خرج ركبٌ من ثقيفٍ إلى الشأم، وفيهم أميّة بن أبي الصّلت، فلمّا قفلوا راجعين نزلوا منزلاً ليتعشّوا بعشاء، إذ أقبلت عظايةٌ حتّى دنت منهم، فحصبها بعضهم بشيءٍ في وجهها فرجعت؛ وكفتوا سفرتهم ثم قاموا يرحلون ممسين؛ فطلعت عليهم عجوز من وراء كثيبٍ مقابلٍ لهم تتوكّأ على عصاً، فقالت: -ما منعكم أن تطعموا رجيمة الجارية اليتيمة التي جاءتكم عشيّة؟ قالوا: -ومن أنت؟ قالت: -أنا أمّ العوّام، إمت منذ أعوام؛ أمّا وربّ العباد، لتفترقنّ في البلاد. وضربت بعصاها الأرض ثم قالت: -بطّئي إيابهم، ونفّري ركابهم. فوثبت الإبل كأنّ على ذروة كل بعير منها شيطاناً ما يملك منها شيءٌ، حتى افترقت في الوادي. فجمعوها في آخر النهار من الغد ولم يكادوا. فلمّا أناخوها ليرحلونها طلعت عليهم العجوز فضربت الأرض بعصاها ثم قالت كقولها الأوّل؛ ففعلت الإبل كفعلها بالأمس، فلم يجمعوها إلا الغد عشيّة. فلمّا أناخوها ليرحلونها أقبلت العجوز ففعلت كفعلها في اليومين ونفرت الإبل. فقالوا لأميّة: -أين ما كنت تخبرنا به عن نفسك؟ فقال: - اذهبوا أنتم في طلب الإبل ودعوني. فتوجّه إلى ذلك الكثيب الذي كانت العجوز تأتي منه حتى علاه وهبط منه إلى وادٍ، فإذا فيه كنيسةٌ وقناديل، وإذا رجل مضطجع معترض على بابها، وإذا رجلٌ أبيض الرأس واللّحية؛ فلمّا رأى أميّة قال: - إنّك لمتبوع، فمن أين يأتيك صاحبك؟ قال: -من أذني اليسرى. قال: - فبأيّ الثياب يأمرك؟ قال: - بالسواد. قال: -هذا خطيب الجنّ؛ كدت والله أن تكونه ولم تفعل؛ إنّ صاحب النبوّة يأتيه صاحبه من قبل أذنه اليمنى، ويأمره بلباس البياض؛ فما حاجتك؟ فحدّثه حديث العجوز؛ فقال: -صدقت، وليست بصادقة! هي امرأةٌ يهودية من الجنّ هلك زوجها منذ أعوام، وإنّها لن تزال تصنع ذلك بكم حتى تهلككم إن آستطاعت. فقال أميّة: -وما الحيلة؟ فقال: -جمّعوا ظهركم، فإذا جاءتكم ففعلت كما كانت تفعل فقولوا لها: -سبعٌ من فوق وسبعٌ من أسفل، باسمك اللّهم؛ فلن تضرّكم. فرجع أميّة إليهم وقد جمعوا الظّهر. فلمّا أقبلت قال لها ما أمره به الشيخ، فلم تضرّهم. فلمّا رأت الإبل لم تتحرّك قالت: -قد عرفت صاحبكم، وليبيضّنّ أعلاه، وليسودّنّ أسفله؛ فأصبح أميّة وقد برص في عذاريه واسودّ أسفله. فلمّا قدموا مكة ذكروا لهم هذا الحديث؛ فكان ذلك أوّل ما كتب أهل مكة « باسمك اللّهم « في كتبهم.