يعد الطيب منشد من المناضلين الذين رافقوا العديد من قادة الاتحاد، واولهم الشهيد عمر بن جلون، الذي يكشف لنا الطيب عنه جوانب خفية، انسانية وسياسية ونقابية. كما أنه يعود بنا الى تفاصيل أخرى تمس الحياة النقابية في بلادنا وكل مخاضاتها، باعتباره شاهدا من الرعيل الأول، ومناضلا ومعاصرا للمخاضات التي عرفتها الساحة الاجتماعية. هناك اشياء كثيرة أخرى، ومواقف عديدة تكشفها ذاكرة الطيب لأول مرة.. إن مرحلة ما بعد المؤتمر الاستثنائي، تعتبر أطول فترة، تمكن الاتحاد -خلالها- من الاشتغال دون التعرض للضربات الوقائية التي كانت تكال إليه من طرف أجهزة الاستخبارات المغربية في المرحلة السابقة للحيلولة دون تمكنه من النفوذ الى النسيج المجتمعي بكل فئاته وتفرعاته. وفي كل مناطق البلاد وخصوصا بالبوادي التي كانت مناطق محظورة على الاتحاد ومناضلاته ومناضليه، كما هو الشأن بالنسبة لكل مكونات اليسار.وليس معنى هذا أن أجهزة المخابرات أوقفت نشاطها في مواجهة الاتحاد الاشتراكي، فحتى خلال مرحلة ما بعد 1975 مباشرة والفترات اللاحقة، ظل المئات من الاتحاديات والاتحاديين تحت مراقبة وتتبع الاجهزة في كل تحركاتهم وأنشطتهم، مثلما ظلت هواتفهم تحت التنصت، كما أن العديد من المقرات في بعض المناطق كانت تحت المراقبة الدائمة والحصار من طرف أجهزة الدولة، مثلما تعرض الكثير من الاتحاديين والاتحاديات على امتداد هذه الفترة الى الاعتقال او الاختطاف والمحاكمات الصورية،هذا دون ان نقف أمام اعتقال ومحاكمة وطرد المئات من المناضلات والمناضلين في قطاعي الصحة والتعليم وغيرهما من القطاعات إثر اضرابات 11/10/9 ابريل 1979 او الاعتقالات التي طالت المئات كذلك من المناضلات والمناضلين في القواعد والقيادة أثناء وبعد الاضراب العام ل 20 يونيو 1981 والتي أفضل الحديث عنها عند الكلام عن العلاقة مع القائد الكبير المرحوم عبد الرحيم بوعبيد. لكن هذه المرحلة، والتي أصبح فيها الاتحاد القوة السياسية الاكثر حضورا وتجذرا والاكثر تأطيرا للمجتمع بكل مكوناته وإعلامه الاكثر انتشارا وتداولا ، في هذه المرحلة، بدأ الاتحاد يعرف خلالها نوعا آخر من الصراع الداخلي. فعلى سبيل المثال، فإن المساهمة في الانتخابات كتجسيد لاستراتيجية النضال الديمقراطي، ونتيجة بعض السلوكات الانحرافية التي صاحبت تطبيق هذه الاستراتيجية، وغياب المحاسبة الصارمة، وإصرار أجهزة وزارة الداخلية على تزوير إرادة الناخبين،كل ذلك خلق قناعة لدى بعض مسؤولي ومناضلي الحزب بعدم جدوى المشاركة في المسلسل الانتخابي ، بحجة ان هذه المشاركة لافائدةمنها،وأنها لا تعدو أن تكون إلا تزكية لديمقراطية مشوهة،هذا الرأي شبيه بذلك البذي عبر عنه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بقيادة المرحوم مولاي عبد الله ابراهيم رحمه الله،حيث أصدر بلاغا منذ اعلان العزم على إجراء انتخابات 1976،ويؤكد فيه أن هذه الانتخابات ستكون مزورة،وأن المشاركة فيها لن تكون إلا تزكية للتزوير المرتقب، وأنها (أي المشاركة) لن تخدم قضايا الشعب