تتميز العلاقة بين العائلة الملكية والعائلة الرياضية بروابط قوية ومتجذرة منذ زمن بعيد.. في عهد الملكين الراحلين محمد الخامس والحسن الثاني، كما في عهد الملك محمد السادس، تمتع الرياضيون بكل الحظوة لدى القصر الملكي.. كثير منهم تحسنت وضعيتهم الاجتماعية بفضل تدخل ملكي، وعدد منهم جالس الملك، تحدث مع جلالته مباشرة، ومنهم من وُضع اسمه في خانة «أصدقاء الملك»، يتم استدعاؤهم في المناسبات الرسمية، وفي الجلسات الخاصة، ويشاركون الملك في نشاطاته الرياضية الترفيهية.. متى كان اللقاء الأول مع الملك؟ في أية مناسبة؟ ماهي التفاصيل؟ لو أتيحت للرياضي فرصة أخرى للقاء الملك، ماذا سيقول لجلالته ؟ يردد عبدالحق عاشق، أول ملاكم مغربي يحرز ميدالية أولمبية، أن لقاءه بالملك محمد السادس، غير حياته وحياة عائلته رأسا على عقب، التغيير بمعناه الإيجابي طبعا.. الحكاية بدأت عندما التقى صديقه الملاكم خالد رحيلو، كما جاء في مذكراته (ذاكرة مكان.. ذاكرة عبدالحق عاشق )، التي نشرتها جريدة «الاتحاد الاشتراكي» في الصيف الماضي، بقلم الزميل عبدالكريم الوازي: «حضر رحيلو إلى الحي المحمدي والتجأ إلى صديقه عبدالحق ليقوم بتدريبه استعدادا للمواجهة التي ستمنحه شرف التربع على العرش العالمي. لم يكن رحيلو وحده، بل حضر معه إدريس الخلافي المهاجر بفرنسا حيث كان يستعد بدوره لنهاية البطولة العالمية في الفول كونتاكت. قرر الثلاثة السفر إلى أكادير لاستكمال التداريب ... بعد الوصول إلى أكادير، استقل عاشق في غرفة... ظل مرتبطا برحيلو خاصة وانه لم يكن يملك حتى الحلم بولوج المكان. لكن الأحلام أحيانا تتجاوز كل اعتبارات المنطق بعد أن تفرض الصدف منطقها الخاص. في حديث عابر مع رحيلو أخبره بأن جلالة الملك محمد السادس متعود على زيارة الفندق للقيام بتداريبه الرياضية في فترة تواجده بأكادير وأنه من المحتمل أن يحظى باستقبال ملكي. لم يصدق عاشق ما سمعه وظل يطارد رحيلو بأسئلته التي لا تنتهي. كان يريد أن يتأكد من كلام صديقه. فالحديث عن ملك البلاد ليس ككل الأحاديث. بدأت الأحلام تطارده وهو الذي ظل لسنوات يتنقل بين الدارالبيضاء والرباط للقاء الملك الراحل الحسن الثاني. هي فرصة قد لا تتكرر مرة أخرى. وقد تكون المناسبة التي انتظرها لسنوات. لكنه كان يتراجع عن أفكاره بعد أن يضع صورة الطلب أمامه. هي أمنية العمر أن يتمكن من الالتقاء بالملك. لم يتمن عاشق أكثر من أن يقف أمام قائد البلاد ويرتمي على يديه ليقبلها. لكن كيف الوصول إلى هذا الحلم؟... لم يعد يغادر بهو الفندق إلا نادرا. كان يخاف من أن يحضر الملك فجأة. حضّر بذلة كان يحرص دائما على أن تبقى مكوية وأنيقة للمناسبات. أقصى ما تمناه هو أن يلبسها في استقبال عامل المنطقة. لكنه لم يتصور في يوم أنه سيرتديها للوقوف بين يدي الملك. تمنى لو يسمح له بقضاء الليل في البهو . كل المواعيد لديه لم تعد لها من قيمة تذكر. ماذا سيطلب من الملك؟ تاه وسط طلباته العديدة التي لا تنتهي. لكنها ظلت منحصرة في أماني أبناء الفقراء، التي لا تكاد تتجاوز رخصة نقل أو سكن أو شغل. لا شيء غير ما يؤمن العيش الكريم بعيدا عن الحاجة والاستجداء. يوم التقى الملك نسي كل أحلامه وطلباته التي سطرها في ورقة وظل يحتفظ بها في جيب سرواله حين يكون في بهو الفندق أو بجيب سرواله الرياضي وقت التداريب. لم يجد القدرة على التحرك باتجاه المكان الذي من المفروض أن يلتقي فيه بملك البلاد. استحم أكثر من مرة، ظل واقفا لفترة طويلة أمام المرآة. تملكه إحساس غريب ممزوج بالخوف والفرح. كانت المساحة التي ظل يتحرك فيها لا تتجاوز حدود الغرفة الضيقة. ينظر إلى المرآة ثم ينظر من النافذة. لم يعد يتذكر كم مرة دخل فيها المرحاض. لم تفارق عينيه الهاتف، ومرارا ما كان يمسك سماعته ليتأكد من وجود حرارته. مرت اللحظات التي سبقت اللقاء متثاقلة. أحس معها بأن الوقت بدوره يريد أن يحرمه من فرصة انتظرها طويلا. وهو في غمرة خوفه، واشتياقه، وتردده، وحيرته رن جرس الهاتف. كان الصوت كزلزال أفقده ما تبقى لديه من شجاعة. عاودته الرغبة في دخول المرحاض مرة أخرى. لم يعد يفكر في ورقة المطالب التي ظل حريصا على إبقائها معه أينما حل. أراد أن يعيد النظر في المرآة لتهييء نفسه، لكن صوت جرس الهاتف أرغمه على إمساك السماعة والرد على المكالمة. لم يسمع من حديث المكالمة غير أن يتهيأ للمثول أمام الملك. لم يصدق الأمر . فقد تخيل ان أحدا ممن يعلمون رغبته في لقاء الملك ينصب له مقلبا. وضع السماعة في مكانها وظل واقفا مكانه لا يعرف ماذا يفعل. أراد أن يتأكد من حقيقة الموضوع بالاتصال بعمال الاستقبال بالفندق، لكنه تذكر أن المزاح لا يمكن أن يكون في مثل هذه المواضيع، على الأقل بالنسبة إليه حيث للملك موقع خاص في قلبه. ارتدى ملابسه، ونزل إلى بهو الفندق للتأكد من حقيقة الموضوع. ما كاد يفاتح عامل الفندق المكلف باستقبال المكالمات حتى أخبره هذا الأخير بأن الاتصال كان من كتابة القصر الملكي. وقتها دخل دائرة فراغ وصمت لم يخرج منها إلا بعد ان وجد أمامه موظفا بالقصر الملكي يطلب منه مرافقته للمثول بين يدي الملك. في الطريق إلى حيث يوجد الملك بالفندق، تاه عاشق وسط ركام من الأسئلة المتعددة. حرص على أن يحاصرها ويختار ما سيقوله للملك منها. لكن الأمتار القليلة التي كانت تفصله عن مكان وجود الملك لم تمنحه حتى فرصة للتفكير والتقاط أنفاسه. لاشيء غير الصمت وهدوء المكان. لم يكن عاشق قادرا على الجلوس ولا على التحرك. انقطعت أنفاسه وضاع وسط الأسئلة والخوف. حاول أن يتمالك نفسه لكنه ظل عاجزا أمام الضغط الذي كان يحس به. كيف سيستقبله الملك؟ كيف سيكلمه؟ ماذا عليه فعله؟ هل يملك الجرأة والشجاعة على الكلام في حضرة الملك؟..».