ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    المغرب يدعو إلى هامش أكبر من الاستقلالية المادية لمجلس حقوق الإنسان    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب        رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'    أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الحكومة توقف رسوم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..        المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغز الاثنية: القومية، العنصرية والعولمة 1/2

لا ينفك موضوع القومية والحركات القومية وما يرتبط بهما من نزعات هوياتية تستند اليهما او تشتق منهما بشكل عرضي او مرضي، من قبيل النزعات الاثنية المتطرفة والعنصرية، لا ينفك هذا الموضوع يثير نقاشات واسعة في صفوف مثقفي الغرب، وبصفة خاصة من ذوي اصول اسيوية او افريقية او لاتينو امريكية والمستقرين في مجتمعات يحكم واقع العولمة اليوم، انها ستصبح، رغم ردود الفعل السياسية المثارة هنا وهناك، بصفة موسمية، مجتمعات تعددية على المستوى العرقي بقدر ماهي تعددية على المستوى السياسي الديموقراطي.
لقد اضاف مسلسل العولمة، وما احدثه من اهتزازات وردود افعال تمس التساؤل حول الانتماء الهوياتي ابعادا جديدة الى النقاش حول تكون الوعي القومي، فإلى عهد قريب كان هناك تياران فكريان رئيسيان تقاسما ساحة النقاش النظري حول القومية وانتجا مجمل الاجتهادات والتفسيرات بخصوص دينامية القومية والحركات القومية: تيار ارست كيلنر والذي ينطلق من اعتبار القومية ظاهرة حديثة في الزمان ارتبطت بمسلسل الحداثة ذاته وما فرضته من صيغ واشكال غير مسبوقة لتكوين ولاءات الافراد باتجاه مجموعات مخصوصة، كما اعتبر ان ارساء القومية وزرع الشعور بها لا ينفصل عن دور الحركات القومية التي تقوم بنوع من البناء الاجتماعي للارتباط القومي، ثم كان هناك التيار الاخر، الذي اعتبر ان حجم الروابط القومية واستمراريتها على مدى زمني وتاريخي طويل يجعل من الصعب ان لا نرى وجود نواة انتماء صلبة معاشة في وجدان الافراد المكونين للمجموعات العرقية. وهذا التيار الذي يتزعمه انتوفي سميث والمعروف بتيار الاثنية الرمزية يسعى الى ابراز الطابع المعقد للبناء القومي ودور رموز الماضي و حكايات الماضي في مسلسل البناء العصري للانتماءات القومية.
العولمة اضافت ابعادا جديدة الى هذه التفسيرات، كما ان المتغيرات الجيوسياسية تضيف ابعادا اخرى كما اوضح الباحثان من خلال الوقوف على حالة جنوب افريقيا.
ولتقريب القارئ العربي من الاشكالات الكبرى التي تندرج ضمن هذا النقاش الجديد والمتجدد حول مسار الانتماءات القومية والعرقية في ظل التداخل والتواصل غير المسبوق بين المجموعات الانسانية من مختلف الاعراف والاجناس، وفي محيط ما بعد ايدويولوجي، اخترنا نقل هذا النص عن الانجليزية لسوسيولوجيين امريكيين من جامعة بوستون، نشر في عمل جماعي تحت اسم القومية والاثنية الرمزية، التاريخ، الثقافة والاثنية في تكوين الامم.منشورات جامعة ايدنبرغ267.
وينطلق هذا الاختيار، من تقدير باننا في حاجة على ضوء مانراه من تداخلات وغموض في تفسير مستويات الانتماء القومي والوطني والجهوي والاثني، الى الاستئناس بالاجتهادات المطروحة في المجتمعات الاخرى لتوضيح الرؤية وتطوير فهمنا لما يسهم في صقل هويتنا التي لا يمكن ان تكون الا تعددية وغنية بهذا التعدد بالذات. وإلا فهو الانتماء الوحيد المعزز للفكر الوحيد.
