الأرقام التي أصدرتها «ماروك ميتري»، المؤسسة الفرنسية المكلفة بإحصاء نسب مشاهدة التلفزيون المغربي، خلال رمضان الذي ودعناه، والتي بوأت الإنتاجات التلفزيونية الوطنية المراتب الأولى، جعلت العديد من «الفاعلين» من منتجي هذه «الانتاجات» أو منفذيها أو مسؤولي برمجتها على القنوات الوطنية.. يسبحون عكس تيار الإجماع الوطني حول رداءة وتفاهة وإسفاف معظم الانتاجات التلفزيونية الرمضانية الفكاهية إن لم نقل كلها وبدون استثناء... ذلك أن تحقيق هذه الأرقام، وبتلك «الضخامة» المعلومة، (ما فوق الثلاثين في المئة للبرنامج الواحد)، تعني في عرف «رجال التلفزيون» بالمغرب أن إنتاجاتهم الحالية وفت ب«الغرض» وحققت «الحلم المغربي» في متابعة أعمال وطنية ترقى إلى الطموحات والرغبات التي لطالما انتظرها الجميع منذ سنوات طويلة.. وبالتالي فإن ما يقال في الشارع الرمضاني وما يكتب على صفحات الجرائد وما يعبر عنه في بعض القنوات الإذاعية وحتى التلفزيونية، حتى وإن كانت أجنبية، ما هو إلا سفسطة وترهات ولغط وحسد (علاش لا.. وخمسة على عينيك!!) ذلك أن تلفزيونينا تبارك الله قد حطما هذا الموسم التلفزيوني الرقم القياسي فيما يخص إنتاج الأعمال التلفزيونية الكوميدية منها من دشن طريقه إلى الشاشة ومنها من ينتظر «قرار» التوقيت المعلوم .. ولذلك حديث آخر.. ما من شك أن الأحصائيات التي أفصحت عنها «ماروك ميتري» خلال هذا الشهر، لا «يدخلها!! »الشك و«الباطل» لا من أمامها ولا من خلفها، لا من شمالها ولا من يمينها، لا من فوقها ولا من تحتها .. فهي على كل حال مؤسسة إحصائية مختصة وهامش الخطأ في نتائجها لا يحتمل إلا نسبا جد ضئيلة، بالتالي فإن ما كشفت عنه، في هذا الإطار، حدث واقع لا لبس فيه، وأن المغاربة وطنيون تلفزيونيا، يعشقون الانتاجات التي «تبدعها» قنواتهم، قنتايهم التلفزيتين الكبيرتين جدا، اللتين كانتا في الموعد، موعد جذب أنظار المشاهدين إليهما في هذا الشهر الفضيل، لا لكي يتابعون أعمالا كوميدية ودرامية وطنية في مستوى المأمول والمنتظر منذ زمن تلفزوني طويل، ولكن ليتابعوا «اكسايد» (حوادث سير) تلفزيونية، بدليل أن المغاربة جل المغاربة، وفي إطار عُرْف التضامن والمواساة وكذا حب الاستطلاع، يتجمعون ويتحلقون كلما وقعت «اكسيدا» (حادثة سير) في الطريق، وينطلقون كل من جانبه و اجتهاده، بعد ذلك، في تأويل وتفسير و تحليل مسلسل الظالم والمظلوم، المسؤول والمسؤولية والمحضر وهلم جرا، وكلما كانت الحادثة/الكارثة الطرقية أكبر، كلما كانت التجمع والتحلق أكبر. وهو الأمر نفسه ما وقع ل«تلفزيونينا» «الأولى» و«الثانية» في هذا الشهر، فتحقيق نسب مشاهدة عالية لا يعني بالضرورة تفوق برامجنا «فكاهيا» على البرامج المماثلة في فضاءات عرض أخرى، وإنما قد يعني كذلك أن المشاهدين المغاربة فضلوا متابعة «اكسايد» هم ( حوادثهم) التلفزيونية الرمضانية من باب «التضامن» فيما بينهم و«المواساة» لبعضهم لبعض من منطلق أنهم ضحية هذه الكوارث.. ليستتبع ذلك سيل تحديد المسؤولية بينهم، هُمْ المتحلقون والمجتمعون والضحية..: من المسؤول عن هذه الكوارث، أي «شكون لي فوتيف»؟!! هل المشاهد الذي لم يحسن اختيار ما يشاهده؟ هل القناتان اللتان لم ترسما خريطة طريق تلفزيونية صحيحة ومقبولة؟ هل تنفيذ الإنتاج الذي فيه كثير من الاختلالات لغرض تحقيق شيئ ما ؟ أم نصوص الأعمال التي شابها الكثير من الارتجال في غياب فكرة واضحة ومسار حكائي منطقي؟ أم للإخراج الذي كان يغرد خارج السياق بسبب ما طبع هذه الأعمال من الارتجال وبالتالي استعصى عليه القبض على «اللجام»؟ أم للممثلين الحلقة الأضعف في إنتاجاتنا الدرامية الذين ساهم بعضهم، بنمطيتهم ومبالغتهم «الإبداعية» وفي نجوميتهم التي لا يروها إلا هُمْ، أو في دفع بعضهم دفعا إلى هذا المجال الذي يتطلب مقدرة وموهبة متمكنتين.. في إفساد ما تبقى من جذوة هذه الأعمال؟.. فمهما كانت أرقام هذه الإحصائيات، فنتائجها واقع، وإنتاجاتنا التلفزيونية، خصوصا الكوميدية واقع آخر، قد لا تجمع بينهما إلا«لحظة المواساة» تلك بين المشاهدين، في انتظار أن يَمُنَّ الله علينا ب« لجنة وطنية للوقاية من الحوادث التلفزيونية» حقيقية.. مادام هذا تلفزيوننا واحنا «مواليه»!!