بتكرار حوادث الإعتداء الجنسي على الأطفال وبلوغها درجات مقلقة، سواء من حيث العدد أو طبيعة تلك الإعتداءات، فإن «البيدوفيليا» تكاد تصبح ظاهرة اجتماعية تنذر بأوخم العواقب على الضحايا المباشرين من الأطفال وعلى تماسك أسرهم... فلا يكاد يمرأسبوع دون أن تطالعنا الصحف ووسائل الإعلام ، عامة ، بأخبار جرائم جنسية شنيعة تستهدف الأطفال، و التي غالبا ما تكون نهايتها مأساوية، إذ أن جرائم القتل والتعذيب المقترنة بتلك الإعتداءات هي بدورها في تصاعد مستمر، فمن سفاح تارودانت إلى قاتل ابنة الجيران بالقنيطرة، مرورا بمغتصب وقاتل الطفلة لبنى بوجدة ... وغيرها من الجرائم ، كلها عناوين مختلفة لظاهرة إجرامية واحدة تزداد استفحالا سنة بعد أخرى، والتي تظل في حاجة لتشريح أسبابها وآثارها النفسية والإجتماعية استنادا إلى دراسات علمية ، وإخراج الظاهرة من نطاق الصمت المضروب حولها بفعل «تقاليد» اجتماعية ينطق الواقع بكل تجلياته بأنها أصبحت متجاوزة... وتشير الإحصائيات والأرقام التي أعلنت عنها جمعية «ماتقيش ولدي » من خلال عدد القضايا التي نظرت فيها محاكم المملكة خلال السنة الماضية، إلى ارتفاع مهول في عدد الإعتداءات الجنسية التي تستهدف الأطفال، وتأتي مدن مثل « الدارالبيضاء، مراكش، أكادير ،القنيطرة، فاس، وتارودانت » في مقدمة ترتيب عدد تلك الجرائم مما يعني أن الظاهرة مرتبطة بالوسط الحضري أكثر من القروي ، وهو ما يؤشرعلى أن « ظروف العيش والسكن وطبيعة الجوار في المدن » تعد من المسببات الرئيسية لجرائم اغتصاب الأطفال أو التحرش الجنسي بهم، ذلك أن «تأخر سن الزواج بفعل الظروف الإقتصادية والاكتظاظ في السكن الواحد بالنسبة للمدن» كما هي حالة العديد من الأحياء البيضاوية ، خاصة المحسوبة على الكاريانات والتجمعات الصفيحية من العوامل التي لها أثر في استفحال الظاهرة ، وما يدعم هذا الطرح هو مؤشر سن الجناة وحالتهم العائلية، فأغلبهم عزاب تجاوزوا عقدهم الثالث بكثير! وإلى جانب الظروف الإجتماعية والإقتصادية المحيطة بالظاهرة ، على صعيد النفوذ الترابي للبيضاء وغيرها ، فإن هناك التفسير النفسي المرضي لعدد من الحالات التي غالبا ما يكون أصحابها ممن تعرضوا بدورهم للإعتداء الجنسي خلال طفولتهم مما يتسبب لهم في اضطرابات نفسية وسلوكية تقودهم إلى ارتكاب نفس الجرم ، وتحضر هنا حالة سفاح تارودانت «حاضي» وحالات أخرى عرضت على محاكم البيضاء، كأمثلة على هذه الحالة، حيث غالبا ما نجد الجناة يكشفون ، أثناء التحقيق مثلا ، عن أنهم تعرضوا في طفولتهم لاغتصاب متكرر من طرف أحد المقربين. وبخصوص العامل الأسري فإن جمعية « ماتقيش ولدي» تشير في تقاريرها وتصريحات أعضائها إلى كون نسبة مهمة من الإعتداءات الجنسية التي يتعرض لها الأطفال يكون مقترفوها من أقربائهم، وهو ما يفسر الصمت المضروب على عدد غير محدد من تلك الجرائم التي تبقى حبيسة جدران البيوت وقلوب ضحاياها إلى الأبد، دون أن تطالها يد القانون. وفي هذا الصدد نشير إلى حالة إحدى الفتيات التي كشفت لنا سر اغتصابها في سن العاشرة دون أن تقبل بالبوح باسم مغتصبها ودرجة قرابته منها، تقول بصوت متهدج دون أن تفارق الدموع عينيها: « تعرضت للإغتصاب من طرف قريبي في سن العاشرة، مما أفقدني عذريتي وجعلني أدخل مكرهة في دوامةٍ من المخاوف والهواجس التي جعلت حياتي جحيما لا يطاق، في البداية كتمت سري في صدري ولم أبح به لأي أحد حتى تعرفت بعد ذلك على أحد الأشخاص الذي تفهم قضيتي وأقنعني بضرورة الكشف لوالدي عن اسم مغتصبي ، وهو ما قمت به فعلا دون أن يغير ذلك من واقع الأمر شيئا ! فبعدما صرحت لوالدي بأن فلانا اغتصبني لم يحرك ساكنا بدعوى الحفاظ على شرف العائلة ووحدتها! وحتى الشخص الذي أقنعني بالإقدام على تلك الخطوة تخلى عني بعد أن تحول إلى شخص آخر يريد إذلالي والضغط علي!؟ أنا اليوم إنسانة معذبة أكره نفسي وأكره أي حديث عن الإرتباط أو الزواج». وتختم قصتها المحزنة بتحذير أرباب الأسر من خطر الذئاب البشرية المتربصة بفلذات أكبادها في مختلف أحياء العاصمة الاقتصادية . إن حالة هذه الفتاة هي نموذج واحد لعدد غير محدد من حالات اغتصاب الأطفال إناثا و ذكورا والتي لا تطفو إلى العلن، مما يعني أن حجم الظاهرة أوسع وأعمق من تجلياتها في ردهات المحاكم ووسائل الإعلام، وتتطلب تضافر جهود الجميع المجتمع المدني والدولة لفهمها أولا، ولتطويق آثارها السلبية عبر طرحها للنقاش العلني وإيصال طرق الوقاية والتحسيس إلى الأطفال في المدارس ووسائل الإعلام، والإلحاح على دور الأطباء والإختصاصيين النفسانيين على قلتهم في التصدي للظاهرة بالطرق العلمية والقانونية الملائمة.