بعد أن وضعت الحرب الضروس بين كل أنواع الرموز والطلاسم والتي لا يوجد لها نظير إلا في بلادنا السعيدة ، أوزارها ، لوحظ تحول مهم في الوعي الانتخابي وليس السياسي المصاحب لهذه الفانطازيا الانتخابية من منطلق تقييم أداء الأحزاب ومرشحيها خلال هذه الحملة، فغدت المقاهي مجالا لممارسة الوعي واللاوعي السياسي خاصة بعد أن أنهكهم التأمل في تفسير مضامين شعارات الأحزاب ورموزها الانتخابية، والتي تحيلنا في قراءة أولية على واقع سياسي مبعثر وفي حالة شرود بإخراج وكومبارس جديدين. وبدون شك لها امتدادات في خريطة المتخيل الاجتماعي الذي لازال يصارع من اجل الانعتاق من بعض مظاهر التسيس القرو- سطوي، ويطرح بالتالي أسئلة عنيفة حول مصداقية العمل السياسي مستقبلا ببلادنا. وقبل تفكيك بعض مظاهر تلك الرموز- الطلاسم لابد من الإشارة إلى هذا الزخم الهائل من البرامج الانتخابية المستنسخة داخل الدكاكين التي فتحت بمناسبة الذكرى الأولى ليوم 12 جوان السعيدة وحماتها من السماسرة والشناقة والفيدورات وكسالة الحمامات ومرتزقة العمل السياسوي وذوي الريع الاقتصادي الانتخابي ومختطفي الرهائن من اجل تشكيل المكاتب الصورية ... ويسألونك عن ابتعاد ونفور المواطنين عن صناديق الاقتراع فله ما يبرره: فباسم الديمقراطية والانفتاح والسلم الاجتماعي تفوقنا على البنغلاديش وجزر القمر وغينيا الاستوائية وجزر الواق واق .. في عدد اللوائح الانتخابية، وتفوقنا على هايتي ونيكارغوا وجاميكا في شحن اللوائح بمن هب ودب من الرحل بين الأطياف الحزبية منذ 2003 ، وانتعشت سوق النخاسة الانتخابية ومعها تحرك إيقاع الاقتصاد المغربي من حيث الشواء والزرود وشراء الذمم ، وضاعفت اتصالات المغرب أرباحها بسبب الضغط على شبكتها خلال الحملة رغم انف أجهزة التنصت والمراقبة، كما انتعشت مراكز ونقط تسويق الخمور بكل أصنافها للرفع من البريسنغ وخاصة خلال الأربع وعشرين ساعة التي سبقت الاقتراع ...هذا خلال المحطات التي سبقت رمضان ، أما بعده فالولائم الليلية حطمت أرقاما قياسية دون مراعاة لقدسية هذا الشهر العظيم : المهم هو المقعد والمقعد المسؤول في الجماعة آو الإقليم أو الجهة في انتظار معركة الغرفة الثانية القادمة.. ونحن أيضا أقوى من المريكان فهي دولة جد فقيرة من حيث رموزها وطلاسمها الانتخابية : صراع ما بين الفيل الضخم والحمار الوديع ، صراع شريف ينتهي بانتخاب رئيس ونواب يحترمون لعبتهم السياسية في كامل الوضوح .. نعم نحن أقوى منهم مع احترامي لكل رموزنا الانتخابية فلدينا رموز لا نجدها إلا عند الحكيم بيدبا في كليلة ودمنة، إلى درجة انك ستجد نفسك في غابة يحكمها أسد جسور؟ أو أمام خلية من النحل الأسيوي الشرس الذي قد يهاجمك في أية لحظة إذا عاندت الطريق التي سيسلكها ، وقد تجد نفسك في سيارة فارهة تسير بسرعة جنونية في اتجاه منعرجات الديمقراطية المغربية ، ونحن البلد الوحيد في عالم السياسة التي يظهر فيها الهلال في واضحة النهار بعد أن خبت أشعة الشمس ، وإذا كنت محظوظا فقد تقلع بك الطائرة من مطار بدون مدرجات ، وإذا كنت تهوى ممارسة التجارة فما عليك إلا الاستعانة بسيارة كبيرة من نوع سطافيط لنقل السلع البشرية وخاصة يوم التصويت . الغزال الوديع لا توجد عندنا إلا في المحميات وأوقات الانتخابات وقد تكون محظوظا إذا شاهدتها على قناة les animaux . أما إذا كنت من هواة ومدمني قراءة ودراسة الأدب العربي أنصحك بالانكباب على دراسة البعد الفلسفي لقنديل أم هاشم؟ وإذا كنت عاجزا عن كل هذا، فالتراكتور الذي صنعته اليابان والغرب للأغراض الفلاحية الصرفة ، سيدهسك لا محالة إذا كان وزنك اخف من عجلاته الضخمة.. فسياقته لا تتطلب بيرمي ؟؟ ولا داعي للقلق فإذا حضر عندك الضيوف وفكرت في الوليمة التي تحمر ليك الوجه معاهم فما عليك إلا بديك من حجم ونوع الديك الذي اقتحم بوابة 12 جوان الفولاذية الأخيرة مع ديسير التفاح اللذيذ ، فالتفاح موجود وبالإسهال هذه الايام على موائد التكوليس الانتخابي الليلية ، بطبيعة الحال ليس تفاح ميدلت أو زايدة الطبيعي ؟؟ أما إذا كنت ظمآن فالروبينيات والصنابير موجودة خلال هذه المرحلة بمياهها العذبة والباردة، ارتوِ كما تشاء وبدون مقابل فالفاتورة تأتي من بعد ... عشرات وعشرات الطلاسم من الصعب على المغاربة وهم يصارعون من اجل لقمة عيش مستعصية فك رموزها، فالجميع في حالة ذهول ذهني لإيجاد تفسيرات مقبولة عقليا لما يجري في ساحتنا الانتخابية : عشرات اللوائح؟ آلاف المرشحين؟ رموز بدون حمولة تاريخية وسياسية؟ مكاتب جماعات وعملات وجهات الله وحده يعلم كيف ولدت من زمن المسخ الانتخابي.. المال هنا وهناك؟ اختطاف وقرصنة وإغراء ووعد ووعيد وكر وفر لتشكيل مكاتب الجماعات و العملات وكذلك الجهات؟ أبهذا سنطمئن على مستقبل ديمقراطيتنا الفتية ؟ نحن بحاجة إلى أوكسجين انتخابي جديد تحكمه قوانين الردع والمراقبة والمحاسبة الصارمة ، نحن أيضا بحاجة إلى عتبة سياسية وقانونية وليس إلى عتبة عددية، نعم عتبة سياسية تلغي دور أرانب السباق الذي تمارسه بعض أحزابنا ، نحن بحاجة أيضا إلى إعادة النظر في الترسانة القانونية المنظمة للعملية من أصلها ، ونحن بحاجة إلى أقطاب سياسية حقيقية تشتغل على برامج وتوجهات مستقبلية على شاكلة مؤسسات انتخابية حقيقية وفي مقرات تحترم نفسها وليس في حوانيت لا تفتح إلا في مثل هذه المناسبات كما تفتح دكاكين الأضاحي كلما اقترب عيدها . وإذا كنا نعتز بانتمائنا لوطننا المغرب، فلابد من رد الاعتبار له ولمؤسساته المنتخبة التي يجب قبل كل شيء احترام وصيانة كرامة مواطنيه وان لا تعامله على أساس كونه أوراقا للتصويت فقط ، نحن بحاجة إلى سلطة تطبق القانون عن قرب وليست سلطة تتفرج على ذبح الديمقراطية كما وقع بفاس وخريبكة والدارالبيضاء وفي جل الجماعات القروية حيث فعلت الفتوات الانتخابية كل شيء إلا ممارسة الديمقراطية وأما م أعين...؟؟ نحن بحاجة إلى تطبيق القانون على قدم المساواة : فكيف يطبق وبطريقة اندفاعية تحكمها المجاملة وقوة السلطة المحركة للملف في مراكش ؟ ويقفز على القانون حينما يتعلق الآمر برجل سلطة آخر كما هو الحال باكادير ضدا في القباج وفي الوردة التي ينتمي إليها ؟ لا يمكن ابدا المزايدة على عزة هذا الوطن بمسوخ انتخابية تعامل المغاربة الشرفاء كقطيع مواشي يعرض للبيع والشراء الانتخابي. إنها وقفة للتأمل والتشريح والعلاج قبل فوات الأوان.