كثيرة هي الأسئلة التي لم تتوقف إلا وهو يلمح الملك يتقدم نحو المكان الذي كان متواجدا فيه. كل الأسئلة والتردد والخوف لم يكن لها من داع. فقد وجد نفسه يتوهم أشياء كانت تدور في باله وحده. لقد كان الملك مخالفا لكل تصوراته. كان عاديا إلى درجة لم يصدقها عاشق. أصيب بالدهشة أمام ملك البلاد يكلمه كما لو أنه التقاه لمرات كثيرة! في هذه اللحظة، استرجع عاشق كل محاولاته المتكررة في أن ينال فرصة الحديث إلى قائد مقاطعة أو عامل إقليم أو وزير، ومعاناته حتى مع أصغر موظف في مصلحة عمومية. ظل الملك يستمع إلى عاشق بهدوء لم يعهده هذا الأخير في أحد. أحس بأن الملك يمنحه مكانة خاصة، وهو ما شجعه على عرض كل ما يريده من الملك الذي كان كريما معه إلى درجة أن عاشق انخرط في موجة بكاء عندما عاد إلى غرفته بالفندق لإحساسه بأن الملك قد أعاد إليه اعتباره. ووعد الملك بأن ينظر في حالة عاشق وودعه بنفس الحفاوة التي استقبله بها. لم يترك أحدا إلا وحكى له عن لقائه بملك البلاد، عن الطريقة التي استقبله بها، وعن الحب الكبير الذي أحس به من الملك. كان غير مصدق لما حدث. عاد إلى تداريبه رفقة إدريس الخلافي بطل الفول كونتاكت وخالد رحيلو، وفي ذهنه وعد الملك. لم تكد تمضي أيام حتى وجد رجلا يطلبه للخروج معه نحو القصر الملكي. ما كان عليه أن يصدق في أول الأمر، لولا شكل الرجل الذي وقف أمامه والسيارة التي حل بها إلى الفندق. حاول أن يجلس إلى جانب السائق، لكنه طلب منه أن يجلس في المقعد الخلفي بعد أن فتح له الباب. انزوى عاشق دون أن ينطق بكلمة. واستغرق وقتا طويلا لتصديق ما يحصل له. داخل السيارة شكل لديه مشكلة حقيقية. فأقصى ما كان يحلم به، سيارة تكون قادرة على نقله من المنزل إلى قاعة الملاكمة بالنادي البلدي بنفس الحي دون أن تتعطل، غير أن ما حصل له أكبر بكثير من المتوقع. سيارة لم يعرف نوعها أبدا. تمنى لو يخطئ السائق الطريق ويتجه نحو الحي المحمدي. ماذا لو مر من أمام سينما السعادة، وعرّج نحو «الكدية» ونزل إلى درب مولاي الشريف عبر كل المساكن القصديرية؟! مع اندهاشه، وصمت السائق ارتاب في الأمر. تخيل أنه وقع في فخ الكاميرا الخفية، خاصة وأن الجميع علم باستقباله من طرف الملك. نظر مليا إلى السائق فوجده غير مهتم به. فهو لم يكلمه طوال المسافة التي قطعتها السيارة. صدق حكاية الكاميرا الخفية. اتزن في جلسته وحاول جاهدا أن يبدو هادئا في انتظار انكشاف المستور. وبقي منزعجا إلى أن وقفت السيارة أمام القصر الملكي. وقتها تأكد من جدية الموضوع. سار أمتارا قليلة ليجد نفسه يدخل إحدى قاعات القصر. لم يشعر بالخوف الذي انتابه في اللقاء الأول. وجلس ينتظر قدوم الملك. يحكي عاشق عن هذا اللقاء: « كنت أريد أن أحكي للملك كل ما تعرضت له. عن فقري . عن حاجة أسرتي إلى أدنى مساعدة، عن اليوم الذي لم أجد فيه حتى ثمن القبر الذي أدفن فيه والدي، عن طموحي.. لكني وجدت الملك على علم بكل شيء. كان حريصا على أن يستمع إلي. لم أشعر في لحظة أنه كان متضايقا. إنه إنسان بقلب كبير جدا. أدركت حينها، لماذا يتهافت الناس نحوه عند رؤيته لتقبيل يديه. استمع إلي بكل الحب الذي يمنحه الأب لأبنائه. كان سخيا معي ومع عائلتي. لقد أنقذ مستقبل أسرة بكاملها من الضياع، بآبائها وأمهاتها وأبنائها وحفدتها، ومن سيأتون من بعدهم. سأظل وفيا لكل الحب والكرم اللذين تكرم بهما جلالة الملك علي. وسأنقش في ذاكرتي ابنتي، جيهان وسلمى، صورة الملك الذي وفر لهما كل ظروف العيش الكريم، والدراسة المتميزة ». بعد لقاء الملك، تغيرت حياة عبدالحق عاشق. فبمجرد عودته إلى الدارالبيضاء، وجد خبر الاستقبال الملكي سبقه إلى مقر عمله بالمكتب الوطني لاستغلال الموانيء. لأول مرة يرى فيها مسؤولا رفيع المستوى لهذه المصلحة. تمت ترقيته عن طريق تحسين أجره الشهري، ومنح سلفة محترمة سمحت له باقتناء منزل محترم بحي بلفدير بالدارالبيضاء! كان لقاء الملك الفرصة التي ظل عاشق ينتظرها، لكنه جنى منه ما لم يكن ينتظره. فقد عوضه عن أيام الفقر والقهر التي عاشها، وأنساه كل التهميش الذي رافقه طيلة ممارسته الملاكمة، ملاكما ومؤطرا، وكان سببا في استمرار النادي البلدي للملاكمة بعين السبع الحي المحمدي، الذي أنقذ بدوره العديد من شباب المنطقة من الانحراف والضياع.