لو كنا لانزال نؤرخ للسنوات والأحداث على غرار عام الفيل وعام الجوع، لأمكن لنا أن نسمي سنة 2009 بعام الحمير، وانتخابات 12 يونيو بانتخابات الحيوان. نعم، فلأول مرة في تاريخ المغرب تشارك الحمير في تظاهرة ضد الفساد الانتخابي، وتنزل إلى الشارع العام للاحتجاج، ويتم اعتقالها فقط لأنها عبرت عن رأيها، فاستحقت أن تقف ندا لند مع معتقلي الرأي، والمعتقلين السياسيين، وحق للهيئات الحقوقية أن تطالب باطلاق سراحها والتضامن معها في محنتها حتى تستعيد حريتها. أما عن تسمية انتخابات 12 يونيو بانتخابات الحيوان، فبعيدا عن البيان والتبيين، يمكن القول أنه بالاضافة إلى نزول الحمير إلى الشارع العام للتظاهر، وإصدارهم لبيان إلى الرأي العام، نزلت الكلاب الشرسة والمدربة للقيام بالحملة الانتخابية لصالح هذا المرشح أو ذاك، وناصرت بالأنياب والمخالب مرشحها وولي نعمتها، ودافعت عن «برنامجه الانتخابي» بشراسة وضراوة غير مسبوقة في الحملات الانتخابية، بل إنها نافست السكاكين والسيوف والهراوات والحجارة وإضرام النار وكادت تفوز على ذلك كله. لذلك وجب الاعتراف لها بالفضل، ولو من باب تسمية هذه الانتخابات باسمها. والعجيب الغريب ، أنه رغم انشغال الكثير من الكلاب المغربية في استحقاق آخر بالعاصمة الرباط، والمتعلق بالمعرض الدولي للكلاب الذي نظمه نادي الكلاب بمعهد الزراعة والبيطرة الحسن الثاني تحت اشراف الجامعة المركزية والجامعة العالمية للكلاب، والسعي إلى التتويج في هذه البطولة العالمية، فإن باقي الكلاب أبت إلا أن تساهم في المعركة الانتخابية وتخوض غمار حربها، مجندة تجنيدا تاما خلف من تناصرهم، فكانت أنيابا مسلطة علي رقاب الأعداء، كي لا نقول الخصوم. ولكي لا ننساق فقط مع ما تركز عليه الصحافة من أصناف الحيوانات، وننسى الحيوانات الأخرى التي قد تكون أفضالها علي الحملة الانتخابية أكبر، فنكون من الظالمين لها، والجاحدين بإسهامها الكبير، لابد من الإشارة إلى وجود الأكباش في صلب الحملة وغمار المعركة، وكان الاجدر بنا ذكرها أولا قبل الحمير والكلاب، لأنها هي التي تترك جلدها في هذه المعركة أكثر من أي حيوان آخر، إذا ما استثنينا الدجاج المسكين الذي يُغتال بالجملة في هذه الحملة. إذن، نحن أمام انتخابات حيوانية نهقت فيها الحمير وصوتت ضد الفساد الانتخابي ودفعت الثمن غاليا من حريتها، وعرفت المعتقلات، واستنكرت أنكر الأصوات التي تباع في بورصة اللاقيم واللاأخلاق، لذلك نقول إن رسالة الحمير قد وصلت بكل نقاوة للنهيق وصفاء الشهيق، وأن بيانها وتبيينها كان أ بلغ من «البيان والتبيين» للجاحظ، وأن حيوانتها كانت أفصح من «الحيوان» لنفس الكاتب. يقال عادة ،إن العقل الخامل هو ملعب للشيطان، ولأن تجليات العقل السياسي المغربي كما برزت في هذه الحملة، تقول إنه يُكرر نفس الفساد والركود والجمود، والشيطان يلعب فيه إغواء وإغراء وبنفس الوعود، فإن العلامة المائزة لهذا الاستحقاق حقا، هي هذا الإبداع المتمثل في نزول الحمير الى الشارع لتقول كلمتها الحق، والتي يمكن إيجازها في أن أنكر الأصوات ليست صوت الحمير، ولكن صوت من يبيع صوته، ليظل بعد ذلك أبكم، بلا صوت، ولا يستطيع أن يتكلم، لأنه باع حقه لغيره. > ملحق لابد منه: إلى أصحاب الصبر والدبر معتقلي الرأي من الحمير دفاعا عن نزاهة الانتخابات البشرية، وحق الإنسان في الاختيار. تحية احتمار وتقدير لكل جنس الحمير، أما بعد: فقد بلغنا بيانكم، فقدرنا اهتمامكم بهمومنا ودفاعكم المستميت عن مصلحة مدننا وقرانا، وإذ سنظل ممنونين لكم على هذه المؤازرة النبيلة، فإننا نعلن تضامننا المطلق معكم، حتى تستعيدوا حريتكم، وإنها المعركة حتى النصر على الفاسدين والمفسدين. وعاشت الحمير حرة أبية في معركة البناء والتنمية.