إن الافكار والمعطيات التحليلية والمحاججات المرتبطة بطبيعة القومية والقوميات، انتجت نقاشا خصبا تمحور حول الطريقة - او الطرق - التي يسلكها الافراد في المجتمعات الحديثة لنسج روابط تجعلهم جزءا من مجموعة معينة، وحول ما يعتبره هؤلاء الافراد اشكالا مشروعة للتمثيلية السياسية. ان اعطاء معنى للهوية الوطنية والقومية اضحت قضية في غاية الاهمية في اعقاب نهاية الحرب الباردة، كما ان الانشغالات العميقة التي برزت بخصوص واقع العولمة في محيط ما بعد ايديولوجي، صارت تطرح هي الاخرى قضايا واشكالات في غاية الاهمية. وبما ان الرأسمالية انتشرت بشكل اوبآخر في كل المجتمعات، وفي كل القارات، فإن السؤال الجوهري حول ماإذا كان بوسع الناس أن يعيشوا بالخبز وحده، اضحى سؤالا متعدد الدلالات والمعاني. لقد جرى تفسير بروز قوى دينية متطرفة في غالب الاحيان كرد فعل على الطبيعة اللاأخلاقية لنزعة مادية تشتغل بدون اهداف توجهها، والقوتان الاخريتان اللتان تقترحان تقديم قيم وملء الفراغ الذي خلفه تواري الايديولوجيات، تتمثلان من جهة اولى في مختلف اشكال القومية الاثنية. و من جهة ثانية في نزعات التعبير القومي، وقد كان لهما شأن ودور خلال ما اسماه البعض ب «العقلانية اللاعقلانية للقرن العشرين».
وقبل الخوض في تفاصيل الروابط القائمة بين هذين الشكلين من التعبير عن الهوية، المختلفين مفهوماتيا بدون شك، ولكن المتلازمتين، مع ذلك دعونا نستعرض اولا واقع الحال الذي يطبع الدراسات حول القومية الان.
جون ستون ويولي ريتزوفا
1 - النقاش حول ماذا ومتى
بخصوص القومية
إن واحدة من المرتكزات التي يقوم عليها النقاش حول القومية يرتبط بتلك القضية السؤال الذي يبدو ظاهريا بسيطا ولكنه في العمق في غاية التشابك والتعقيد، ما الذي يكون أو يشكل الامة، والسؤال الذي يتداعى من هذا السؤال الاولي هو ،متى يمكن الجزء بأن وعيا قوميا قد انطلق، على مستوى مجموعة معينة؟
لقد خلف الجواب عن هذا السؤال في ساحة السجال الفكري مواقف متباينة بل ومتباعدة تماما، وهكذا فعلى جانب من ساحة هذا السجال، نجد اولئك الذين يعتبرون أنه يتعين النظر الى القومية كمنظومة معتقدات يقع بنائها اجتماعيا برزت خلال زمن التغيرات الكبرى التي رافقت الثورات السياسية والاقتصادية للقرنين الثامن عشر والتاسع عشر. وهكذا، طبقا لهذا التفسري، فإن المشاركة الجماهيرية وبروز نوع من التعليم المعمم كانا جزءا من مسلسل تعبئة الافراد الحداثيين على ارضية خلق احساس بالانتماء الى مجموعة مخصوصة يجمعها تذكر ماضي اجداد مشتركين وتاريخ مشترك وثقافة مشتركة
ان اعمال هوبسباوم ورينجر «اختراع التقاليد» (1983 ) واندريسون «المجموعات المتخيلة» وكذا الافكار الواردة في اعمال ارنست كيلز (1983) وتحليلاته بخصوص ما اسماه بالثقافة العالية والثقافة الجماهيرية. ان مجموع هذه الاعمال ترى القومية كظاهرة اجتماعية حديثة نسبيا، مرتبطة بشكل وثيق بقوى الحداثة. ووفق هذا التوجه، وهذا الخط من التفكير الاكاديمي، فانه بالامكان ان يخترع المرء القومية بنفس الصورة التي يمكنه بها اختراع العرق او الاثنية.
