اطلاق سراح شاليط استنادا على الاسس الانسانية ، وعليهم تصنيفه كأسير حرب والسماح للصليب الاحمر بزيارته...). السؤال المفترض أن يطرح الآن: ماذا سيكون موقف حماس وفضائية الجزيرة والفريق الأول لو أن السلطة الفلسطينية وافقت على التصويت؟ هل سيتم تأييدها ودعمها أم سيتم مهاجمتها ووصفها ووصف رئيسها بنفس الأوصاف «بالخيانة»، لأنهم يوافقون على تقرير جولدستون اليهودي الذي ساوى بين الضحية والجلاد في تقريره، والذي طالب ايضا باعتقال البشير رئيس السودان الذي مد غزة بالاسلحة ابان الحرب. اعني هنا، او اتصور انه كان امام حماس موقفان (سيف ذو حدين) تخوين السلطة والرئيس سواء وافق على التصويت او اجل التصويت. وهذا يذكرنا بتصريحات القيادي في حركة حماس اسماعيل رضوان لوكالة فرانس برس، الذي قال إن التقرير سياسي وغير متوازن، وحاول إرضاء الصهاينة، وانتقد مديح السلطة للتقرير، واعتبر ذلك خارجا عن الأخلاق. اما الفريق الثاني، فريق السلطة الذي وللاسف الشديد لم يدخل في أبواب وفصول وبنود التقرير، بل اكتفى بتبرير لا يرضى به أي انسان عاقل، وقد تبين ذلك أيضا من خلال الفوضى التي دبت في صفوف السلطة، فالدكتور صائب عريقات كان يقول: لن يؤجل التصويت، وخريشة قال: مصلحة الشعب بتأييد الدول العظمى للتقرير، والرئيس يقول: إنه قرار عربي إسلامي، ونمر حماد يتحدث عن رغبة الحلفاء! ومكتب الرئيس يتحدث عن لجنة تحقيق بقيادة حنا عميرة عضو اللجنة التنفيذية الذي قال يوم 5 أكتوبر 2009، وفي الثامنة والنصف مساء ومن على شاشة الجزيرة بأنه لا يعلم عن اللجنة، ولم يكلف بشكل رسمي من قبل الرئيس، وهو ينتظر عودة الرئيس من الخارج و........و.........و.... لا أريد ان أجلد الطرفين أكثر من هذا (ليس الهدف هنا جلد اي من الطرفين)، لان ما جرى واضح ، انه كما يسمى في السياسة (خسارة معركة) ، وليس (خسارة حرب). ما العمل؟ هذا هو السؤال الجوهري الآن. كيف يمكن أن نكسب حرب آذار (مارس) 2010 ؟ بالتصويت على تقرير جولدستون، ليس بصورته الحالية، بل بتطويره ليكون باتجاه ادانة دولة الاحتلال فقط، وليس المساواة بين الضحية والجلاد؟ لا يمكن ان نكسب الحرب اذا استمر الجدل البيزنطي غير المسؤول، أي اتهام بعضنا بعضا من اجل تأجيل او شطب موعد المصالحة، بل علينا اعداد العدة وتحضير الكوادر المهنية وتجنيد المؤسسات الوطنية والعربية والدولية للعمل كفريق واحد لتعديل التقرير وتطويره باتجاه ادانة دولة الاحتلال فقط، وحشد التاييد الدولي للتصويت عليه في اذار من العام القادم، و هذا يتطلب اولا انجاز المصالحة الوطنية و الحديث مع العالم بلسان واحد. باعتقادي ان المعركة الحقيقية هي من الان حتى اذار ، خاصة وان دولة الاحتلال هي المستفيدة الوحيدة من عملية التأجيل ، وذلك من اجل تغيير وتطوير التقرير بالاتجاه الذي يخدمها ، أي تركيز الضوء على الجانب الفلسطيني، وتقليل حدة التقرير على جانب جيش دولة الاحتلال. فالمعركة قادمة ، والعدو يعد العدة ، فهل نحن جاهزون ؟ ان جاهزيتنا تبدأ من لحظة ايقاف المعركة الاعلامية الداخلية الهادفة الى حشد المواطنين و كاننا في حملة انتخابية، و تخلص حماس من نشوة النصر على السلطة ، وعلى السلطة احترام عقولنا واحترام المهنية في العمل السياسي ومحاسبة المسؤولين ، فاذا توفر هذان الشرطان ، قد نكون مؤهلين لخوض المعركة التي من المؤكد ستكون اصعب واشد واكثر قسوة من المعركة السابقة التي خسرناها وفازت بها دولة الاحتلال، خاصة و ان الولاياتالمتحدةالامريكية ستكون الحليف الاستراتيجي لدولة الاحتلال في هذه المعركة، فمصالحها الكونية تقتضي تهميش مؤسسات الاممالمتحدة وعدم تفعيل اليات القانون الدولي للحفاظ على دورها المهيمن في مناطق الصراع في العالم.