عندما كنا ننصت لقصة منى الحزينة، غمغمت الناشطة الحقوقية إيمان وهي تقول: «إن عقوبة الزنى في اليمن قد تصل حد الحكم بالإعدام». ردت إيمان وهي مطئطئة الرأس: «هذا صحيح. ولهذا السبب يضغط علي محمد هذه الأيام لكي أوقع على ورقة تسمح ب «ستر» الموضوع، وتشير إلى أننا كنا مطلقين قبل أن يتم اعتقاله... رفضت أن أزوره في السجن. لن أتنازل هذه المرة! لن يخرج من هذه القضية بهذه السهولة. لقد جعلني أعاني لمدة طويلة...» لم يحدث قط أن شاهدت منى وهي تخوض في الحديث على هذا النحو. وفي غمرة حديثها، كانت يداها لا تكفان عن الحركة وعيناها تكادان تخترقان تلك الفجوة الوحيدة في نقابها. كان قلبي ينفطر وأنا أسمع صوتها المرتعش. ومع ذلك، ودون سابق إنذار، انخرط الجميع في ضحكة هستيرية ونحن نشاهد منيرة وقد انزوت بجانب شجيرة صغيرة في وضع تتهيأ فيه لقضاء حاجتها. ثم صرخت منى: «منيرة!» كانت صرختها مفعمة بإحساس الأمومة، ثم ارتسمت على شفيها ابتسامة صغيرة ما لبثت أن تبددت ليحل محلها ذلك الحزن المعتاد، وهي تقول: «منيرة هي صغيرتي الغالية... لقد قدر لي أن أربي صغيري لوحدي، شريطة أن تسمح لي جدتهما برؤيتهما. أما محمد فلم يكن في يوم من الأيام في مستوى دوره كأب، بل ولم يكن زوجا صالحا... صمتت للحظة قبل أن تستأنف كلامها: «كنت ربما في سن نجود عندما أجبرت على الزواج منه...كنت أعيش أياما سعيدة رفقة أسرتي، إلى أن جاء ذلك اليوم الأسود الذي قلب كل شيء في حياتي رأسا على عقب...» تسمرت عيناي عليها واقتربت أكثر كي أمعن في الإنصات. شعرت أنني سمعت ما يكفي مقارنة مع سني الصغير، لكن كان ثمة فضول بداخلي يدفعني للسعي لمعرفة ما آلت إليه القصة، فهذه أختي كيفما كان الحال. كان ثمة شيء بداخلي يُشعرني بأني مسؤولة عنها. واصلت منى كلامها: «ذهبت أمي إلى صنعاء لتخضع لرعاية طبية مستعجلة، فقد كانت تعاني من مضاعفات صحية، ونصحها الطبيب بالتوجه إلى زيارة دكتور اختصاصي في العاصمة. وكالعادة، خرج والدي باكرا لرعاية قطيع الماشية. بقيت في المنزل رفقة إخوتي الصغار، نجود، التي كانت ما تزال رضيعة. وفي إحدى اللحظات، دنا شاب لا أعرفه من المنزل. كان في عقده الثالث على ما يبدو. كان يحاول التقرب مني، وكنت بدوري أحاول التخلص منه. إلى أن تمكن من دفعي إلى داخل إحدى الغرف. قاومته وصرخت. قلت له «لا!». فجأة توقفت عن الكلام، تم استطردت: «عندما عاد والدي، كان الوقت قد فات، لأن ذلك حدث على نحو سريع...». لم أصدق ما سمعته أذني! مسكينة أختي منى. واصلت منى كلامها: «كان والدي في قمة الغضب، نادى على الجيران ليعرف منهم ما حصل. واتهم أهالي القرية بتدبير المكيدة. لكن ما إن علم شيخ القرية بما حدث، التحق بنا واقترح علينا أن نتزوج بأسرع ما يمكن، قبل أن يشيع النبأ وسط بقية الأهالي ويفكر الجميع في القتل حفظا للشرف. قال انه سيكون من الأفضل إنهاء هذا الموضوع على الفور». «لم يسألني أي أحد عن رأيي، فقط قاموا بإلباسي فستانا أزرق اللون. وبين عشية وضحاها أصبحت زوجته. عادت والدتي من العاصمة، ولم يكن بمقدورها فعل أي شيء سوى رفع يديها إلى السماء راجية الرحيل. كان والدي يشعر بالمهانة، وكان يسعى إلى الانتقام. لقد شعر بالإذلال والغدر. وذات مساء، كانا مجتمعين ويتناقشان. وفجأة اشتدت حدة النقاش، وشرعا في توجيه السب لبعضهما البعض، حتى أنهما أخرج خنجريهما من غمديهما. وبعد ذلك، ربما في مساء اليوم التالي، لم أعد أذكر جيدا، اقتحم جيراننا المنزل رافعين رشاشاتهم وهددونا بمغادرة القرية وإلا قتلونا. توجه والدي إلى صنعاء، ولجأت أنا وزوجي إلى مكان آخر لبضعة أسابيع، قبل أن نلتحق بالأسرة في صنعاء». وأنا أستمع لما ترويه منى شعرت برجفة تهزني من الداخل... لقد فهمت مغزى حزن منى والاهتمام الكبير الذي توليه لي... هذه إذن قصتها!