وعلى الجانب الآخر، المناهض لهذه النزعة البنائية الاجتماية يؤكد اخرون على الطابع التاريخي البارز لبعض المجموعات القومية التي يبدو انها استمرت متماسكة لقرون، ان لم نقل لألف سنة على الاقل، والسؤال الذي يتداعى من ذلك هو« كيف يمكن النظر الى تلك المجموعات كنتيجة لظروف عشوائية تجمعت خلال مرحلة زمنية معينة لتخلق شكلا جديدا من الوعي القومي؟ هل تستقيم مثل هذه الرؤية؟ هل هي معقولة؟
وهكذا فطبقا للمقاربة التي أصبحت معروفة بالمقاربة الاثنية / الرمزية والتي يدافع عنها انتوني سميث الذي ارتبطت باسمه، فإن واقع ِقدم القوميات لايمكن القفز عليه بالسهولة التي تتصورها المقاربة البنائية - الاجتماعية ان انتوني سميث، وهو سوسيولوجي محترف ومتمرس، لاينكر بالطبع دور البناء الاجتماعي،ولكنه يدافع عن ضرورة ادماج هذا البناء، ووضع تطوره ، عند النظر الى دينامية القوميات، ضمن مناخات ثقافية وسياقات تاريخية محددة ومخصوصة.
باحثون آخرون زادوا من التشديد على هذا البعد التاريخي، مؤكدين على الطابع التكويني السابق للقومية، فيما تطرق آخرون و ذهبوا الى حد القول بوجود نوع من العوامل البيولوجية / الاجتماعية من قبيل نزعة المجموعات القومية المنسجمة الى اختيار تفضيل اعضائها على كل الآخرين، وهي العوامل التي يتعين ان نربط بها قوة واستمرارية الرسالة القومية.
ومع ذلك، فإنه بالامكان، ضمن هذا النقاش الخصب والفني،ان نتبين بسهولة كيف ان عددا من السجالات المتبادلة بين الفريق الاكثر تاريخانية والفريق الاكثر تعلقا بنزعة البنائية الاجتماعية - وهي سجالات تنحى الى وضع تبسيطات مفرطة في الكثير من الاحيان - مع ذلك، فبالامكان ان نتبين بسهولة ان الامر يخفي في الحقيقة استمرارا وليس قطيعة، وان تتوقف في نهاية المطاف على الجوانب او المظاهر التي يختار الباحث التركيز عليها عند دراسته للقومية. ولذلك فإنه من الضروري جدا معرفة أية جوانب في تعريف القومية تخضع للكشف الدقيق،لأنه لاشئ في الحقيقة ،في كنه اي تصور شمولي لدينامية القوميات، يمكنه ان يزيح او يمنع من الظهور، لا الجذور التاريخية ولا مسلسل البناء الاجتماعي. وبمعنى آخر، فإن ما بين المسلسل التاريخي ومسلسل البناء الاجتماعي تبادل تأثير في الزمان والمكان. وليس تناقضا على مستوى الوقائع قد يفيد النفي المتبادل.
وهكذا، وكما لاحظ جون لويسي (2006)، فإن التيمات الرمزية والاسس الثقافية للحركات القومية. ان كان يجري بناؤها في الغالب الاعم انطلاقا من ميثولوجيات ومحكيات حول بطولات قديمة، فإن توظيفها ضمن أعمدة البناء التي تقيمها الحركات القومية - الاثنية لايتم الا بواسطة قوى وعبر ديناميات عصرية من قبيل انتشار وتطور القيم والمثل الديموقراطية والتي تتفاعل مع الديناميات المعقدة للتقسيمات القائمة داخل الدول وكذا مع الصراعات القائمة بين الدول المختلفة.
