تتألف التركيبة العضوية لهذا التنظيم الإجرامي، الذي ينشط في مجال الاتجار غير المشروع في المخدرات القوية »الكوكايين«، مما يقارب خمسين عنصرا: حوالي ثلاثين منهم تم تحديد هوياتهم اصدار مذكرات للبحث وإلقاء القبض ضدهم، بينما تم إيقاف ستة أشخاص آخرين وتقديمهم أمام العدالة بعدما ضبطوا متلبسين بحيازة كميات كبيرة من هذا الصنف من المخدرات، مرفوقة بموازين إلكترونية تعتمد في قياس كمية الشحنات المخدرة. هذه العصابة الإجرامية، استطاعت نسج شبكة عنكبوتية حقيقية في مجموعة من المدن المغربية، لاسيما في مدن أكادير والدار البيضاء وتمارة ومكناسوفاس وطنجة والناظور وجهة الغرب، وفي بعض المناطق الصحراوية من المملكة على وجه التحديد، لكونها تعتبر نقط عبور لهذا النوع من المخدرات الذي يفضل البعض بتسميته ب »الثلج«. وقد كان عناصر هذا التنظيم، يعتمدون في تزودهم بمخدر الكوكايين على مجموعة من المزودين والناقلين الذين لهم ارتباطات بشبكات تنشط في منطقة الساحل والصحراء، بل وفي مناطق أعمق نحو الجنوب مثل دول غرب إفريقيا. وكما يعلم الجميع، فقد برزت مند بضع سنوات اتجاهات مستجدة في الجغرافية الدولية للمخدرات، تراهن على زرع شبكات للمخدرات تنحدر من دول أمريكا اللاتينية في بلدان منطقة غرب إفريقيا والساحل، مستفيدة في ذلك من فساد وتواطؤ النخب السياسية والأمنية، وذلك بهدف خلق منصات ثابتة لتهريب المخدرات نحو أوروبا من جهة أولى، وكذلك لتفادي المراقبة الأمنية الصارمة التي تفرضها الولاياتالمتحدةالأمريكية على المسالك التقليدية العابرة لشواطئ الكراييبي من جهة ثانية. هذا الأمر، أفرز إلى الوجود مسلكا جديدا ينطلق من أمريكا اللاتينية مرورا بغرب إفريقيا والمغرب ووصولا إلى الضفة الشمالية لبحر الأبيض المتوسط. وإذا كان من الممكن القول بأن احتمالية وجود تقارب عضوي بين شبكات المخدرات المغربية ونظيراتها الجنوب أمريكية الموجودة في غرب إفريقيا، لم يتم تأكيده بصورة قطعية ومؤكدة ليتسنى معرفة ما إذا كانت هذه الشبكات تستغل بالفعل المسالك المعتمدة سابقا في تهريب الحشيش لنقل وتصدير الكوكايين، إلا أن ذلك لا يعني بأن هذه الفرضية ليست قائمة على مستوى الواقع، إذ يلاحظ بأن الاتجار الداخلي انضم إلى الاتجار الدولي ليحتل الصدارة في سوق تجارة الكوكايين على المستوى الجهوي. ولعل واقعة اعتقال نجل مسؤول موريتاني سابق رفيع المستوى خلال السنة المنصرمة، وبحوزته ثمانية كيلوغرامات من الكوكايين كان يرغب في ترويجها بمدينة أكادير، لخير دليل على هذا التوجه الجديد في تجارة المخدرات القوية ببلادنا والمنطقة برمتها، ناهيك أيضا عن الاعتقالات المتعددة التي شهدتها مجموعة من المدن المغربية لمواطنين ينحدرون من دول جنوب الصحراء بعدما تبث تورطهم في قضايا ترويج »المخدرات البيضاء«. من المؤكد أن هذه الشبكة الإجرامية، تحاكي في هيكلتها ونشاطها التطورات الحاصلة في تجارة الكوكايين بمنطقة غرب إفريقيا، كما أنها تستجيب أيضا لتلك الصورة النمطية السلبية التي تبرز تورط نبلاء ونخب جهوية في شبكات ترويج هذا الصنف من المخدرات. فالوقائع المسجلة في الميدان تكشف بكيفية لا تقبل الجدل تورط مجموعة من الأعيان المنحدرين من دول جنوب