المغربي، لذلك فإن UNFP سيقاطع المسلسل. لكنه أصدر بيانا، اعتقد سنة 1987 يؤكد فيه انه سيشارك في الانتخابات المقبلة، وبالمناسبة أتذكر أنني التقيت المناضل المرحوم الفقيه البصري بأحد المؤتمرات بليبيا، وبينما كنا في نقاش حول الوضع السياسي بالمغرب، سألته حول ماان كان على علم بموقف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية القاضي بالمشاركة في الانتخابات المقبلة ، فكان رد المرحوم البصري «عادتو كيدخل للسوق من بعد ما يحزن»... في حين كان أغلب المناضلين والاتحاديين، قيادة وقواعد، يرون ان المشاركة هي موقف نضالي على طريق بناء مؤسسات حقيقية، وأن التزوير الذي كان يمارس على قيادة الحزب من سمة تلك الاجهزة الادارية التي دأبت على خلق الاحزاب والنقابات والعديد من جمعيات السدود والوديان، في محاولة لتغيير الواقع الذي كانت تعكسه ارادة المواطنين آنذاك، وأنه لولا مشاركة الاتحاد الاشتراكي في تلك الانتخابات لما اضطر الجهاز الاداري الى تزويرها، كما أن الحزب في تلك المرحلة كان يعتبر أن المقاعد لاتهمه بقدر ما يهمه الوصول الى كل مكونات الشعب المغربي، وفتح حوار معها حول أوضاع البلاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية في الحاضر والمستقبل. وأذكر هنا، أن هناك قضايا أخرى كانت مثار خلاف ونقاش داخل الحزب ،طبعا بالاضافة الى مسألة المشاركة في المسلسل الانتخابي، كالموقف من الاممية الاشتراكية، او مسألة النقطة الفاصلة بين كلمة الاشتراكية والديمقراطية: هل هي موجودة ام لا طبعا لخلفيات ايديولوجية.. هذا الصراع الجديد الذي بدأت تعرفه صفوف الاتحاد الاشتراكي منذ 1977 كان يكتسي طابع الحدة في غالب الأحيان، وهي حدة تعكس قوة التنظيمات الحزبية آنذاك، وقد اتخذ هذا الصراع أشكالا مختلفة، فهو أحيانا ذو طابع سياسي معزز ببعض التحليلات والمقولات وأحيانا أخرى في تأويلات لبعض تصريحات قيادة الحزب او لبعض مقررات المؤتمر، وأحيانا أخرى وهو ما كان مؤسفا حقا، حيث اتخد شكل خلق الشائعات التي أصبحت متداولة بين صفوف الحزب، وهنا أتذكر على سبيل المثال احدى الشائعات التي أصبحت طرفا فيها دون إرادتي، كان ذلك في خريف 1979: استدعيت لتناول الغذاء بسلا عند أحد أصدقائي وهو في نفس الوقت عضو باللجنة الادارية للحزب وعضو الكتابة الاقليمية بالرباط، وكان يوم أحد، بعد الغذاء وأثناء تناولنا لكأس شاي، سألني هذا المناضل، هل علمت بما حدث بمدينة القنيطرة، قلت له لا. قال لي إنه في إطار تفعيل دورية المكتب السياسي للاقاليم والتي توصي بالقيام بحملة دعم مادي استثنائي بمناسبة عيد الاضحى لفائدة ضحايا طرد 11/10/9 ابريل 1979، في إطار تفعيل هذه الدورية، نظم الكاتب الاقليمي للحزب بالقنيطرة لقاء لبعض الميسورين من الاتحاديين والعاطفين واستدعى لتأطير هذا اللقاء الاخ محمد اليازغي باعتباره عضوا بالمكتب السياسي، ونائبا برلمانيا للقنيطرة. سي محمد اليازغي -يقول الراوي- أخذ الكلمة في هذا اللقاء، وشن هجوما عنيفا على الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وقيادتها. ضحكت وقلت هذا كلام لايمكن تصديقه. قال لي مخاطبي :«ان العديد من العرائض المستنكرة لما حدث موقعة من طرف اتحاديين واتحاديات هي الآن حسب ما روي له بمكتب الاستاذ عبد الرحمان بنعمرو». والحقيقة ان مواجهتي بالقول بوجود عرائض جعلت ثقتي تهتز. رجعت لمنزلي ولم أنم تلك الليلة إلا في ساعة متأخرة، لا أفكر في شيء إلا في دلالة هذا الحدث، خصوصا وأن الدعم الحزبي للكنفدرالية حول هذه الاخيرة لطابو داخل الحزب حتى أصبح ينظر اليها على أنها مصدر التضحية. يوم الاثنين لم أغادر المنزل صباحا رغم العديد من التزاماتي، وعشية نفس اليوم، خرجت مترددا قاصدا مقر الحزب بحي أكدال لحضور اجتماع اللجنة العمالية الوطنية. في الطريق ، جلست بمقهى «الايليزي» وحيدا، واذا بالاخ الاموي الذي كان مارا يراني، فيلتحق بي. جلسنا معا حول فنجان قهوة، ليلاحظ أنني غير طبيعي. بعد تردد، حكيت له القصة التي رويت لي بسلا، سألني فيم أفكر ؟ أجبته أنني قد اكتب رسالة أطالب فيها بالتحقيق. قال: هذا هو الموقف السليم. انتقلنا الى مقر الحزب، وابتدأ اجتماع اللجنة العمالية ، ولم أكن قادرا على مسايرته، وفجأة خرجت من قاعة الاجتماعات ودخلت أحد المكاتب، وحررت رسالة الى الكاتب الاول للحزب آنذاك المرحوم عبد الرحيم بوعبيد، ذكرت فيها كل المعطيات التي علمت بها، وطالبته بفتح تحقيق بالموضوع، وسلمت هذه الرسالة فورا للاخ الحبيب الشرقاوي الذي كان مداوما للمكتب السياسي، وعدت بعد ذلك إلى قاعة اجتماع اللجنة العمالية. وكما هو الشأن بعد انتهاء اجتماعات هذه اللجنة، كنت أعود رفقة الأخ أحمد بنجلون بسيارته عندما وصلت أمام منزلي وهممت بالنزول، سألني الأخ أحمد هل علمت بما جرى بمدينة القنيطرة؟ فقلت له: وهل ذلك صحيح؟ قال -حسب ما قيل له- إن ذلك صحيح، قلت له أنا حررت رسالة في الموضوع إلى الكاتب الأول عبد الرحيم بوعبيد، وطلبت فتح تحقيق، فقال هذا هو موقف المناضل. داخل نفس الأسبوع، التقيت بالمرحوم المناضل العربي الشتوكي، وبعد تجاذب أطراف الحديث حول بعض القضايا الحزبية سألني بدوره هل أمتلك معطيات عما يقال بالنسبة للقاء القنيطرة، قلت له إنني حررت رسالة في الموضوع طالبا فتح تحقيق، أجابني بتحفظ واضح قائلا: «أخشى -الأخ الطيب- أن تكون قد وقعت في الخطأ الذي وقعنا فيه نحن بمناسبة عقيقة عمر اليازغي». في نهاية نفس الأسبوع، سافرت إلى مدينة و رزازات وزاكورة في مهمة نقابية، صاحبني خلالها المناضل الذي حكى لي قصة لقاء القنيطرة، والذي أحطته علما بالرسالة. بعد رجوعي من السفر، زارني وفد من مناضلي القنيطرة لاستفساري حول قضايا نقابية وحزبية، انتهزت الفرصة دون الدخول في الموضوع بشكل مباشر، طرحت بعض الأسئلة حول دعم المطرودين و نشاط النائب البرلماني بالإقليم... وقد استنتجت أنه لا علم لهم بالحدث موضوع الرسالة، وبالصدفة بعد خروجهم مباشرة، اتصل بي الأخ الحبيب الشرقاوي طالبا مني الالتحاق به بالمقر المركزي، وعندما التحقت به، قال لي السي الحبيب، «الرسالة التي وضعتَها، أشرفتُ على طبعها، ويمكن لك مراجعتها، ووضع توقيعك عليها ».