II - النقاشات الموازية في مجال العلاقات العرقية
ان المحاولات الجارية لتعريف وتحديد وفهم، سواء طبيعة القومية او الديناميات المتحكمة فيها وصلت الى منعطف اصبح معه الاقرار حاصلا بوجود ركام متداخل من العوامل والمتغيرات التي يتعين استحضارها وأخذها بعين الاعتبار. ان القومية الحديثة، وبصفة خاصة اشكال الوعي القومي التي أضحت ضاغطة في زمن العولمة، يمكن اعتبارها متناقضة مع وضد التطورات الجارية في الدراسات المنصبة على العلاقات العرقية. واذا كان يتم في بعض الاحيان النظر الى العرق والامة والقومية كعناصر متداخلة متطابقة، فإن الواقع يبرز ان كل المجتمعات العصرية هي مجتمعات متعددة الاجناس والاعراق وان ذلك غدا جزءا من طابعها التكويني ذاته، وهذا ناتج جزئيا على الاقل عن التحولات التي مست نماذج وانماط الهجرة الدولية التي شجعتها القوى الاقتصادية للرأسمالية وكذا التحولات السياسية الحديثة العهد التي أعقبت انهيار الشيوعية في روسيا ووسط وشرق اوربا.
لقد كان لنهاية حقبة الابارتهايد في التسعينيات، كما كان على صعيد آخر للتحولات الجارية في موضوع نماذج العلاقات العرقية في الولايات المتحدة تأثيرات أدت الى انتقال مركز الثقل من ذلك الانقسام او الحدود النمطية أبيض / أسود الى نموذج أكثر مرونة وأكثر تعددية في مجال العلاقات العرقية، وهكذا فإن الافرو - امريكيين لم يعودوا اليوم اكبر الاقليات العرقية في الولايات المتحدة، بحيث جرى تجاوزهم عدديا من قبل اللاتينو - امريكيين من المكسيك ومن المهاجرين الآخرين من أقطار امريكا الوسطى. وفي أربع ولايات طبقا لاحصاء اجري سنة 2000، فإن السكان غير البيض يشكلون اغلبية السكان اليوم.
وفي هذا السياق، فإن ديناميات العلاقات العرقية أصبحت متزايدة التعقيد والتنوع، لقد أصبحت مفاهيم «الاختلاط» «العبر وطنية»والعرقية البيضاء التعددية ومفاهيم أخرى مشابهة جزءا رئيسيا من القاموس المعاصر في مجال العلاقات العرقية في أمريكا - وهذا يفيد أن موجات جديدة من الهجرة التي نتج تنوع مصادرها عن التغيرات التي مست قوانين الهجرة سنة 1965، صارت تمارس تأثيرات متزيدة بجانب تأثيرات تحولات المحيط الدولي الشامل. والتأثيرات البعيدة المدى لهذا التحول هو موضوع سجال قوى ومشحون بين اولئك الذين يعتبرون ان الحدود مع المكسيك تستدعي استحضار كيف ان السيناريو الاكثر قابلية للتحقق هو ابعد ما يكون عن سيناريو الاندماج (تعقد اندماج المهاجرين المكسيكيين في القيم الثقافية الامريكية المؤسسة) (هونتينغتون 2004، ايتزيوني 2005 (2)، وبين اولئك الذين يرون ان نوعا جديدا من الاندماج (جوزيف نيي وبين وستيفن (2003) هو السيناريو الاكثر تطابقا مع المعطيات الافريقية الظاهرة للعيان اليوم.
