بعضهم فضلوا البقاء نياما في يوم سبت هو أول أيام شهر رمضان، وآخرون لم يهضموا فكرة مقاطعة شواطئ البحر بعد أن أسدل رمضان مبكرا الستار على موسم الإصطياف، وآخرون شدوا الرحال إلى الأسواق، وكثيرون هم أولئك الذين تذمروا من ارتفاع درجات الحرارة وتحمّل موجة العطش. كان اليوم الأول من رمضان يوما غير عادي، بعد أن أعلن نهاية مبكرة لموسم الاصطياف الذي لم يهضم فيها البعض مفارقة أمواج البحر في حرارة فاقت الأربعين، فالزخم والبهرجة اللذان كانا يميزان أيام الصيف تحوّلا إلى سكون وصمت رهيب، خيّم على أكثر الأماكن استقطابا للعائلات في يوم عطلة هو الأطول من نوعه في رمضان منذ 33 سنة، كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة صباحا، عندما انطلقت باتجاه شاطئ العاصمة، فضلت التوجه إلى الشوارع لجس نبض الصائمين في يوم سبت حارق، كانت درجة الحرارة بدأت في الارتفاع، بدت أزقة وأحياء العاصمة مهجورة عن آخرها، محلات مغلقة، شوارع فارغة وحتى الطرقات هي الأخرى خلت من ازدحام السيارات، وكأن سكان العاصمة دخلوا في سبات عميق، اعترضنا طريق محمد يتحدث قائلا:«كيف يمكن أن نستوعب الصيام في شهر «أوت»، لقد بدأت أشعر بالعطش وعقارب الساعة لم تشر بعد إلى منتصف النهار ..». تركت محمد وقررت التوجه إلى شاطئ الوداية المحاذية للتجمعات السكانية التي كانت قبل يومين فقط تكتظ عن آخرها، مثلما كانت الحدائق والنزهات الرباطية تستقطب عشاق الخلوة والاستمتاع بهدوء الطبيعة، لكن اليوم كل شيء تغيّر وكأن نهار الرباطيين تحوّل إلى ليل وليلهم إلى نهار، وعبثا حاولت التكلم مع بعض رواد الشواطئ فجّلهم جاء رغبة في إلحاح أبنائهم، ففي شاطئ الوداية الذي عادة ما لاتجد فيه العائلات موطئ قدم، نظرا للتوافد الكبير عليه منذ الصباح الباكر، لتوسطه وسط العاصمة الادارية، هذا المكان، أمس، كان مهجورا عن آخره رغم الصفاء الكبير الذي ميّز مياه البحر الذي كان هادئا، لا وجود في هذه الأماكن أمس إلا للطاولات والكراسي، وهي خاوية على عروشها وحتى أصحاب مواقف السيارات توقفوا عن العمل، حيث وجدناهم نائمين وعلى وجوههم حسرات تترجمها نظرات عبد الله، الذي راح يتحدث قائلا : «جاء رمضان وجاءت معه البطالة مبكرا في عز أيام الصيف التي كنا فيها نجني بعض النقود قبل الدخول المدرسي». بعض المتحدثين قالوا بأنهم لن يبرحوا المكان، لأن هذه الشواطئ المهجورة في النهار ستكون مكتظة عن آخرها في الليل. وجهتي التالية كانت غابة المعمورة المعروفة باستقطابها لعدد كبير من العائلات الباحثة عن الخلوة ومداعبة نسيم الطبيعة، المكان كان خاليا، ولا وجود به إلا لبعض رجال المياه والغابات الذين دخلوا هم كذلك في بطالة مبكرة، فلا وجود لأية عائلة فيما كانوا يجوبون المكان لوحدهم.