يهمس الوحش بكلمات غير مسموعة للقاضي محمد الغازي، الذي قرع الطاولة بطرقات متواصلة، معلنا: بطلب من الزوج ستتواصل الجلسة في سرية. أشار إلينا بأن نلتحق به في قاعة أخرى بعيدة عن الناس. حينها شعرت بالارتياح بعيدا عن تلك الجموع من الناس. فالمسألة في آخر المطاف تظل شخصية. وبمجرد دخول القاعة الجديدة بدأت الأسئلة تنهمر علي، وكان علي أن أكون مستعدة للرد. سأل القاضي: «السيد فائز علي تامر، هل تمت الدخلة أم لا؟» أجاب: «أجل. لكنني كنت لطيفا معها... كنت حذرا... ولم أضربها». كان جوابه بمثابة لكمة مباشرة على وجهي. تحدثت إلى نفسي قائلة: «كيف يعقل هذا؟ لم يضربني؟ وما كل هذه الجروح التي على ذراعي؟ وما كل تلك الدموع التي ذرفت بسبب الآلام التي تسبب لي فيها؟ عليك أن تقومي بردة فعل». صرخت بأعلى صوتي: «هذا كذب!» توجت كل الأنظار صوبي، لكن كان واضحا أنني أول من كان مندهشا أمام عفويتي التي لا تشبهني في شيء. وابتداء من تلك اللحظة، سارت الأمور بشكل متسارع، فقد اتشحت ملامح الوحش باللون الأسود جراء الغضب الذي سيطر عليه، وقال إن والدي خدعه بعد أن كذب عليه بشأن عمري. انتقلت عدوى الغضب إلى والدي هو الآخر، وقال إنه تلقى وعدا من الوحش بألا يلمسني إلا بعد أن أكبر في سني. وفي تلك اللحظة، قال الوحش إنه مستعد للموافقة على الطلاق، لكن بشرط: أن يقدم له والدي تعويضا عن المهر! رد والدي بأنه لم يتلق منه أي شيء. كان الأمر وكأننا في سوق: كم؟ متى؟ كيف؟ من يقول الحقيقة؟ ومن يكذب؟ البعض يقترح أن يتم منحه خمسين ألف ريال، لو أن من شأن ذلك إغلاق الملف نهائيا. وجدتني تائهة وسط كل تلك الأسئلة. متى سينتهي كل ذلك؟ متى سيتركونني وشأني؟ لقد تعبت من هذه الصراعات بين الكبار والتي تجعل الصغار يتألمون ويعانون! يجب أن يتوقف كل هذا! أخيرا جاء دور القاضي ليخلصني من كل هذه الصراعات، إذ قال: «لقد تم الطلاق». تم الطلاق! لم أكن لأصدق ما تلقته أذني. انتابني شعور غريب بالرغبة في الركض في كل مكان والصراخ تعبيرا عن فرحتي! أنا سعيدة للغاية لدرجة أنني لم أنتبه إلى القاضي وهو يقول بالإفراج عن والدي والوحش، دون أن يدفعا أية ذعيرة ودون أن يقدما أي التزام أو تعهد بحسن السلوك! ما يشغل بالي في هاته اللحظة هو الاستمتاع كلية باسترجاعي لحريتي. بمغادرتي لتلك القاعة الصغيرة، لاحظت أن جموع الناس لا تزال في مكانها، بل وكان هرجها ومرجها أكثر من ذي قبل. قال أحد الصحفيين بصوت أقرب إلى الصراخ منه إلى طرح سؤال: «كلمة للكاميرا، كلمة قصيرة!» تحلق الناس حوله يدفع بعضهم بعضا لكي يشاهدوني. تصفيقات ترتفع من هنا وهناك، وأذناي تخترقهما كلمات «مبروك». سمعت من الخلف بعض الهمهمات التقطت منها ما معناه أنني أصغر مطلقة في العالم! وفي نفس الوقت بدأت الهدايا تنهمر علي. شخص تأثر بقصتي مد إلى مجموعة من الأوراق النقدية بقيمة مائة وخمسين ألف ريال! وقال لي إنه ينوب عن متبرع سعودي. لم يسبق لي في حياتي أن وضعت يدي على قدر مماثل من النقود. وأضاف قائلا: «إن هاته البنت بطلة، وتستحق الحصول على مكافأة!» وتحدث شخص آخر عن سيدة عراقية تريد أن تقدم لي الذهب. التف الصحفيون حولي، ووميض آلات التصوير يهاجمني من كل صوب. وفي خضم تلك الزحمة، قام أحد أعمامي وخاطب شدى قائلا: «لقد لطخت سمعة عائلتنا! لقد انتهكت عرضنا!» التفتت شدى نحوي وقالت: «إنه يقول تفاهات». أمسكت بيدي وأشارت إلي بمتابعتها. في النهاية، أدركت أنه ليس ثمة ما أخشاه من عمي، لأنني انتصرت! أجل لقد انتصرت وأصبحت مطلقة! لا زواج بعد الآن! أمر غريب. هذه الخفة، هذا الشعور باسترجاع طفولتي في لحظة واحدة... - خالتي شدى؟ - نعم، نجود؟ - لدي الرغبة في الحصول على لعب جديدة! أرغب في تناول الشوكولاتة والحلويات! التفتت نحوي ورسمت ابتسامة على شفتيها.