لقد كان كئيباً صباح هذا اليوم في مقاهي الحي الأثري القديم بشوارعه المرصوفة بالحصى والحجارة الصغيرة في أثينا. فبدلا من تدفق السياح المعتاد إلى مقاهيه، تتدفق الأمطار الغزيرة غير الموسمية التي غمرت المدينة وحيها القديم. وهنا تملك عائلة »كوستا كوكيوس« عدداً من المتاجر التي تبيع المجوهرات الذهبية الأثرية المقلدة من عيار 22 قيراط. لكن ليس من مشتر للمجوهرات هذا العام، بسبب الضربة القوية التي تلقتها السياحة وتأثيرات الأزمة الاقتصادية العالمية عليها. وكما قال كوستا كوكيوس، فليست المجوهرات شيئاً صغيراً يشتريه الناس بحوالي 100 يورو، ولذلك فقد تأذت تجارتنا أكثر مما تأذى قطاعا الفنادق والمطاعم. فلا أحد يشتري مجوهراتنا الآن، وتراجعت أعمالنا بنسبة 70 في المئة بسبب تأثيرات الأزمة الاقتصادية. وليست اليونان وحدها، بل على امتداد أوروبا كلها، لاسيما المنتجعات الممتدة على ساحل البحر الأبيض المتوسط، لا يبشر القطاع السياحي بخير، رغم اقتراب موسم الصيف والاصطياف. وأشار تقرير صادر عن »مجلس السياحة الدولية« التابع للأمم المتحدة في الثاني عشر من شهر مايو المنصرم، إلى انخفاض عدد السياح الدوليين خلال الشهرين الأولين من العام الحالي، بنسبة 8 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. كما لاحظ التقرير أن السياحة في كل من أوروبا وآسيا والشرق الأوسط، وكذلك بعض المواقع السياحية الآسيوية الشهيرة، هي التي تضررت أكثر من غيرها عالمياً. ومع ذلك فقد سجلت بعض المواقع السياحية الأوروبية تراجعاً أكبر وأوضح. فعلى سبيل المثال تراجعت حجوزات الفنادق في العاصمة اليونانية أثينا خلال الربع الأول من العام الحالي بنسبة 20 في المئة، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وفقاً لمعلومات »اتحاد فنادق أتيكا«. أما في إسبانيا فتراجع عدد السياح الأجانب بنسبة 16.3 في المئة، بينما تراجعت عائدات القطاع السياحي في قبرص بنسبة 12.8 في المئة. فهذه ليست مشكلة خاصة باليونان وحدها، إنما هي كذلك بالنسبة لإسبانيا والبرتغال وإيطاليا، بل تواجه أوروبا كلها الأزمة نفسها، على حد قول »ليساندروس تسيلايدس« من »الاتحاد الهيليني لوكالات السفر والسياحة«. واستطرد المتحدث في القول: نأمل أن تنحسر هذه الأزمة بنسبة 10 في المئة فحسب، حتى نتمكن من إعادة تشغيل قطاعي السياحة والفندقة عبر حجوزات الدقيقة الأخيرة التي كثيراً ما تحدث مع انحسار الأزمات. وسوف يكون الاختبار الحقيقي للقطاعين مع حلول موسم الصيف. فالمعروف أن مجتمعات كثيرة، خاصة تلك التي تقيم في سواحل البحر الأبيض المتوسط، تعتمد على الموسم السياحي اعتماداً كلياً في حياتها السنوية. ومع ذلك سجلت وكالات السفر والسياحة والفنادق اليونانية انخفاضاً بلغت نسبته 20 في المئة في حجوزات صيف هذا العام. ومن بين المواقع السياحية اليونانية الشهيرة، تعرف جزيرة »رودس« بشواطئها الصيفية الآسرة، فضلا عن كونها مدينة تاريخية مسورة منذ أيام القرون الوسطى، وتحيط بها قرى أثرية قديمة باهرة. وبسبب هذه الإغراءات السياحية، فقد تجاوز عدد زوارها في صيف العام الماضي 1.2 مليون سائح. وللسبب نفسه تعتمد الكثافة السكانية للجزيرة -المقدرة بحوالي 120 ألف نسمة- اعتماداً كلياً على السياحة. وعادة ما يبدأ الموسم السياحي بالجزيرة في أعياد الفصح، حيث تفتح غالبية الفنادق أبوابها للزوار في شهر أبريل ولا تغلقها مرة أخرى إلا بحلول شهر أكتوبر. لكن الملاحظ أن الكثير من فنادق الجزيرة فتحت أبوابها متأخرة هذا العام على أمل خفض التكلفة إلى حين حلول ذروة الموسم السياحي. »إنه موسم سياحي صعب هذه المرة«. هكذا وصف الحال »أدونيس كومبوراكيس« الذي تملك عائلته اثنين من فنادق الخمس نجوم في جزيرة رودس. »وبسبب صعوبة الظروف، اضطرت غالبية الفنادق لإغلاق أبوابها تقليلا للتكلفة خلال الفترة التي لا تكسب فيها عائداً ولا دخلا«. وعلى عكس الظروف الحالية، كانت السياحة في جزيرة رودس وغيرها من المواقع السياحية الأخرى الواقعة على سواحل البحر الأبيض المتوسط، قد شهدت نمواً عالياً يشبه الانفجار خلال العقود الأخيرة الماضية. فعلى سبيل المثال لم يكن في الجزيرة كلها سوى فندقين فحسب في عقد الخمسينيات. أما اليوم فتجاوز عدد فنادق الجزيرة ال500 فندق. بل يشهد موسم صيف العام الحالي وحده افتتاح خمسة من فنادق الخمس نجوم في الجزيرة. ويلاحظ أن الدول الأوروبية السياحية مثل اليونان، تواجه منافسة متصاعدة من مواقع سياحية أخرى تقع خارج النطاق الأوروبي، وتصنف ضمن المواقع المطلة على البحر الأبيض المتوسط هي الأخرى، مثل تركيا وكرواتيا. والسبب هو قلة تكلفتها مقارنة بالمواقع الأوروبية. ولهذا السبب يتنبأ بعض المحللين المختصين بمجال السياحة، بأن تحقق المواقع السياحية الرخيصة هذه مكسباً من الأزمة الاقتصادية العالمية. > عن «كريستيان ساينس مونيتور»