"كنا عشرات من الشباب، والكثير من النساء والرجال بمختلف الأعمار. ما كان يجمعنا هو وضع أعيننا التي كانت تحملق في باب إقامة ولي العهد، الأمير سيدي محمد، هناك بضاحية سلا. كلما فُتح ذاك الباب خفق قلبي بقوة، ورغم أن عيني كانتا مفتوحتين عن آخرهما، كنت أخال أني لا أُبصر. وفي لحظة شعرت بقشعريرة تهز كل جسدي، لقد سمعت المكلف بفتح باب منزل الأمير ينادي باسمي. تقدمت رافعا يدي ليلمحني. وصلت إلى الباب المعلوم، خاطبني ذاك الشخص الأنيق بلطف، وأخبرني أن الأمير سيستقبلني الآن. خطا أمامي خطوات هادئة، حاولت أن استمد من خطواته شيئا من هدوئها، لكن بالكاد كنت أسير خلفه. فجأة وقف الشخص الأنيق ليأمرني بمواصلة المشي والدخول إلى مكتب الأمير. تقدمت كما طُلب مني. رفعت رأسي لألمحه جالسا في مكتبه. توقفت عن المشي، شعرت برأسي ينتفخ، وفراغ رهيب في ركبتي، بدا لي جسد الأمير ضخما، أو هكذا تهيأ لي، ما زاد من هول ما يحدث في خوالجي. عدت قليلا إلى وعيي حين رأيت سمو الأمير يشير إلي بأن أتفضل وأجلس. لا أتذكر كيف تسنى لي المشي في اتجاه المكتب، وكيف جلست أمامه، ولا أتذكر إن كنت أنظر إليه وهو يكلمني، وبالكاد سمعته يقول بما أنك حاصل على الإجازة خذ هذه الورقة وسلمها إلى مدير الشركة المغربية للملاحة (كوماناف) بالدار البيضاء، فهو سيسهر على توظيفك. حين غادرت مكتب الأمير، تنفست الصعداء رغم الألم الشديد الذي ألم ببطني، وانتابتني فرحة لا توصف، شعرت أنني أسعد إنسان على وجه الأرض. لم أنتبه إلى وجود المارة أو الضجيج. كنت أردد مع نفسي "أواه جلست أمام ولي العهد، كلمني وكلمته، وأعطاني ورقة لأضمن وظيفة. من يصدق!"، كانت تنتابني رغبة في الصراخ، والجري، والرقص". هذه حكاية طالب، حصل على الإجازة سنة 1992، وسمع، ذات مرة خلال سنة 1995، وهو في حالة عطالة، أن ولي العهد يستقبل طلبات الحاصلين على الشهادة، وطلبات المحتاجين وما إلى ذلك، فأعد ملفا واتجه إلى حيث مقر إقامة ولي العهد بضواحي مدينة سلا، وانتظر دوره ليسلمه للمكلفين بجمع الملفات، وأخبروه أن يعود بعد مرور شهر، وعاد وكانت الحكاية أعلاه. وأهم ما في هده الحكاية أن صاحبها لم يُزعج أحدا، ولم يكن طماعا، ولم يعرقل موكبا، وبالتالي لم يُعتقل أو يخضع لتحقيق. تختلف سيناريوهات الطلبات والرغبات التي تدور في ذهن كل من لمح الملك، أو أميرا أو أميرة عن قرب. ولعل واحدا من هذه السيناريوهات هو الذي جعل حالة طالب بجامعة محمد بن عبد الله بفاس تختلف كليا عن حالة الطالب الذي تسنى له مجالسة ولي العهد الأمير سيدي محمد، خلال سنة 1995، فالطالب بجامعة فاس قرر أن يخترق، خلال السنة الماضية، الحاجز الأمني للموكب الملكي ليرتمي أمام سيارة الملك. وحين اعتقل هذا الطالب، قال للمحققين إنه كان يريد أن يسلم للملك رسالة تتعلق بوضعية مرضه وبالوضعية الاجتماعية لأسرته. أما حكايات تربص بعض المواطنين بتحركات الملك غير الرسمية فهي كثيرة، ومنها حكاية رجل جاوز الخمسين من عمره، كثير الجشع، بل إن شدة الطمع أعمت عينيه، إذ خطط لإيقاف سيارة ملك البلاد لدى خروجه من إقامته بالدار البيضاء. كان هذا الشخص سائق سيارة أجرة من الحجم الصغير، وقد سبق له أن صادف الملك في مناسبتين سابقتين واستفاد من هاتين الصدفتين، لكنه قرر هذه المرة ألا ينتظر الصدفة، فخطط لخلقها. استيقظ صاحبنا، ذات صباح، واستحم ولبس أنظف ما لديه من ملابس، ثم غادر منزله دون أن يخبر زوجته أو أولاده بما كان ينوي فعله، ربما أجل إخبارهم حتى يعود ويطلعهم على النتيجة. اتجه إلى شارع "عبد الكريم الخطابي"، وهناك بدأ ينتابه شيء من الخوف والتردد، لكن شدة الطمع كانت توسوس له بعدم التوقف أو التراجع، وأخيرا وجد نفسه يقف بسيارة الأجرة في النقطة التي ستمر منها سيارة الملك. لم يرد صاحبنا أن يفسح الطريق، رغم أن الحراس الشخصيين كانوا يشيرون له بالتحرك. وعوض أن يستجيب وينصرف، نزل من سيارة الأجرة واتجه نحو سيارة الملك، وأخذ يقوم بحركات استعطافية، وحين لاحظ الحراس أن الملك لم يستسغ ما صدر عن هذا المواطن، نزل أحدهم وأبعده بالقوة، وطلب تسليمه بعدها للشرطة، فيما حُجزت سيارته. تسلمت شرطة الأمن العمومي هذا الشخص الذي أصبح الآن مشتبها به، وبعد الاستماع الأولي إليه، أُحيل على مصلحة الاستعلامات العامة التي أخضعته بدورها لتحقيق ابتداء من اسمه واسم أمه واسم أبيه، ومستواه الدراسي، وانتماءاته النقابية والسياسية، ورغم أن صاحبنا كان يجيب مجبرا على هذه الأسئلة، إلا أنه كان لا يتوقف عن ترديد عبارة "أقسم أن الملك يعرفني...فقط كان قلقا". وأحيل بعدها على الشرطة القضائية، وكان رجال الشرطة، يؤنبونه على فعلته، وكلما صرخوا في وجهه وإخباره بأن ما قام به يُعتبر جرما خطيرا، كان يجيبهم بالعبارة إياها. بعدها وجد الرجل نفسه في مكتب آخر، وبين محققين بدوا أكثر صرامة من سابقيهم، لكن مع ذلك لم يتخل عن عبارته المعهودة "أُقسم...."، وحين دخل شخص أنيق المنظر، مبتسم المحيا، ومن خلال الطريقة التي حياه بها المحققون، انتبه المشتبه به إلى أن الأمر يتعلق برئيسهم، فخاطبه "أسيدي واش أنت هو الشاف ديالهم"، فأجابه الرئيس بنعم، فبادره المتهم بالقول: "يا سيدي نيتي لم تكن سيئة إطلاقا، كنت فقط أريد أن أطلب رخصة "كريمة"، وأقسم ...". قضى صاحبنا أزيد من 12 ساعة وهو يتدحرج بين مكاتب المحققين، قبل أن يتقرر الإفراج عنه، وحينها أقسم ألا يعود إلى حماقته التي كادت تقوده فعلا إلى السجن.