يحاول د. حمو بلغازي في هذا الكتاب، سبر أغوار تقليد أمازيغي ضارب في القدم، دأبت على ممارسته قبائل زمور. ورغم أن تقليد «تاضا» أو الإرضاع الجماعي، قد انمحى وتلاشى مع مرور السنوات وتعاقب الأجيال، لكنه مع ذلك يظل مؤشرا مهما على طبيعة العلاقات التي تؤطر المعاملات بين أفراد تلك القبائل. وكما جاء في التمهيد الذي وضعه السوسيولوجي المغربي، حسن رشيق، للكتاب، فإن بلغازي «يقدم تحليلا للتقليد الذي يحدد ويجدد الميثاق والالتزامات الاجتماعية لتلك القبائل، وكذا العقوبات التي تترتب عن كل من أخل بتلك الالتزامات. كما يسلط الضوء على دور ذلك الميثاق في فض النزاعات التي قد تحدث». وحسب بلغازي، فإن عادة «تاضا» «إذا كانت تستمد اسمها من هذا الإرضاع الجماعي الرمزي المتبادل (تبادل الوجبات الطقوسية وفق القواعد المقدسة للضيافة)، فإنها لا تختزل في الأخوة بالرضاعة فقط. فأفراد الجماعات المرتبطة بتاضا (أيت تاضا) التي «يقترن» أرباب الأسر من رجالها عن طريق إجراءالقرعة بخصوص أحذيتهم، يعتقدون أن هذه الرابطة أمر رهيب لأنها مقدسة وذات طابع خارق للطبيعة: فكل إخلال باحترامها من شأنه أن ينتج عنه عقاب غيبي شديد. وبحكم الحكايات الكثيرة المتداولة التي توحي بالهلع والرهبة من العقاب الذي يمكن أن يلحق بكل مخل بتاضا، فإن هذه الأخيرة تشكل ميثاقا قويا وناجعا، وظيفته الأساسية هي إقرار وضمان استمرارية التوازن المجتمعي داخل الكيان القبلي». خلال موسم سيدي العربي البوهالي الذي التقى فيه أفراد مجموعتي «أيت أونزار» و«أولاد حميد»، كان هناك بعض الزوار الذين لم يخلعوا أحذيتهم، على غرار باقي المشاركين، لكن لم يكن ثمة ما يشير إلى تعرضهم لسوء جراء ذلك. ومن هنا يمكن القول، إن ارتداء الحذاء أو خلعه قد يكون مجرد وسيلة لتحديد المنتمين ل «أيت تاضا» والمستبعدين منها. غير أن السؤال المطروح هنا هو الداعي وراء القيام بسحب قرعة الأحذية التي يخلعها أفراد المجموعتين المشاركتين في عقد ميثاق «تاضا». يعتبر أهل زمور أن الحظ عنصر أساسي في عملية اقتسام ومشاركة كل ممتلك جماعي. فمثلا، خلال مناسبة توزيع لحم إحدى البهائم، يقوم مشارك بالتقاط قطعة صغيرة ويضع فيها علامة تميزها عن باق القطع، ثم يتم تقديم تلك القطع جميعها إلى طفل صغير، يقوم بدوره بوضع كل قطعة فوق جزء معين من لحم البهيمة موضوع التقسيم. وهذا الأمر يدخل في إطار تساوي الفرص، من جهة، وتفادي نشوب نزاع أو احتجاج من طرف المشاركين من جهة أخرى. وحسب محمد، الذي ينتمي إلى قبيلة «هودران»، فإن الأطراف المتعاقدة في إطار اتفاق «تاضا» تسير بدورها على هذا الغرار، حيث يتم خلط أحذية المشاركين، والاعتماد على الحظ، وليس الخيار، في سحب زوجي الأحذية. أي أن كل شخص يتم سحب حذائه من المجموعة الأولى، سواء كان غنيا أو فقيرا، سيرتبط بعلاقة أخوة مع الشخص الذي سيتم سحب حذائه من المجموعة الثانية، والعكس صحيح. واستنادا إلى أقوال الرواة، فإن هذه القرعة لا تعترف بالانتماء العرقي للأشخاص المشاركين، ولا بمكانتهم في المجتمع، ولا اختلاف ألسنتهم، بل يتم الفسح المجال لعلاقة الأخوة التي تسود حينها. وبالتالي يصبح الفردان اللذان تجمعهما قرعة الأحذية بمثابة طرفي ذلك الحذاء، لا أحد منهما يستوي بدون وجود الآخر، كل واحد منهما يكمل الآخر مهما كانت الفوارق، ولو كان أحدهما يتحدث الأمازيغية والآخر العربي، ولو كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا. إن ما يمكن أن نستشفه من عادة «تاضة» يتجلى في كون هذه الممارسة تهم الأفراد كما المجموعات، سواء على مستوى الإضاع أو على مستوى قرعة الأحذية. فأن ترى شخصا يرتدي زوج أحذية مختلط يرمز لذلك البعد الذي يركز على العلاقة التي تربط بين فردين مختلفين، وبالتالي بين جميع أفراد المجموعتين المتعاقدتين. يقول المعطي، الذي ينتمي لأولاد يحيى (بني أحسن): «تجمعنا، نحن «الزعارة» علاقة «تاضا» ب «الخزازنة» [...] ويتوفر كل واحد من المجموعتين على من طابقه في المجموعة الأخرى (أيت تاضا). نقوم بزيارتهم كلما نظموا احتفالا بمناسبة سعيدة، كما يزوروننا كلما رزئنا بوفاة شخص ما. لا بد أن يكون «أيت تاضا» حاضرين في أية مناسبة تجمعهما». توحي هذه الرواية بأن كل فرد (كبير أسرة) من مجموعة «الزعارة» له من يطابقه أو يرتبط معه بعلاقة «أيت تاضا» من مجموعة «الخزازنة». غير أن هذا لا يعني بالضرورة أن كل فرد من مجموعة «الزعارة» تربطه علاقة واحدة ووحيدة بفرد من مجموعة «الخزازنة»، لأن علاقة «تاضا» لا تجعل من الأفراد إلا تمثلا لكامل المجموعة، وغير مستقلين عنها.