دعا الرئيس أوباما مرتين، في الآونة الأخيرة، الحكومة الإسرائيلية إلى وقف توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لكن ما يجب على الرئيس فعله هو أن يرسل الدعوة نفسها إلى الأميركيين الذين يمولون المستوطنات ويساهمون في بناء مزيد منها. فحسب تقديرات منظمة «السلام الآن»، يوجد أكثر من 450 ألف مستوطن في الضفة الغربية والقدس الشرقية، بعضهم يحمل الجنسية الأميركية، فضلا عن أن بعض أشد المستوطنين تطرفاً وأكثرهم حضوراً وتأثيراً، يحملون أيضاً الجنسية الأميركية أيضاً، أو كانوا يحملونها. ومن بين هؤلاء «باروخ جولدشتاين»، الطبيب المنحدر من بروكلين بنيويورك، والذي أطلق مائة رصاصة على المصلين المسلمين في أحد المساجد بالخليل عام 1994 وقتل 29 شخصاً، بالإضافة إلى الحاخام ««مير كاهان» مؤسس حزب «كاهان» الذي مُنع في إسرائيل لمواقفه العنصرية، ناهيك عن الإرهابي «إيرا رابابورت»، العضو في صندوق استعادة الأرض المكلف بامتلاك أراض في المناطق الفلسطينية المستهدفة بالاستيطان. هذا الواقع الاستيطاني الذي يدعمه اليهود الأمريكيون ويرتبطون معه عضوياً، شهدته شخصياً عندما أجلي المستوطنون من قطاع غزة في عام 2005؛ وقتها التقيت بمجموعة منهم لاستكمال فيلم وثائقي كنت أعده حول الموضوع، وفوجئت أن البعض يتحدث عن جذورهم العميقة في غزة، رغم أنهم في الحقيقة كانوا أميركيين. وقبل ذلك بسنوات وعندما كنت أعمل في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان تلقيت تقارير من زملاء لي تعرضوا للتهديد الجسدي من قبل مستوطنين، فقط لأنهم كانوا يحمون المزارعين الفلسطينيين خلال موسم الحصاد من هجماتهم. وأكد لي زملائي أن العديد ممن كانوا ينفذون تلك الهجمات، هم يهود من أميركا الشمالية هاجروا إلى إسرائيل في السنوات الأخيرة. لكن الأمر لا يقتصر فقط على اليهود الأميركيين، بل يمتد إلى المسيحيين الإنجيليين في الولاياتالمتحدة، والذين يجمعون ملايين الدولارات لتمويل النشاط الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك حسب تقرير الراديو الوطني العام . فعلى سبيل المثال تشجع جمعية أصدقاء إسرائيل المسيحيين،الكنائس على التعامل مع من تسميهم ب «رواد إسرائيل الإنجيلية»، من خلال تبني برامج الاستيطان ورعايتها بالتمويل، ووفقاً ل «سوندرا أوستر باراس»، مديرة مكتب الجمعية في إسرائيل، فإن نصف المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية تتلقى دعماً مباشراً وغير مباشر من المسيحيين في الولاياتالمتحدة. وفي هذا السياق أيضاً يُعتقد أن العديد من رجال الأعمال، بمن فيهم قطب الكازينوهات في أميركا إرفينج موسكوفيتز ، منخرطون بشكل كبير في تقديم منح لمنظمات غير ربحية مثل صندوق الخليل الذي يتخذ من بروكلين في نيويورك مقراً له ويعتبر «الحفاظ على الخليل يهودية من أجل الشعب اليهودي»، حسب موقعه الإلكتروني، هدفاً له. وبالطبع يأتي ذلك كله على حساب الحكومة الأميركية التي تخسر مورداً مهماً من الضرائب عندما تسمح لتلك المنظمات بالعمل كجمعيات غير ربحية تستفيد من إعفاء ضريبي. وفي سياق متصل أفادت صحيفة هآرتس الإسرائيلية، في عام 2007، أن منظمة أمانا للاستيطان نظمت معرضاً عقارياً في نيويورك يشجع اليهود الأميركيين على اقتناء منازل في الضفة الغربية. وحسب «الصوت والرأي اليهوديين»، وهي مطبوعة يهودية محافظة في نيويورك، فقد شارك في المعرض آلاف الأشخاص وبيعت عشرات المنازل. وفي العام الماضي رفعت بلدة فلسطينية دعوى قضائية ضد شركتين كنديتين تبنيان المستوطنات في الضفة الغربية. ومع أن القضية مازالت معروضة على المحاكم، إلا أنها على الأقل ساهمت في لفت انتباه الناس إلى الدور الذي تلعبه أطراف خارج إسرائيل في دعم المستوطنات وإعاقة السلام. وإذا كان من الصعب على المحاكم وقف توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فإنه يتعين على مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزينة الأميركية التدخل، فقد أدرجت الحكومة الأميركية منظمة كاهان ضمن التنظيمات الإرهابية ليصبح محظوراً على المواطنين الأميركيين تقديم أي دعم مادي لتمويل أنشطتها. ومع أن الدستور الأميركي يكفل حق التعبير عن الرأي للتنظيمات المساندة للاستيطان ولا يمكن حرمان المنظمات غير الربحية من الإعفاءات الضريبية التي تستفيد منها، إلا أنه على الرأي العام أن يعرف بأن المستوطنات تشكل خرقاً واضحاً للقانون الدولي، وهو ما أكده قبل ثلاثين سنة أحد المستشارين القانونيين لوزارة الخارجية الأميركية حين أصدر رأياً قال فيه إن مواصلة بناء المستوطنات في الضفة الغربية يتعارض مع معاهدة جنيف الرابعة. ورغم عدم توضيح وزارة الخارجية، أو البيت الأبيض لموقفهما تجاه الرأي القانوني الصادر في عام 1979، فإن تصريحات الرئيس أوباما كانت واضحة ولم تترك أي مجال للشك عندما قال في خطاب القاهرة «إن الولاياتالمتحدة لا تقبل شرعية الاستيطان الإسرائيلي، وقد حان الوقت لوقف تلك المستوطنات»، وربما يكون الوقت قد حان أيضاً لوقف الأميركيين دعمهم للمستوطنات. *المدير التنفيذي لمنظمة «الرؤية العادلة» المعنية بتوثيق مبادرات حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عن «لوس أنجلوس تايمز»