1-ضرورة الاشتغال في محيط ملائم يعالج المقال التالي بعضا من القرارات الاستراتيجية التي تعرض على أنظار المانحين المهتمين بالنهوض بالديمقراطية والحكامة الجيدة في العالم العربي. وسيكون التركيز هنا على مثال (وكالة الولاياتالمتحدة للتنمية الدولية usaid)، حيث تتم نقاشات داخل هذه المنظمات وتعرض مقاربات تتبناها من أجل التشجيع على الحكامة الديمقراطية في البلدان »الاقل تقدما« والبلدان في وضعية »انتقال«. لقد وجدت انتقادات لاستراتيجيات المانحين الذين يركزون اهتمامهم على تنامي الطلب على الديمقراطية والحكامة الجيدة. واهي انتقادات تركز على النقط التالية: 1 التبرير الأول: احذروا من نظرة رومانسية للمجتمع المدني: لقد وضع المهنيون في قطاع الدعم الامل المفرط في قدرة المجتمع المدني على المساهمة في التطور الديمقراطي وفي حكامة فعالة وشفافة للشأن العام. تفسير هذه الظاهرة يفسر بالدور الحاسم للمجتمع المدني في تعبئته للوقوف في وجه الانظمة الاستبدادية لبلدان أمريكا اللاتينية في الثمانينات (أيضا ما حدث في بولونيا واتشيكوسلوفاكيا). وقد دفعت تلك الاحداث بعض الملاحظين الى الافتراض بطريقة متسرعة انه بالامكان الامل في رؤية المجتمع المدني القيام بوظيفة مماثلة، للدمقرطة ضمن سياقات كانت، في الواقع، أقل تحفيزا ولا تسمح له بالقيام بهذا الدور. كان هذا في الغالب هو الحال في البلدان العربية مثلا. لقد عدد من المحللين تجاه ما أسماه أحدهم »النظرة الرومانسية للمجتمع المدني بصفة عامة . لاحظ هؤلاء ان ما نعنيه بتعبير »مجتمع مدني« يشمل في الغالب مجموعات لا علاقة لها بالديمقراطية سواء في قيمهم أو أحدافهم المتبعة (يشيرن هنا الى الجماعات الاسلامية المكونة لمجتمع مدني في بعض البلدان العربية). وإذا ما ركزنا حصريا على المنظمات غير الحكومية التي تعتبر النهوض بالديمقراطية كمهمتها الاساسية، من الممكن في الغالب التساؤل عن واقع إسهامهاه في تعزيز القيم الديمقراطية. 2 التبرير الثاني: لاشيء يفيد في مراكمة المطالب تعاني كثير من البلدان العربية من كم وافر من المطالب التي لم تتم تلبيتها في مجال الحريات والمشاركة في الحياة العامة، في كثير من الحالات، المجتمع المدني يكون ديناميكيا، بحيث ان احتجاجا فعلية وقوية ترفع خلال انتخابات تشريعية أو محلية، انتخابات النقابات المهنية أو الجمعيات الطلابية. 3 تبرير عرض في توجه مولد لنمو أعلى من الطلب: كانت محاولات الدمقراطية في العالم العربي خلال التسعينيات تفترض ان إحدى الطرائق الاكثر فعالية لتنشيط الطلب على الديمقراطية هي الرفع من عرض هذه الاخيرة، لقد استجابت الجمعيات المدنية لمختلف البلدان العربية لهذا العرض المتعلق بفرص سياسية جديدة. في الواقع ان المتغيرة الحاسمة التي تفسر دينامية المجتمع المدني العربي تبدو هي رغبة الانظمة القائمة في ان تترك مزيدا من فضاء للحرية لعمل سياسي مستقل، لا الى أهمية الدعم المقدم من طرف المانحين. ففي البلدان التي فتحت الانظمة العربية الولوج الى النظام الديمقراطي، تطور المجتمع المدني بسرعة لشغل الفضاء السياسي الذي تحرر بتراجع الاسبتداد. لقد بدأ المسار بمبادرة من الحكومة لا في أعقاب الضغوط التي مارستها المجتمعات المدنية، لقد لعبت الحكومات العربية دورا في خلق وتشجيع المجتمع المدني أكثر، مما لعبه المجتمع المدني في يمقرطة الحكومات. وقد قدم المغرب الدليل الاضافي ان الجمعيات التطوعية برزت بسرعة عندما رفعت الاكراهات التي كانت تنزل بثقلها على النشاط الجمعوي المستقل وقد ساهم النظام السياسي تحت قيادة المرحوم الملك الحسن الثاني في حيوية المجتمع المدني المغربي، والمثال هو تأسيس (المنظمة المغربية لحقوق الانسان) في 1988، هناك أيضا التجربة اليمنية. 