تثير مسألة استعمال النقاب أو "البرقع"، من طرف النساء المسلمات في فرنسا، جدلا واسعا ، سواء بين السياسيين أو المختصين أو وسائل الإعلام. وكان عمدة فينسيو، أندري جبران، الشيوعي، قد طالب بفتح تحقيق برلماني في انتشار هذه الظاهرة، عندما لاحظ أنها تتناسل بقوة في المدينة الصغيرة، التي تقع في ضواحي ليون! وعلق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي على هذا الموضوع، معتبرا أن فرنسا لا ينبغي أن تقبل هذا النوع من اللباس، الذي يخفي حتى ملامح وجه المرأة، ويغطي كامل جسمها بالسواد التام! وفي ردود فعل متعددة، حول هذا التصريح، قال أبو مصعب عبد الودود، زعيم "القاعدة في المغرب الإسلامي"، بأنه سينتقم من فرنسا ومصالحها في أي منطقة في العالم، من "أجل شرف بناتنا وشقيقاتنا". وبالإضافة الى هذا الرد فعل الإرهابي، توالت ردود أخرى مثل تلك التي أدلى بها الزعيم الشيعي اللبناني حسن فضل الله الذي اتهم الرئيس الفرنسي "بقمع المرأة والمس بإرادتها بين اختيار الشكل واللباس الذي تريده". وفي نفس الاتجاه سارت ردود الفعل السعودية، حيث دافعت صحيفة الحياة عن ضرورة "احترام التقاليد والحياة الخاصة للناس". وتساءلت " كيف سيكون رد فعل الفرنسيين والأوروبيين لو فرضت الدول الإسلامية على نسائهم حجب وجههن وشعرهن؟". أما جريدة "لاكازيت السعودية" فقالت " من يمس بالآداب العامة: لبس البرقع أو البيكيني."! وإذا كانت هذه هي بعض ردود الفعل التي وردت من العالم الإسلامي، فإن النقاش في فرنسا مازال مفتوحا و يدور حول مسألة أساسية : هل يمكن منع النقاب؟ وفي أية شروط وظروف؟! المسألة التي يكاد يكون عليها إجماع بين الفرنسيين هي أنه يمكن منع النقابة في بعض الظروف التي تتطلب من المرأة أن تكشف عن وجهها لأسباب إدارية أو أمنية! المسألة الثانية التي يتفق عليها أغلب الفرنسيين هي أن منع النقاب ممكن إذا تبين أنه يمس بالسير العادي للشأن العام. لكن كل هذه المسلمات، التي تنطلق من علمانية الدولة الفرنسية، تجد من يرد عليها، من داخل هذا المجتمع، بنفس المنطق. فباسم العلمانية واحترام التعددية والديمقراطية، يقول آخرون، أنه يجب تقبل الاختلاف، ولا يمكن أن نحرم الآخرين من حقهم في اختيار مظهرهم! لكن النقاش الحقيقي الذي يطرحه بعض المفكرين والمثقفين، هو عن المغزى من ارتداء النقاب و إخفاء المرأة في لباس أسود، يجعلها أقرب إلى الشبح، منها إلى الإنسان! هذا النوع من الاعتراض على البرقع ينطلق من مناقشة خلفياته، حيث يعتبر أن الهدف هو نفي لإنسانية المرأة، والتعامل معها كشخص لا قيمة له خارج إطار جسده، الذي عليه أن يخفيه، لو أراد أن تكون له شخصية حقيقية. المبرر الآخر الذي يطرحه المناهضون للبرقع هو ارتباطه بتفكير معين، وإذا كان لا يعني بالضرورة الدفاع عن العنف والإرهاب، لكنه يعتبر أنه يعيش في مجتمع كافر، وأنه هو وحده الذي يحترم الشريعة. لذلك أثير النقاش داخل جمعيات المسلمين في فرنسا، وخلصت الغالبية العظمى منها إلى أن النقاب أو البرقع لم يرد قط في أي نص ديني إسلامي، لذلك فهو ليس مفروضا من طرف الشريعة! القضية ما زالت مطروحة بقوة في فرنسا، وانتشار النقاب لا يمس فقط النساء من أصول مسلمة، بل حتى بعض الفرنسيات اللواتي أسلمن. لذلك فالمسألة التي تواجهها فرنسا لن يتم حلها بسهولة، ولن يكون الرد المنطقي هو فقط في إصدار قانون، كما حصل في مسألة الحجاب!