الصحراء والساحل في مثل هذه الأنشطة المعيبة، بحيث تم استغلال الامتيازات والحصانات التي توفرها بعض الوظائف والألقاب بطريقة مشوبة بالتجاوز من قبل بارونات المخدرات الذين يحظون بحماية بعض النخب، وهو الأمر الذي مكنهم من التنصل من مراقبات أجهزة إنفاذ القانون وإدخال كميات من المخدرات على متن سياراتهم الشخصية إلى المغرب، حيث تم إيداعها بادئ الأمر بضواحي الرباط وبالضبط بمدينة الصخيرات، قبل أن يتم الشروع في توزيعها لاحقا في عدة اتجاهات داخل المملكة. هذه الشبكة، كانت تحرص على ضمان تدفق التموين بكيفية مرحلية للحيلولة دون إغراق الأسواق وكذا للحفاظ على الأسعار عند مستوى معين. ولضمان ذلك، كان المزودون الرئيسيون ينسقون فيما بينهم بكيفية مسبقة، بحيث يعمدون إلى توفير الطلبيات ومنحها بعد ذلك لمروجين صغار قصد العمل على بيعها بالأسواق. هذه الطريقة، مكنت من الحفاظ على سعر الكيلوغرام الواحد من الكوكايين في حدود ثلاثين مليون سنتيم بحسب درجة صفاء البضاعة. فالتجربة التي راكمها هؤلاء الأباطرة على مرّ السنين، أكسبتهم خبرة واسعة ودقيقة في الميدان، لدرجة أصبحت تسمح لهم بمعرفة جودة الشحنات وتقدير قيمتها بالعين المجردة، إذ أن مجرد الاطلاع وتحسس رائحة المخدر، تسمح بمعرفة ما إذا كان من الصنف الممتاز أم لا، كما أنها تمكن أيضا من تحديد ثمنه المناسب. أيضا، كشفت التحقيقات المنجزة بخصوص هذه الشبكة، عن تورط أحد الأعيان المحليين المنحدرين من الأقاليم الجنوبية، بالإضافة إلى »فاعل جمعوي« ومستخدم بلدي بنفس المنطقة. كذلك، وفي إطار الحديث دائما عن تورط النخب في تجارة الكوكايين، فقد تم مؤخرا اعتقال نائب برلماني سابق بمدينة مكناس نتيجة تورطه في هذه الشبكة الإجرامية، وهو الأمر الذي يوضح بجلاء كيف أن هؤلاء الأشخاص يستغلون حصاناتهم وامتيازاتهم الوظيفية لأغراض إجرامية. في الواقع، الشخص الذي يفترض فيه تمثيل الأمة وسن القوانين، أصبح هو أول من يخرق هذه القوانين! لقد تبث من خلال هذه القضية، كيف أن أحد الأعيان المحليين استغل مركزه القانوني والاجتماعي، ليقوم بتواطؤ مع »ناشط« في الحقل السياسي والجمعوي، بإدخال كميات من المخدرات الصلبة إلى التراب الوطني، وبعدها عمد إلى خفرها على متن سيارته الخاصة انطلاقا من منطقة الصحراء إلى مدينة الرباط، تمهيدا لبيعها لباقي أفراد العصابة بمبلغ 30 مليون سنتيم للكيلوغرام الواحد، وذلك كله بتواطؤ مع النائب البرلماني السابق بمدينة مكناس. أما بالنسبة لباقي الوسطاء والموزعين المتورطين في هذه الشبكة، والذين يوجد على رأسهم شخص يسمى حميد، فقد استطاعوا مند سنة 2006 القيام بمئات العمليات الإجرامية، التي كانت تنصب على كميات تتراوح ما بين 250 غرام و2 كيلوغرام، كان يتم جلبها من مزودين متخصصين في هذه التجارة غير المشروعة، ينشطون في أماكن محددة، تعتبر بمثابة نقط تجمع لأفراد العصابة، وتوجد بصفة خاصة إما بفيلا كان يكتريها المدعو حميد بمدينة الصخيرات، أو بمحلات للاصطياف بضواحي أكادير، أو بفيلا مكتراة بشاطئ سيدي رحال. كذلك تم رصد أماكن أخرى لتجمع عناصر هذه الشبكة، والتي لا تعدو أن تكون مجرد محلات عمومية، مثل مرآب أسواق السلام بمدينة الرباط، ونزل