واذا نحن اضفنا الى ذلك الطابع الدرامي ذي الابعاد الجديدة لظاهرة تصاعد الارهاب الدولي في اعقاب هجمات الحادي عشر من شتنبر 2001 على مركز التجارة العالمي في مانهاتن والبينتاغون وانعكاسات ذلك على المجموعات المسلمة او ذات الاصول المسلمة، فإن الوضع سواء في الولايات المتحدة او في اوربا يصبح غير قابل للتوقع. وهكذا فإن العلاقات المعقدة، وتبادل التأثير بين الارهاب من جهة وظاهر أخرى عادية ترتبط بالتحولات البيوغرافية والتداخل الشمولي العولمي، هي معطيات تبين بوضوح كيف ان التمثلات القائمة حول العرق والاثنية والقومية اضحت تمثلات متداخلة وفي تغيير مستمر، ويمكن ان نقيم الدليل على ذلك من خلال النجاح الذي يلاقيه تطبيق اجراءات فض المنازعات التي ساهمت في التخفيف من حدة توترات عرقية او اثنية او وطنية، حيث تبين ان النجاحات التي تم احرازها لم تنجم عن الدبلوماسية البيندولية التقليدية ولا عن فعالية قوات حفظ السلام المؤطرة والموجهة من طرف الامم المتحدة او منظمة الوحدة الافريقية او حلف الناتو او منظمات دولية أخرى، بل توقف الامر، على مزاوجة بين اختيارات انتقائية لاستعمال الضغط الاقتصادي والتدخل العسكري من جهة وفعاليات شبكة من التدخلات وسلسلة من الانشطة الدولية اضطلعت بها منظمات غير حكومية - هكذا فإن نجاح عمليات فض المنازعات،سواء على مستوى الدول الموحدة او على مستوى الدول ذات التكوين الفدرالي تتوقف على مدى النجاح في اعتماد سياسات تروم تصحيح التمثلات القائمة في الاذهان والتأثير في المعطيات القائمة على الارض بخصوص الاستغلال الاقتصادي الذي تتعرض له مجموعات معينة، وقضية الحقوق اللغوية والثقافية وتلك المرتبطة بممارسة الشعائر الدينية، كما تتطلب الاعتراف بهامش او هوامش من الاستقلال الذاتي وضمان الاحساس بالتطور والقوة واحترام الاختلاف ضمن محيط مشترك. إن حالة الصراعات والمنازعات القائمة على خلفية التغيير المستمرة في خطوط الحدود وتموقعات هذه الحدود تبين كم هو صعب الحفاظ على هذا النوع من التوازن ودعمه وترسيخه.
لقد شكل الانتقال الديمقراطي في افريقيا الجنوبية حالة أخرى تساوقت خلالها قوى القومية والعرقية مع عوامل جيوسياسية وعوامل أخرى، وتمخضت عن ذلك نتيجة مذهلة ومفاجئة، من حيث نماذج التغيير الاجتماعي وضبط العنف وتهذيب الثورة، ففي ظل الابارتهايد كان الطابع الصارم والحديدي للعلاقات العرقية طابعا مطلقا نفذ إلى عمق التقسيمات العرقية والقوى الاجتماعية والطبقية.
وقد يكون من المفيد هنا التذكير بأنه في حالة افريقيا الجنوبية، فإن المجموعات العرقية الوسيطة التي تلعب عادة دور الجسر الرابط بين المجموعات المتصارعة مهدئة من غلواء النزاع، كانت غائبة ولم تؤد هذا الدور. وهكذا فإن تعدد المجموعات العرقية التي لم تجد ذاتها في أي من المجموعتين العرقيتين المتقابلتين لم تساهم في إيجاد جسور بين المجموعتين أو تليين اجراءات الميز. وفي هذا الصدد، فإن المجموعة العرقية في الكاب، وهي مجموعة ملونة هي الاخرى والتي تداولت لغة الافريكانير فيما بين أعضائها، لم تقم بأي دور على هذا الصعيد، وكل ما أثبتته هو كيف أمكن للغة أن تدعم وتقوى قومية الافريكانير. كيف أمكن للامور أن تسير على هذا النحو؟ مسألة تبدو غريبة بعض الشيء اعتبارا لكون استمرار نفوذ الافريكانير لمجموعة عرقية كان يبدو متوقفا على الطابع الكوسموبوليتي للغة الانجليزية والعقلية التجارية لفئة الويتلاندر، وبالطبع القوة العسكرية للامبراطورية البريطانية، لكن إذا ما نحن أخذنا بعين الاعتبار مخلفات حرب البوير وما تلاها من توافق على مستوى السكان البيض عموما في افريقيا الجنوبية، فإنه سيسهل ان نتبين كيف ولماذا تم تحويل الافارقة السود إلى أمة مضطهدة ومستعمرة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهكذا أصبح التمييز الشامل بين السود والبيض العلامة الدالة على نظام الابارتهايد، أما بالنسبة للهنود في افريقيا الجنوبية فإنه بالرغم من مجهودات غاندي لتعبئتهم ضد النظام العنصري، فإن ذلك لم يؤثر بشكل حاسم في التخفيف من حدة التقاطب القائم على أساس العرق، مما حدا بهم إلى الانضمام إلى المؤتمر الوطني الافريقي ANC وهي المنظمة المناضلة غير العرقية باعتبارها الاستراتيجية السياسية الوحيدة الممكنة لمحاربة نظام الابارتهايد.