قرأت الرسالة ووقعتها وتسلمت منها نسخة. غادرت الأخ الحبيب لألمح أن السي محمد اليازغي يجلس بمكتب. دخلت عنده وأحسست بثقل اللحظة، لأني كنت متيقنا أنه اطلع على الرسالة، لذلك بادرته بالسؤال دون مقدمات: «آش هاد الشي آسي محمد»، فجاء جوابه مؤكدا استنتاجي أنه مطلع على الرسالة، حيث قال :«يا أخي هذه كلها أشياء مفبركة. صحيح لدي اتصال -باعتباري نائبا للمدينة- بالمناضلين والأجهزة الحزبية، أتسلم منهم شكايات المواطنين كما أنني أحلت عليهم العديد من الأطر والمواطنين الذين اتصلوابي وأبدوا رغبة في الانخراط بالحزب، لكنني لم أستدع لأي لقاء له علاقة بجمع الدعم للمطرودين». كنت أنصت للسي محمد، وهو يتكلم، وتكونت لدي قناعة حول زيف كل ما قيل. و في تلك اللحظة والسي محمد يتكلم، بدأت أفكر في سحب الرسالة، إلا أنني عدلت عن ذلك حتى لا يقال إنها كانت موجهة فقط ضد السي محمد اليازغي، بينما كان قصدي الوصول إلى الحقيقة. في اليوم الموالي أو بعد يومين، لم أعد أتذكر، اتصل بي الأخ الشرقاوي صباحا يطلب مني الحضور إلى مقر الحزب على الساعة الرابعة بعد الزوال للقاء الأخ عبد الرحيم بوعبيد. جئت في الموعدالمحدد لألتقي عند باب المقر بالأخ الأموي الذي سألته عن حضوره، فقال عبد الرحيم يطلبني، دخلنا معا، وجدنا الفقيد بالقاعة وإلى جانبه المرحوم الحبيب الفرقاني، كانت تبدو على ملامح السي عبد الرحيم علامات التأثر والحزن، بل لقد ذكرتني ملامحه في ذلك اليوم بالصورة التي كان عليها خلال جنازة الشهيد عمر بنجلون. بعد تبادل التحية، طلب من الحبيب الفرقاني فتح المحضر، ثم فتح ملفا كان أمامه حيث أخرج منه ورقة مدها إلي قائلا :«شوف واش هذي رسالتك»، لم أتسلمها منه، وقلت له هي رسالتي، ويمكن أن أقول لك مضمونها إن شئت. وضع الرسالة أمامه ثم حملها من جديد وبدأ يتكلم بصوت متقطع غابت عنه تلك النبرات القوية في صوت الرجل، قال أنا أحيل عليكما أنتما -الاثنين- هذه الرسالة (أي الأموي ومنشد) وأكلفكما رسميا بالاتصال بمن شئتما في القنيطرة أو غيرها، وأتوني بتقرير في الموضوع، وسوف نتخذ ما يلزم من قرارات، قلت له، الأخ عبد الرحيم، قبل أن أجيبك عن عرضك، أسألك عن سر وجود الأخ الأموي، علما بأن الرسالة موقعة من طرفي. أجاب بحدة، «الأموي هو الكاتب العام للمنظمة (CDT) التي يدعى أنه وقع الطعن فيها والقذف في قيادتها»، قلت له فيما يتعلق بالقيام بالتحقيق، أنا شخصيا أرفض هذا التكليف وأعتبره يغطي عن عدم تحمل الكاتب الأول لمسؤوليته في التحقيق، فلو أنك أخبرتني بنتائج البحث ولم أطمئن إليه، حينذاك سيكون تكليفك لنا مفهوما. وضع المرحوم عبد الرحيم الرسالة أمامه وبدا أنه أكثر تأثرا من البداية ثم أشعل سيجارته المعهودة وقال بنبرة أكثر حزنا والدمع يكاد يسقط من عينيه :«يا أخي قمنا بالتحقيق»، فتبين أنه ليس هناك حتى الشبهة لما قيل، فلو أن الاجتماع حصل لقلنا ربما أنه حصل تأويل فيما قيل خلال الاجتماع، لكن لم يعقد قط، وأردف قائلا:« لقد