الصينيون تسريع وتيرة سيرهم إلى الأمام بفضل إجراء جرئ: الدخول كليا في الدورة التجارية التي انتهت سنة 2001 بانضمام الصين رسميا لمنظمة التجارة العالمية. السنوات التي تلت اختيار سنة 1992 أثمرت النجاح الاقتصادي ثم السياسي لهذا القرار. هذا النجاح راجع جزئيا للصدفة السعيدة، فالصين المحررة منذ عقدين من أي تهديد خارجي، استفادت من الاستثمارات الغربية الضخمة والعشوائية في غالب الأحيان التي سمحت بها القوة الامريكية المرتاحة أكثر فأكثر بتعويض عجزها من خلال الودائع الناجمة عن فائض التجارة الخارجية الأمريكية، واستفادت في أوربا من شهية المستهلكين، وتراخي الجمارك وحسابات أولئك الذين كانوا يرون في واردات الصين سلاحا سهلا ضد التضخم. لكن السلطات الصينية تهيأت أيضا لتدبير الاقتصاد في إطار العولمة. وهكذا أصبح رؤساء الحكومات في بكين من كبار الاستراتيجيين الاقتصاديين يستعينون بأفضل وأكبر المستشارين. وهكذا نجح زهو رونجي سنة 1998 كيف يضع بلاده في منأى عن الأزمة الآسيوية، ومخطط الإقلاع الذي وضعه وين جياوباو مؤخرا نجح في تقليص تأثير الأزمة العالمية على الصين. وبالخصوص، فإن تحولا سوسيولوجيا وسياسيا حقيقيا هو الذي سمح بالنصر الاقتصادي للصين. فالشريحة البيروقراطية التي تقود البلاد منذ أزيد من خمسين سنة تحولت جزئيا إلى شريحة رجال أعمال بلوتوقراطية. ومصالح السلطات المحلية والشركات أصبحت متداخلة تماما. يعرفون كيف يبرمجون جهودهم من أجل الحفاظ على النظام الاجتماعي بضمان تطويق وخنق الانتفاضات. يوحدون صفوفهم من أجل دخول سوق جديدة أو الاستحواذ على موارد جديدة من المواد الأولية. هذا التحول يدفع الحدث السياسي الخالص إلى الدرجة الثانية: والقادة الصينيون الحاليون ليسوا شخصيات استثنائية ولا يبحثون عن ذلك. فهم مفوضو سلطة فعالون وبعيدون عن الأضواء يبدون كفاءة عالية في فن الحفاظ على هيمنتهم وضمان اغتناء البلد، وكذا اغتناء المقربين منهم. وإلى حدود تحول سنوات 2000 كان خطهم السياسي بسيطا: يتمثل في دفع أضواء الاقتصاد مع الإبقاء على تواجد دولي فعال مع احتواء التطلعات الشعبية من خلال المزج بين تلبية الحاجيات المادية والقمع. وبما أن هذه التطلعات تتزايد بفعل ارتفاع مستوى العيش، واتساع المجال الفردي، والتراخي الحتمي للأيديولوجية الرسمية، يعمل النظام بذكاء على تحويلها نحو أهداف قومية وطنية. ولهذا الغرض يستعمل النظام ذكريات الماضي وانتقادات الرأي العام الغربي الخاطئة في الغالب والانتصارات المؤكدة أكثر فأكثر للبلاد في المجال الاقتصادي والدبلوماسي. فالوطنية أصبحت تدريجيا المحرك المساعد لنظام يبقى خطابه الماركسي اللينيي خطاب استقطاب، لكنه يقارب أكثر فأكثر ديكتاتورية بلوتوقراطية ناجعة في معنى مشابه لبعض الدكتاتوريات التي عرفتها أوربا في القرن 19. لعبة القومية أو الوطنية مهما كانت خطورتها في النهاية تكشف عن فعل أساسي. فبين مرحلتي الشيوعية الصينية الحاكمة، فإن خط الاستمرارية هو بناء دولة قادرة على فرض نفسها على الشعب وعلى العالم. هذه الاستمرارية تفسر بوضوح أن النظام الحالي يؤكد انتماءه بقوة للأب ماوتسي دونغ الذي يبقى رغم كل شيء الرجل الذي أعاد تأسيس الدولة الصينية، وليس أكيدا أن هذا السادية كذبت سياسة تنتج عودة الصين حقيقة إلى الصف الأول عالميا. بالتأكيد أن الأهداف الاجتماعية التي يتبناها - باحتشام - للسياسة غير مأخوذة في الاعتبار رغم التراجع الملاحظ. ولكن على العموم فإن اتجاه عدد الأكثر فقرا تراجع في هذا البلد: لم يعد عددهم يزيد عن 100 ألف إلى 200 ألف يعيشون تحت عتبة الفقر. نحو أزمة للنموذج الصيني؟ بالمقابل وخلافا لما يتصوره الأصدقاء وبعض أعداد نظام بكين ورغم صلابته بل وديناميته المتجددة، فإن هذا النظام لا يخرج من التاريخ، فهو يتعرض بشكل خاص لتأثيرات العالم الذي انفتح عليه ويخصص جهودا قوية باهظة لمواجهتها. اليوم، مقاومته على العموم ناجحة، لأنها ترتكز على نموذج مراقبة سياسي واقتصادي قوي وفعال، ولكن العديد من المراقبين الصينيين حتى في الدوائر الرسمية يعتقدون عن حق بأن هذا النموذج مهدد. فهو يتمثل في تشغيل سلطوي لساكنة شابة في مجملها ومنضبطة، ويعطي لجهاز تسويق ديناميكي مزايا تنافسية تسمح نتائجه بتصاعد لنوعية جهاز الانتاج. هذه العناصر بدأت تضعف حتى قبل الأزمة العالمية التي زادت من وتيرة هذه الظاهرة، وأبرزت تراجع تنافسية الصادرات، وأكثر من ذلك ضعف مكانة الاستهلاك في الاقتصاد الصيني. السلطات فهمت ذلك وبشكل متبصر تبدي الرغبة في الاستثمار في اقتصاد أكثر تكنولوجية وأكثر حفاظا على البيئة وتطوير سياسات اجتماعية تعطي دينامية للاستهلاك. لكنها تجد نفسها سجينة إرثين ثقيلين، الأول يوجد في أعلى الهرم. نفوذ أحفاد الكبار القدامى وفي الأسفل يتمثل في ثقل البيروقراطيات الإقليمية الموروثة عن النظام السوفياتي الماوي التي تقلص كثيرا من فعالية التوجيهات المركزية، والثاني هو البلوتوقراطية شبه العامة لدى الكثيرين منذ عدة سنوات التي تجعل منها في الغالب دعامات قوية للشركات المصدرة. هذه التناقضات ترهن سلطة الدولة وتعرقل السياسات العمومية التي أصبحت ضرورية أكثر فأكثر، وهو ما قد يؤدي إلى توترات جدية. بعبارة أخرى وبعد الانتصارات الأخيرة ليس مستحيلا أن يتجه التاريخ المتوتر للجمهورية الصينية تدريجيا نحو مرحلة جديدة أكثر صعوبة وتعقيدا. عن لوموند بتصرف