كان الله في عون لاعبي الكوكب وأولمبيك خريبكة وحكام المباراة في افتتاح البطولة الوطنية بمراكش بعد معاناتهم مع المساحة الرياضية التي احتضنت رئاتهم وعيونهم لمدة 90 دقيقة، وهي المساحة »المفروشة« بشيء قيل عنه، والله أعلم، إنه عشب اصطناعي في خدمة التطلع إلى الاحتراف، والحال أن تركيبة التسمية تتماهى مع البشاعة ومع كلمات »الروا« و »البدوزة« و »الكورى«، أي تلك الإسطبلات المخصصة للبهائم في عرف بوادينا. إن اللاعبين لم يكونوا فقط في صراع مع عضلات بعضهم البعض، بل كانوا إضافة الى ذلك، في صراع مع أحجام مختلفة من أتربة وشظايا لبلاستيك التي كانت تتطاير مع مرور الكرات أو مع الرفس والشتف في الصراع من أجل تمريرها أو امتلاكها... نعم كانت هاته التدفقات والرشات البلاستيكية العفنة ترتفع من الأرض الى مستوى الصدور، وبالتالي أنوف اللاعبين بعدما تكون قد عذبتهم في معالجة مأمورياتهم الدفاعية والهجومية وتطايرت لتنفذ إلى رئاتهم وعيونهم. وهم لا يدركون مدى خطورتها عليهم، خاصة إذا ما سقطوا أرضاً وأصيبوا بذبحات أو خدوش على مستوى الأفخاذ والأذرع العارية، حيث يتلوث الجرح والخدش بمواد كيماوية سامة، هاته الفرشة الاصطناعية الكيماوية التي تدافعت الصفقات حولها لتغطية ملاعبنا تعرف أسواقاً وماركات متعددة ظهرت منذ أواخر الستينيات لتجد مجال ترويجها الخصب في دول الخليج وتنافست شركات إنتاجها في عينات ونماذج منها لتسويقها، إما لتأثيت البيوت أو جوانب الحدائق والمنتزهات، وإما للفضاءات الرياضية المتربة في مناطق الجفاف. وأتذكر أنني شاركت في معاينة أصناف من العشب الاصطناعي بإحدى مستودعات مدينة جدة سنة 1978، عندما كان الفريق الذي كنت أدربه آنذاك يسعى »لتفريش« ملعبه المحدث خارج مدينة مكة بالقرب من الميقات... عرضت علينا عدة نماذج، وكان العارض يقدم البضاعة مع توضيحات حول خطورة الاستعمال في حالتي الجفاف والرطوبة ومدى تأثير بعض النماذج على الجهاز التنفسي وعلى الآذان والعيون، وعلى الجراح وأكد على أن أخطر نموذج هو ذلك الذي يكون مفروشاً ومطعماً بالشذرات الخفيفة القابلة للتطاير تحت ضغط الاستعمال والاحتكاك وهي مواد كيماوية صلبة سريعة التطاير لخفتها وسهولة اختلاطها مع الرمال والأتربة الطائرة، ثم انها »تنشط« كثيراً مع هبوب الريح أو مع الاحتكاك القوي بالأقدام وتزداد خطورتها عندما تصبح لزجة بفعل الحرارة والرطوبة، إذ تتلوث لتصبح مرتعاً للجراثيم والبكتيريات المضرة بالصحة... وطبعاً كنا نصرف النظر عن هاته النماذج الرخيصة لنتوجه إلى ما هو أغلى لأنه أسلم وأنقى وأصلح للاعبينا الذين يتوجب الحفاظ على رئاتهم وعيونهم، وإجمالا على صحتهم. فهل كانت هذه الهواجس واردة عند تجار الموكيت الذين أثثوا ملاعبنا تمهيداً للاحتراف؟....