أصبحنا نقوم بما عجزت أن تقوم به الأجهزة الإدارية في السابق حيث أصبح بعضنا يأكل لحم البعض». والحقيقة أن جو التأثر والحزن خيم على الأربعة الحاضرين في اللقاء. أجبته أنني أثق كل الثقة فيما قاله لي، وأعتبر الموضوع منتهيا. وبعد حوالي أسبوع على هذا اللقاء مع سي عبد الرحيم، زارني بمنزلي وفد عن الكتابة الإقليمية بالرباط مكون من الأخوين حسن السرغيني وحميد السويدي، خاطبني الأخ حسن قائلا: «رسالتك التي وجهتها للكاتب الأول أحالها علينا للقيام بتحقيق في الموضوع. في هذا الاطار، نطلب منك بعض التوضيحات. قلت لهما، كلامي موثق في الرسالة، وهي لا تحتاج الى توضيحات، ولست مستعدا لإعطاء أي توضيحات أخرى. هذه الحكاية تظهربعضا من الأجواء التي سادت في صفوف الحزب في تلك المرحلة .إن هذه الصراعات التي عرفها الحزب، بدأت تؤثر على مردودية المناضلين وتؤثر على فعالية الحزب داخل المجتمع، ولم تنفع في تجاوزها التوافقات التي عاشها الحزب وهو يحضر لمؤتمره الثالث سنة 1978 ولا التوافقات التي حصلت داخل المؤتمر كالتوافق على البيان السياسي الذي لم ينشر، والتوافق حول قرار المؤتمر بالانسحاب من المؤسسات المنتخبة متى توفرت شروطه من الناحية السياسية، فقط ظلت أجواء الحزب ملبدة بالغيوم بعد هذا المؤتمر، وأصبحت الاجتماعات الحزبية الإقليمية والوطنية إطارا للمشاداة والنقاشات التي لا نهاية لها. وفي تقديري، فإن أجهزة الدولة لم تكن بعيدة عن تأجيج هذه الصراعات بطريقة غير مباشرة ودون الارتباط بهذا الطرف أو ذاك، كما أن تنظيم «الاختيار الثوري بالخارج»، لم يكن بعيدا هو الآخر على تغذية هذه الصراعات التي انتهت بشكل درامي مع كامل الأسف يوم 8 ماي 1983. هذه الصراعات، التي عرفها الحزب في هذه المرحلة، أثرت على قوة الحزب التنظيمية، وسنجد أن ثلاثة قطاعات حزبية كانت أكثر تضررا من غيرها، كما أن بعض الأقاليم كانت أكثر تأثرا بهذه الصراعات من غيرها. فبالنسبة للقطاعات، نجد أن القوة الضاربة للحزب في مرحلة ما بعد المؤتمر الاستثنائي كانت الشبيبة الاتحادية التي تم التركيز عليها خلال فترة هذا الصراع. هكذا، فإن مجموعة من مناضلي الشبيبة تحولت الى ما سمي آنذاك ب«رفاق الشهداء» .وإذا كانت الأغلبية بقيت داخل الحزب، فإن العديد من الشباب ضاع بين الفريقين. وأعتبر شخصيا أن أهم خسارة حصدها الحزب، كانت هي هذه التي حرمته من استثمار طاقات شابة عمل الحزب لمدة طويلة على تأهيلها قصد تغذية صفوفه بأطر وطاقات كفؤة ومجربة. ويلي هذا القطاع في التأثر بما جرى، قطاعا التعليم والمحاماة. ولئن كان الحزب قد تأثر -نسبيا- بالصراع الداخلي، وبما جرى يوم 8 ماي 1983 من حيث فقده لبعض مكوناته، فإنه -من جهة أخرى- فقد بعض التوازنات الداخلية ومعها فقد -كذلك- تلك القوة النقدية التي كان يعرفها من قبل، وهو ما سينعكس عليه في المراحل اللاحقة. ويمكن القول أيضا، أن الطرف الآخر لم يستفد من خروجه من الحزب في توسيع دائرة التأطير السياسي بالبلاد، والذي لو تم -فعلا -لاستفادت منه كل فصائل السيار.