4 التبرير الرابع، ضرور خلق مؤسسات فاعلة للدولة. على الرغم من أهميتها لا يمكن للمجتمع المدني المحافظ على درو موجه في مجال الدمقرطة وتحسين تدبير الشأن العام إلا إذا اشتغل في محيط ملائم تكون إحدى مكوناته الاساسية وجود مؤسسات فعالة تابعة للدولة. تكشف حالة المغرب كذلك خلافا لحالة الجزائر ان قدرة المجتمحع المدني على تعزيز الديمقراطية محدد بقدرة مؤسسات الدولة وبعمل القادة السياسيين، لذلك فإن المغرب ربما يتوفر على المجتمع المدني الاكثر ديناميكية في العالم العربي. 5 التبرير الخامس: الإفراط في مطالب خطر داهم: يذكرنا التاريخ ان إفراطا في المطالب بالنسبة لقدرة النظام السياسي على تلبيتها يمكن ان يؤدي الى انهيار النظام الديمقراطي. عندما لا تتوفر المؤسسات الحكومية والاحزاب السياسية إلا علي قدرة وضعيفة لتلبية مطالب المجتمع وهي حالة العديد من البلدان العربية فإن شكيمة مطالب المجتمع يمكن ان تكون لها كنتينجة سلبية تزايد »تفتيت« نظام سياسي هش مسبقا. 6 التبرير السادس: عدم مشاركة المجتمع المدني في خلق مواثيق سياسية عادة ما تكون مساهمة المجتمع المدني في البناء الديمقراطي محدودة لأنه لا يقوم بدور مركزي في توقيع »التوافقات« و»المواثيق« السياسية التي كانت تاريخيا في أسس الديمقراطية. قبل تعريض المجتمع لمخاطر المواجه التي تشكلها اللعبة السياسية الديمقراطية يتوجب على الفاعلين الاساسيين قبل كل شيء الاتفاق فيما بينهم وصياغة بعض التسويات بخصوص القواعد التي ستنظم المنافسة على السلطة. ما تجب الاشارة إليه هنا هو ان هذه التوافقات السياسية الدستور، القوانين الانتخابية، قوانين التنظيم الحزبي، الجمعيات التطوعية، الصحافة تشكل الاطار الذي سيدرج فيه المجتمع المدني عمله. 7 التبرير السابع: حذار من الميادين الحساسية: تهدف الاستراتيجيات المتمحورة على الطلب الى وضع المانحين في وضعية غير مريحة مادام يتوجب عليهم القيام بانتقاء، اختبار المجموعات والجماهير التي تمثلها وإقصاء أخريات تساعد برامج المساعد بخصوص العرض، تساعد المانحين بيسر على إعطاء صورة عنهم كوسطاء يسهلون تبادل الافكار والآراء. علينا ان نشير هنا الى ان الدول تعمل على استقطاب أطر منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية لفائدتها لإذابتهم ذات نسق الدولة بكل الامتيازات المتوفرة. والمثال الصارخ في هذا الصدد هو بالطبع ما حصل في تونس بعد تغيير 7 نونبر 1987 (وصول زين العابدين بن علي بعد الإطاحة ببورقيبة). فقد تم تعيين جميع أطر المجتمع المدني التونسي تقريبا، أطر السبعينيات والثمانينات، تعيينهم في مناصب المسؤولية السياسية. > كخلاصة: تعرف الأدبيات الأكاديمية المتعلقة بالحكامة ان هذه الاخيرة مسلسل معقد لاتخاذ القرار الذي يتجاوز الحكومة. إذ أن الأوجه التي يتم إبرازها بتواتر في هذه الأدبيات بخصوص الحكامة تهم العناصر الآتية: مشروعية الفضاء العمومي، توزيع السلطة بين الحاكمين والمحكومين، مسارات التباحث بين الفاعلين الاجتماعيين. انطلاقا من معاينة اختلالات الدولة، تقر النظريات السياسية ان الفاعلين غير المنتمين لتنظيمات الدولة يشكلون شرعية للدفاع عن المنفعة العمومية والارتقاء بها. فلم يعد للدولة امتلاك كامل وحصري واحتكاري للنهوض بهذه المنفعة ولا تحديدها. في نهاية الثمانينات برز تعبير »الحكامة« داخل البنك العالمي، في أي جد يمكن اعتبار الحكامة العالمية كنتيجة لسلسلة من التسويات بين قطبي الضبط العالمي (القطب الاقتصادي والقطب السياسي)؟ أية مكانة للفاعلين غير الحكوميين في التسويسات التي تقام؟ والمجتمع المدني؟ انه تعبير متفرد يجمع بين جمع من المعاني الظاهرة والمضمرة، حيث تتداخل مفاهيم مجاورة مثل الديمقراطية، المواطنة، الليبرالية السياسية، وكذا الدولة، السيادة وحقوق الانسان. هل المجتمع المدني متماسك ومتشابه في مختلف السياقات الاجتماعية والجغرافية؟ ماهي مصادر التمويلية؟ هل يمكن اعتبار المنظمات غير الحكومية كمرادف للمجتمع المدني؟ داخل المنظمات غير الحكومية نميز بين ثلاثة أصناف: تلك التي تعتبر كموجة للعولمة، تلك التي تكيف مع العولمة، تلك التي تعاني من تأثيراتها. (انتهى) > هامش: (1) كتاب جماعي بعنوان:les organisations non gouvernementales et gouvernances dans le monde arabe