ماذا نصنع إزاء ظاهرة بيع السجائر بالتقسيط؟... منظر مألوف... أشخاص يتجولون عبر المقاهي، وفي الشوارع التي تشهد حركة مكثفة، مشهرين علبا للسجائر في وجه الجالسين في المقاهي والمارة، وينادون «كارو، كارو ديطاي»... منظر آخر لأشخاص يجلسون على كراس، ويضعون كارتونات أمامهم، يلصقون بها العلامة التجارية للسجائر.. مشاهد تتكرر باستمرار، وفي أمكنة متعددة. بيع السجائر بالتقسيط، يمثل مصدر عيش للآلاف، وعملا موسميا في الصيف للبعض الآخر... حركة اقتصادية خفية عن الإحصائيات، وبطالة مقنعة، ومشاكل بالجملة لا تعد. إضافة إلى بيع السجائر بالتقسيط في فصل الصيف، في الشواطئ، تشكل أيضا الأسواق اليومية والأسبوعية، والمؤسسات التعليمية، وملاعب كرة القدم، ومحطات القطار، والحافلات، والحدائق، وأمام المؤسسات العمومية والخاصة... أمكنة ملائمة لبائعي السجائر بالتقسيط. أشخاص من جميع الفئات العمرية، شيوخ، وشباب، وقاصرون... وفي بعض الأحيان نساء يمتهن بيع السجائر بالتقسيط من أجل ربح لا يتجاوز 70 أو 80 درهما في اليوم، بيع خارج الإطار القانوني، وحياة تتخللها مشاكل جمة. يتزود بائعو السجائر بالتقسيط بعلب السجائر بنسبة معينة من المحلات المرخص لها لبيع السجائر، وبنسبة كبيرة من موزعي السجائر المهربة.. فمثلا، السجائر من نوع (المارلبورو) المهربة تباع ب 20 درهما للعلبة، في حين تباع علبة (المارلبورو) في أكشاك السجائر المرخص لها ب 32 درهما، وهذا ما يجعل الإقبال جد كبير على السجائر المهربة من طرف بائعي السجائر بالتقسيط، وعلى شبكات توزيع فعالة محورها الرئيسي الدارالبيضاء، يكون فيها ممتهنو بيع السجائر بالتقسيط قناة لتصريف فعال ومكثف لبضاعة ممنوعة، وفي الشارع العام! أمام هذا الواقع، وبالمقابل، تقوم الفرق الخاصة المكلفة بمحاربة بيع السجائر بطرق غير قانونية، بتنسيق مع (ألطاديس) الشركة الفرنسية الإسبانية المحتكرة لتجارة التبغ في المغرب؛ بحملات مباغتة لبائعي السجائر المهربة، حيث إن 28% من حجم مبيعات السجائر في المغرب، هي سجائر مهربة من سبتة، مليلية، الجزائر وموريطانيا... وهذا ما يؤدي إلى خسارة جزئية لشركة (ألطاديس) وخلق حركة اقتصادية خفية في الواقع ينتعش منها الآلاف من المغاربة في الخفاء. بمراكش، السنة المنصرمة، قامت الشرطة القضائية لولاية أمن مراكش بحجز كمية كبيرة من السجائر المهربة المنتهاة صلاحيتها، لكن تبقى مثل هذه الحملات غير قادرة على ردع الفئات الواسعة من الباعة المتجولين والثابتين؛ الذين لا غنى لهم عن هذا العمل من أجل لقمة العيش. رغم ذلك، تبقى السجائر المهربة من السلع المطلوبة في المغرب، و المتدفقة عليه بكثرة من الشمال، والجنوب والشرق، فالكميات التي تحجز من السجائر المهربة لا تتجاوز نسبة 5%. ولعل امتهان القاصرين وتسخيرهم لبيع السجائر بالتقسيط، يبقى مشكلا ملفتا للنظر والانتباه... قاصرين، لا يتجاوز سنهم 18 سنة، تدفعهم الحاجة لبيع السجائر بالتقسيط... يقول (ب. م) 17 سنة : «تانبيع لكارو هادي عامين، مرة 50 درهم، مرة 60 درهم في نهار، على حساب... و تانعاون دارنا بيه، ما عندي لا حرفة لا قراية... الديطاي هو اللي كاين هاد الساعة». وسبق، في مرات عديدة، أن تورط بعض بائعي السجائر بالتقسيط في إطار حملات أمنية في بيع الحشيش بالتقسيط، لينتقل الأمر من بيع السجائر المرخص لها بالتقسيط وهو ما يخالف القانون إلى بيع السجائر المهربة، بل حتى بيع الحشيش بالتقسيط. علاقة رجال الأمن ببائعي السجائر بالتقسيط، تطرح أكثر من سؤال... يقول (م. ط) 54 سنة، من مدينة سلا: « وحاد النهار جا عندي بوليسي بغا لكارو فابور، منين كلتلو اللا، مشا جاب ستافيط فيها صحابو، ومشيت معاهم، حتى طلق سراحي وكيل الملك من بعد»... عبارة تلخص حجم المعاناة التي تثقل كاهل بعض هؤلاء الباعة بفعل المطاردات اليومية لرجال الأمن لهم، و هو الأمر الذي يعرضهم لإهانات و ابتزاز وخوف دائم... كما تجدر الإشارة إلى أن مجموعة من هؤلاء الباعة، يتم الترخيص لهم عبر التغاضي عن البيع، فلا تتم مطاردتهم، وذلك بمقابل تقديمهم لمعلومات حول المناطق التي يبيعون بها لرجال الأمن. وبينما اتجهت تركيا، مؤخرا، لسن قانون يمنع بيع السجائر للقاصرين أقل من 18 سنة، وتعريض من يفعل ذلك لعقوبة حبسية، نجد أن في المغرب، ورغم ما تقره المادة 11 من النص القانوني المنظم لبيع السجائر، والتي تقر معاقبة كل من باع السجائر لقاصر بغرامة من 500 درهم إلى 2000 درهم، إذ رغم التحذيرات والتوصيات والقوانين، يأتي استهلاك التبغ من طرف القاصرين بنسبة مرتفعة، حيث إن البيع بالتقسيط يسهل عملية الشراء، فالأمر لا يتطلب ثمن شراء علبة، بل فقط درهم و20 سنتيما كافية لتدخين القاصرين والقاصرات، يقول (ل. ك) 42 سنة، بائع سجائر بالتقسيط من مدينة الرباط: «هاد القاصرين اللي تايشريو من عندنا الكارو منهم اللي غي مسخرين لخوتهم ولا لواليديهم، ولا مبغيتش نبيع ليهم، غادي يشريوه من عند واحد آخر»... يضيف ضاحكا: هاد القاصر ما خافوش عليه دارهم، بغيتيني نخاف عليه أنا؟!...». ظاهرة البيع غير المرخص له للسجائر بالتقسيط تبقى صورة من صور الفقر الذي ينخر جسم بلادنا، إنها صورة تعكس اقتصادا وطنيا عليلا، يعاني من غياب الهيكلة والتنظيم... وتبقى محاربة هذه الظاهرة أمرا ليس بالهين... محاربة يجب أن تكون بطريقة شاملة وجذرية، دون الاقتصار على مجموع الباعة الذين لا سبيل لهم إلى لقمة العيش غير امتهان هذه الحرفة...