لقد شكل اعتقال المدعو«ت« ضربة قوية وموجعة لتجارة المخدرات ببلادنا، فهذا الأخير كان يشكل نموذجا للبارون الكلاسيكي المنحدر من الشمال، إذ كانت له القدرة على الاشتغال في الظل وبدون إثارة الانتباه، فضلا عن نسج شبكة معقدة من العلاقات الخفية وفق الأسلوب الأوروبي. وترجع أولى إرهاصات امتهان المعني بالأمر لتجارة المخدرات إلى سنة 1992، بحيث شكل إلى جانب أحد أقاربه ثنائيا على درجة كبيرة من الخطورة، واستطاعا تنفيذ مجموعة من عمليات الترويج على مستوى السوق الداخلية، وهو الأمر الذي مكنهما من مراكمة ثروات تقدر بالملايين. بعد هذه المرحلة التمهيدية، صوّب المعني بالأمر اهتماماته غير المشروعة نحو السوق العالمية، بحيث كان يتزود بكميات كبيرة من مخدر الحشيش من منطقة شفشاون وبصفة خاصة من أقربائه المنحدرين من نفس المنطقة وذلك مقابل 1500 درهم للكيلو غرام الواحد. ولتأمين عمليات النقل والتهريب، عمد المعني بالأمر إلى تجنيد أحد »الحمالة« بمدينة تطوان والمعروف بعدوانيته، وذلك من أجل نقل الشحنات المخدرة إلى أحد نقط التهريب بالسواحل الشمالية لاسيما بمنطقة القصر الصغير وذلك لقاء 100 درهم للكيلوغرام الواحد. بعد ذلك، يعهد إلى أشخاص آخرين متمرسين في سياقة الزوارق السريعة بتأمين عمليات التهريب عبر المسالك البحرية في اتجاه نقط محددة في الجنوب الإسباني مقابل 2000 درهم للكيلوا غرام. وهنا لا بد من التنويه إلى أن كل من منير الرماش والنيني سبق لهما أن اشتغلا في وقت من الأوقات لدى هذا المهرب الخطير، كما تنبغي الإشارة أيضا إلى أن الكيلو الواحد من مخدر الحشيش تبلغ قيمته عند وصوله إلى اسبانيا 7000 درهم. وإلى حدود سنة 2003م، ظل هذا البطل« السلبي طبعا« مستمرا في نشاطاته الإجرامية، بحيث تمكن من تنفيذ المئات من عمليات التهريب والتي كانت تنصب على كميات تتراوح ما بين 200 و500 كيلوغرام في العملية الواحدة، وكان يجني من وراء ذلك ثلث الأرباح والتي تتراوح ما بين 70 و220 مليون سنتيم. واقتناعا من السالف الذكر بأهمية توفير الحماية لأنشطته المشوبة بعدم الشرعية، فقد تمكن من نسج شبكة محكمة ومعقدة ومتعددة الاتجاهات سواء مع بعض موظفي تطبيق القانون أو القضاة أو المحامين، بحيث كان يمنحهم مبالغ مالية مهمة من أجل التستر عن نشاطه الإجرامي، وفي حال تطور الموقف ومتابعته أمام القضاء، العمل على تجنبيه العقوبة الجنائية وبصفة خاصة تلك السالبة للحرية. هذا البارون، وبالرغم من إثارة اسمه في محاضر منير الرماش والنيني، فقد استطاع أن يعبر بدون عائق الثقوب الدقيقة لسياج العدالة. فقد أفصح للمحققين عن شبكة علاقاته المشبوهة لاسيما في صفوف رجال القضاء بمدينة تطوان، الذين استطاعوا أن يوفروا له الحماية في عدد من القضايا التي أثير فيها، وذلك بوساطة من بعض المحامين وموظفي الشرطة العاملين بمنطقة الشمال أو بعض رجال الدرك الذين يعملون بمنطقة شفشاون. لكن الجديد هذه المرة هو تورط خمسة من رجال السلطة السامين العاملين بمدينة شفشاون وضواحيها. عبدو: البارون راشي القوات المساعدة مند سنة 1992، وعبدو يشتغل كمساعد ناقل للمخدرات على متن الزوارق السريعة، التي كانت تنطلق من بحيرة مرشيكة صوب السواحل الجنوبية لإسبانيا، وذلك مقابل مبالغ مالية لقاء كل عملية تهريب. لكن بعد ذلك، قرر المعني بالأمر أن يشتغل لحسابه الخاص، حيث أصبح يتكلف بخفر المخدرات لفائدة مجموعة من البارونات، وقد ناهزت العمليات التي قام بها المئات تقريبا، وانصبت في الغالب على كميات مهمة من الشحنات المخدرة تراوحت ما بين 500 كيلوغرام وثلاثة أطنان، مما رجع عليه بعائدات مالية وثروات مهمة. المعني بالأمر، عند إيقافه، أوشى بأسماء بعض رجال القوات المساعدة الذين كانوا يشتغلون ببحيرة مرشيكة والذين سهلوا