تتحدث كل طيور العالم المغردة لغة الشذو والموسيقى النابعة من سحر الطبيعة، وتتحدث الشعوب عن خصوصيات تراثها وتقاليدها، وتعاملها مع باقي الكائنات. ويتحدث هواة تربية الطيور المغاربة لغة العشق والانصهار في عالم خاص لا يمكن الحكم عليه بمجرد النظرة الأولى. يعشقون أن ينادى عليهم بلفظة «الماليع»، وهي كلمة السر بينهم لقياس مدى تعلق كل فرد بهوايته، وبطائره، سواء كان حسونا أم كناري مالينوا أو فلاوطا أو غيرها... تتعدد أسماء الطيور وأشكالها وخصوصياتها، وتبقى الهواية أو «الولاعة» قاسما مشتركا بين جميع الهواة، لتصل حد الجنون أحيانا. ويعيش الهواة في ارتباطهم بهاته الحيوانات الفريدة قصصا مثيرة، فبعضهم قد يصل به التعلق بطائر معين حد مبادلته بمعطف جلدي، أو حتى بسيارته، كما يروج في أوساط «الماليع»، لأن العشق أعمى، ولم يعد هناك هدف لدى العاشق سوى الوصول إلى معشوقه مهما كان الثمن باهظا في نظر الآخرين، فإنه بالمقابل لا يساوي شيئا لدى العاشق، وهذا دخول قوي في مقام العشق لا يعلمه إلا المريدون. «الاتحاد الاشتراكي» اقتحمت على «الماليع» عالمهم الخاص، وتقاسمت معهم هذا العشق والجنون، لتهديه إلى قرائها كتغريدات منعشة... سنخرج عن قاعدة هذه السلسلة لأن الاستثناء قد يضيف فائدة لم تكن منتظرة من قبل، فقد كان تواجد أحد أعلام الولاعة الاسبانية بمدينة طنجة لحضور معرض للحمام الأصيل بهذه المدينة، فرصة للرجوع معه إلى بداياته في مملكة الحمام، والوقوف على تفاصيل رغبة ملحة في اكتشاف هذا العالم، لتتطور إلى اختصاص وخبرة كبيرة، كان زاده ومرجعه القوي فيها، طموحه العارم ورغبته القوية فقط، ومادام هذا العالم لا يعترف بالحدود لأن هويته الرسمية هي الولاعة فقد تحدث عاشق الحمام الأصيل عن بداياته وعن طموحه وعن أفكاره: كان عندي 10 سنوات. كنا نقطن بمالاكو كان أخي يربي الحمام، وكنت أعينه على التنظيف وأساعده، كان يعجبني الأمر كثيرا وحدث أن ذهب أخي للتجنيه، فأوصاني بمقابلة هذا الحمام بل إنه قال لي إنه ملكك. لم أكتف بمقابلة الحمام والاهتمام به بل اتصلت بأحد المربين اسمه «ببيي» وحاولنا جمع بعض المال حيث اشترينا دراجة نارية كنا نطوف بها القرى المجاورة لشراء هذا النوع، وبالتالي تحسين النسل. راكمت تجربة وخبرة في ميدان تربية هذا الحمام، وقفت على خطأ اختلاط «الدم» حيث اكتشفت بأن العمل على أصل واحد يعطي نتائج أفضل جربتها منذ 15 سنة وتحسن النسل كثيرا هذه النتيجة مكنتني من الحصول على الرتبة الأولى والثانية عالميا ذكور والرتبة الثانية إناث كما تمكن من الفوز. شاركت في بطولة العالم التي تقام على شكل معرض يقوم فيه الحكام بالتنقيط ومن بين المراحل المعتمدة في المسابقة، اخراج الذكر من القفص واطلاقه في الارض، حيث كانت نافورة يتم اطلاق أنثى قربها وبناء على تعامل الذكر معها يتم التنقيط. حدث أن اشتريت رفقة صديقي أحد المربين المشهورين اسمه «سوفيري» مجموعة من الحمام انتقينا مابدا لنا الافضل. حاليا تتم دعوتي من قبل جامعات خاصة بالحمام تحتل الريادة عالميا كلفورنيا ، كوبا، ميامي، مكسيكو، الارجنتين، هولندا، ألمانيا، اضافة إلى أقوى جامعة وهي اسبانية بالطبع. تتم دعوتي لأنه أبذل مجهودات كبيرة في تحسين النسل واعتقد أني من أفضل مربي هذا النوع من الحمام في العالم، وألقى اهتماما خاصا من طرف وسائل الاعلام المحلية والوطنية والعالمية. اعتقد أن التمحيص والتدقيق في الأخطاء والاعتراف بها يعطي هامشا كبيرا لإصلاحها وإعطاء نتائج أفضل خلال لقاءات المهتمين بالحمام يعتبروني صغيرا رغم أن لدي 40 سنة إلا أنهم أقدم مني بكثير. الحقيقة أنه يوجد حوالي 25 مربيا في اسبانيا ذووا مستوى عال جدا. اعتمد في عملي على تفريق الفراخ على الكبار لأن الحمام الكبير لديه مناعة أكبر من الصغار وهذا ما يجعلني احتفظ بالصغار وحدهم في معزل والعناية بهم أكثر إلى أن يبلغوا عامهم الأول. أثرت في وفاة «موراو» وهو ذكر جميل جدا كنت أفتخر به لكنه توفي في سنه 12، تأثرت كثيرا ودفنته بطقوس خاصة في حديقة بيتي ووضعت علامة على قبره، لازلت اتذكره كلما دخلت إلى الحديقة ورأيت قبره. فكرت رفقة صديقي بيبي في تنويع نقط تربيتنا لهذا النوع من الحمام وان ندرس امكانية اقامة «سجنه» بمدينة طنجة، وذلك للحفاظ على النسل في حالة إبادة السرب من طرف أحد الأمراض لا قدر الله. (هذا النقاش كان بمساعدة طارق بنعلو)