بمنطقة واد الجديد بضواحي مكناس، بالإضافة إلى محطة للبنزين »زيز« توجد عند مدخل الطريق السيار الرابط بين مكناسوالرباط. ولدرء مخاطر اعتقالهم أو اكتشاف نشاطهم من قبل أجهزة تطبيق القانون، عمد هؤلاء الأباطرة إلى نسج علاقات مشبوهة مع عدد من موظفي الشرطة والدرك الملكي، فعلى مستوى المدار الحضري لمدينة مكناس، حظي عناصر هذه الشبكة بنوع من الحماية من بعض موظفي الأمن، بحيث أوضح بعض الموقوفين أن عدد المتواطئين تجاوز العشرات، وكانوا يتقاضون مبالغ مالية أسبوعية تتراوح بين 5000 و 7000 درهم للشخص الواحد، وكانت تسلم لهم إما بحي الزاوية أو بمحطة للبنزين توجد عند مخارج مدينة مكناس في اتجاه فاس. أكثر من ذلك، عمد المدعو حميد إلى استغلال علاقاته الأسرية للاستعلام عن وضعيته ووضعية باقي عناصر الشبكة خاصة فيما يتعلق بالأبحاث المحررة في حقهم أو التي يحتمل تعميمهما في مواجهتهم!! هذه العلاقة الأسرية لم تكن سوى آصرة قرابة تربطه بمسؤول أمني بمدينة الحاجب، الذي نسي الالتزام القانوني المفروض عليه والقاضي بكتمان السر المهني، وأخذ يزود هؤلاء المجرمين بالمعلومات الخاصة بهم وذلك بعد أن يعمد إلى تنقيط هوياتهم بقاعدة بيانات الأشخاص المبحوث عنهم، بل أكثر من ذلك، فقد أشار المعني بالأمر على قريبه بأنه لا تطأ قدماه مدينة مكناس وذلك بضعة أيام قبل أن يتم اعتقاله. فلوا مثل هذه التصرفات المشينة التي تعتبر تجسيدا حقيقا لجرائم الفساد المالي، لكان حميد وأحد مساعديه في قبضة مصالح الأمن بمدينة مكناس التي كانت تبحث عنهما لردح من الزمن. مرة أخرى، وبالضبط بتاريخ 11 يوليوز 2009، وعلى إثر عراك نشب مع بعض المواطنين المغاربة المقيمين بالخارج على الطريق المؤدية إلى مراكش حيث كانوا يعتزمون التوجه للاصطياف، تم إيقاف السالف الذكر بمعية أحد مساعديه من طرف عناصر الدرك الملكي وهم متلبسين بحيازة بضع غرامات من الكوكايين معدة لاستهلاكهما الشخصي!! لكن بعد أداء رشوة قدرها 5000 درهم لفائدة أحد رتباء الدرك بنفس المركز، لم يظهر أي أثر للمخدرات المحجوزة في محاضر البحث المحالة بالتقديم على القضاء. فلقد تم الاكتفاء بتقديمهم أمام النيابة العامة لدى المحكمة الابتدائية بخنيفرة بتهمة انتحال صفة والسياقة في حالة سكر، ليتم إيداعهم بعد ذلك في السجن المحلي بهذه المدينة، قبل أن يتم إخلاء سبيلهم بعد عدة تدخلات لدى أحد نواب الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بمكناس، وذلك مقابل حصوله على رشوة تقدر ب 25 ألف درهم. على صعيد أخر، وحرصا على ضمان الحماية لأنشطته في مجال الوساطة في البغاء والاتجار في المخدرات القوية، عمد مجرم آخر معروف بلقب« حسن 17« بنسج علاقات مشبوهة مع بعض رتباء الدرك بإقليم سطات التي يتوفر بها على إقامة فاخرة، والتي كان يستغلها كوكر لكل النشاطات المشبوهة انطلاقا من ترويج الكوكايين، ومرورا بالقوادة والوساطة في البغاء، وانتهاء بالهجرة غير المشروعة. التحريات المنجزة على ضوء هذه القضية، أسفرت عن حجز كميات من مخدر الكوكايين، ومجموعة من الهواتف المحمولة والموازين الإلكترونية، فضلا عن سيارتين كانتا تستغلان من طرف عناصر الشبكة في تسهيل إتيان أنشطتهم الإجرامية.