لقد أدى تجاوز الابارتهايد والقضاء عليه بطريقة هادئة وسليمة نسبيا إلى إلقاء أضواء كاشفة على طبيعة الانتقال والتحول الذي لحق بالجغرافيا السياسية، وهكذا فإن أي تحليل معمق للعوامل التي أدت إلى هذه النتيجة المفاجأة لابد أن يقف على عدد من التطورات التي أضعفت بشكل حاسم قدرة البيض على الاستمرار في رعاية دولية عرقية ضمن اقتصاد بني أساسا على تبعية لحلفاء كبار وأقوياء، فمع نهاية الحرب الباردة جرى تغيير شامل في التمثل الاستراتيجي لأهمية افريقيا الجنوبية بالنسبة لحماية المصالح الغربية في مواجهة الشيوعية ،واصبح الموضوع غير ذي معنى ،وهذا
وضع ضغوطات كبيرة على النظام باتجاه مراجعة اختياراته والاعتراف بأن الابقاء على دولة عنصرية لم يعد يساوي الثمن المطلوب أداؤه لهذا الغرض، وهكذا فإن انهيار الابارتهايد في مطلع التسعينات واستبداله بديمقراطية مفتوحة متعددة الاجناس والاعراق مثل الوجه الآخر لمسلسل اعادة النظر واعادة تمثل خطوط الألوان والتمايزات العرقية برمتها وما كان تسوية لصراع طويل مؤلم ومفعم بثقل كبير على الذاكرة اكتسى أهمية ودلالة ورتب آثارا طويلة المدى، لا فقط داخل افريقيا الجنوبية، مهد هذا التحول، ولكن في اوربا والولايات المتحدة كذلك.
(يتبع)
هوامش:
1 - في سنة 2005 التحقت ولاية تكساس بولايات كاليفورنيا ونيومكسيكو وهاواي كولايات تضم أغلبية سكانية من غير البيض، وفي الولايات الثلاث الأولى المشار إليها يشكل اللاتينو امريكيين، المجموعة الاكبر فيما يشكل الامريكيون - الآسيويون في هاواي المجموعة الاكبر. وهناك خمس 5 ولايات اخرى يشكل فيها السكان غير البيض 40% من مجموع السكان، يتعلق الامر بولايات ماري لاند ومسيسبيي وجيورجيا ونيويورك واريزون، وذلك طبقا لإحصاء 2000
2 - يقوم ايتزيوني بابراز الطابع الايديولوجي لكتاب هونتنغتون «من نحن؟» والطابع الانتقائي للوقائع الذي يميزه وبالنسبة لما يراه هو نتيغتون خطر انفصال حقيقي في الجنوب الغربي من خلال استمرار الثنائية اللغوية وغياب الاخلاقيات البروتستانتية في العمل وضعف نسبة الزواج البينعرقي تبدو ملاحظات هونتغتون حسب ايتزيوني غير دقيقة، كما أنها لا ترى حقيقة المساهمة التي يمكن للقيم المكسيكية أن تضطلع بها فى إغناء الهوية الامريكية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.