له اثنين من عمليات التهريب، كما كشف عن أسماء بعض المتواطئين معه من رجال القوة العمومية الذين كانوا يوفرون له الحماية لأنشطته المحظورة، من بينهم بعض مساعدي رجال السلطة العاملين بدائرة نفوذ قيادة Argmen. وقد أضاف السالف الذكر كذلك، أن رجال القوات المساعدة المتواطئين معه والعاملين بساحل بحيرة مرشيكة، كانوا يحصلون جراء غض الطرف عن أعماله الإجرامية عن رشاوى تتراوح ما بين 180.000 و 250.000 درهم. حميد يضلّل السلطات بوثائق مزيفة أكد عبد الحميد«ب«، أنه خلال إقامته باسبانيا كان يتردد بين الفينة والأخرى على المغرب بطريقة سرية، وفي الغالب كانت تتم هذه العملية على متن دراجة الجيتسكي المائية، مستعينا في ذلك بخدمات شقيقه محمد »ب« أو بعض الوسطاء الذين أدلى بأسمائهم وعلاماتهم المميزة. وأثناء حلوله بالمغرب، أوضح المعني بالأمر أنه كان يتجول بطريقة عادية باستعمال وثائق هوية تخص أحد أقربائه الذي يشبهه كثيرا سواء في الملامح أو من الناحية الجسمانية. محمد وتبييض الأموال كان محمد يضطلع بمهمة غسل العائدات الإجرامية المتسخة المملوكة لعائلة السوماتي، وكانت تربطه بالمجموعة آصرة مصاهرة. ذلك أنه في أعقاب توقيف شاحنة مملوكة للشبكة وعلى متنها شحنة من المخدرات، تم تذييع مذكرة بحث في حق عراب العائلة، وهو الأمر الذي أجبره على مغادرة مدينة طنجة والانتقال للعيش بمدينة الدارالبيضاء. في هذه المرحلة، عهد السالف الذكر لصهره محمد بمهمة تبييض ممتلكاته، حيث فتح هذا الأخير باسمه حسابين بنكيين كانت تحوّل لهما عائدات المخدرات النقدية، كما اشترى أيضا مجموعة من الأملاك العقارية والمنقولة فضلا عن تحصيل مقابل الشحنات المهربة. وكان المعني بالأمر، طيلة هذه المدة، يتخفى وراء قناع منعش عقاري قبل أن يتم كشفه واعتقاله على ذمة هذه القضية. البارون على شاكلة المافيا يشتغل هذا الصنف من الأباطرة وفق أسلوب جماعي يعتمد على العلاقات الأسرية المعمول بها في شبكات المافيا العالمية، والتي يتزعمها عادة عرّاب من داخل العائلة. والمثال الأكثر تجسيدا لهذا الصنف في الواقع العملي هو المسمى محمد »ب« الملقب ب«السوماتي«، الذي يعد أحد المهربين الكبار للمخدرات والذي يوجد حاليا في حالة فرار. المعني بالأمر، التحق أول مرة بميدان الترويج الدولي للمخدرات في سنة 2002، حيث شكل إلى جانب شقيقه وأحد أصدقاء طفولته شبكة إجرامية متخصصة في هذا المجال. ولتسهيل تنفيذ عمليات التهريب، أسس المعني بالأمر شركة للنقل الدولي والتي لم تكن في حقيقة الأمر سوى واجهة قانونية لإخفاء حقيقة الأنشطة غير المشروعة التي كان يقوم بها. أيضا كانت هذه الشركة تستغل كذلك في تهريب المخدرات التي كانت تشحن ضمن حاويات لنقل الخضر في اتجاه أوروبا وبصورة خاصة نحو إسبانيا. وبهدف تبيض العائدات الإجرامية المتحصل عليها من تجارة المخدرات، فكّر عراب العائلة في سنة 2004 في تفويت شركة النقل الدولي التي يملكها لفائدة شقيقه حميد، وذلك لتفادي مصادرتها لفائدة الدولة في حال اعتقاله لاحقا أو تحريك المتابعة في مواجهته !! على هذا الأساس، أصبح حميد هو مالك الشركة، الصوري طبعا، بينما احتفظ شقيقه العرّاب بالإدارة الفعلية، والتي كان يتولى تسييرها انطلاقا من ملجأه بمدينة الدارالبيضاء بعد أن أرغم على مغادرة مدينة طنجة خوفا من اعتقاله. لكن، وبعد فشل إحدى عمليات التهريب التي كانت تقوم بها العائلة، وبناءً على تعليمات مستعجلة من شقيقه الأكبر، حشد المعني بالأمر حقائبه وغادر المغرب مصحوبا بأبنائه وزوجته نحو اسبانيا التي مكث بها، وهناك قام ما بين 2005 و 2008 بتنفيذ حوالي 18 عملية تهريب دولية للمخدرات بمساهمة باقي أفراد الشبكة، حيث كان دوره ينحصر في التنسيق بين المهربين الإسبانيين والمزودين المحليين.