1 يخوض أحمد المديني، مرة أخرى، في سياق مسار إبداعي ثري ومفاجئ.. تجربة مجددة في الكتابة السردية، من خلال هذا النص/ الرحلة «أيام برازيلية وأخرى من يباب » حيث يعبر في المكان و المشاعر عبورا سرديا ينمو معه معجم البحث عن أشكال أخرى متورطة في حركات التاريخ دون أن تشده إلى أثقالها وتفاصيلها. وبهذا النص ينخرط المديني في التأسيس لتحول في تجديد الشكل التعبيري السردي من خلال مستويين: الأول:إن كتابة الرحلة العربية نصا مكتملا منذ عشرة قرون فاتت ،داخل مراحل كثيرة رسخت فيه تقاليدها كجنس ومؤسسة متعددة الانتماءات والكتاب. وقد بدأت ملامح اختراق هذه المؤسسة/جنس الرحلة منذ نهايات القرن التاسع عشر والى حدود ثلاثينيات القرن الماضي حينما اهتم عدد من الكتاب بالبحث عن إيجاد قالب فني يبدعون فيه ..فلجأوا إلى الرحلة والمقامة دون أن تسعفهم لغياب وعي بالرواية ،فكانت مرحلة تمرينات واستعادة غير مسنودة بأفق الحداثة الثقافية ولم يكن مسموحا الاستمرار في التعبير ضمن أشكال استنفذت مراحلها . وستتأجل معاودة إعمال النظر النقدي والتفكير في الشكل الرحلي ، بشكل مترابط،لتبدأ مرة أخرى في نهاية القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة ، مع نضج التحولات الكبرى على كافة المستويات وتبوأ الرواية مكانة مكنتها من تملك سلطة اعتبارية داخل منظومة الثقافة الإنسانية .فكان أن جرب عدد من الروائيين تدوين أسفارهم بصيغ تختلف جذريا عن الأنماط الرحلية القديمة،وتداخلت الرواية بالمذكرات بالسيرة الذاتية بالرحلة. ولعل نص «أيام برازيلية وأخرى من يباب» لأحمد المديني يندرج ضمن هذا السياق الثقافي والفكري، وضمن إطارين :عام ينتمي إلى أفق التجديد، وخاص ينتمي إلى الأفق الإبداعي والفكري الذي حققه احمد المديني عبر تراكم أفرز خصوصيات مطروح على النقد البحث في تحققاتها وأسئلتها. انه تجديد أعاد الكتابة الرحلية إلى امتداد طبيعي في مساحة من المرايا لا يدخلها الفقهاء أو السفراء. فالنص الرحلي، أخيرا، يعثر على مؤلفه الذي هو الروائي. الثاني: بهذا النص / الرحلة يساهم أحمد المديني ، الى جانب ثلة من الروائيين، في تحرير الرحلة من آفة "فناء النوع"ومن احتكار رسمي لقرون ويصبح شكلا ووسيلة لفتح أراضي سردية جديدة لصالح التخييل الإنساني. 2 إن نص « أيام برازيلية وأخرى من يباب» رحلة كتبها روائي في مختبره مع شيء من التحرر من إطارات جنس الرحلة مع الوعي بالكتابة الرحلية ضمنها، مما يطرح منذ البدء السؤال حول حدود النوع وتحولاته في هذا النص؟ وقد جاء هذا المؤلف /النص الثقافي حافلا بمعطيات تؤشر على هذا الوعي الروائي والنقدي الذي شكل خلفيات جمالية للرحلة، منها التنوع اللغوي والمستويات التي ترد فيها مفردة وجملة أو بناء سرديا بحمولاته واستثماراته لمفردات وجمل بلغات أخرى وباللهجة المغربية. إن لغة المديني ( في مجموع أعماله الإبداعية والفكرية) هي نهر هادر يجرب في طريقه الطويل والشاق ، عبر عقود متصلة ،المنحدرات والأعالي ليصقل التخييل من داخل أرحام الواقعي المتبدل.ولم يحد عن هذا الجريان في «أيام برازيلية وأخرى من يباب» في تدمير بعض البديهيات عبر الانتقاد والتعليق والسخرية ، وفي بناء أوصاف رائقة وحميمية ،ومشاعر مدينية تندمج ضمن تخييل عام أو توظيفات الضمائر في مسافة متراوحة بين الأنا والمخاطب لذات واحدة مضاعفة من الروائي والرحالة. هناك صراع رفيع في النص بين الروائي والرحالة يصل إلى حدود التوريط ..فالرحالة الذي يسعى إلى إخفاء كل انتقاداته النابعة من المقارنات وتخزين حكاياته الحميمية التي يتركها لنفسه أو لخلانه حكيا شفويا لن يستطيع الصمود أمام قدرات الروائي وحيله وتمرسه بلعبة الكشف والبوح والإيهام والتحاور مع القارئ المفترض أو المرآة المتعددة..ليتحكم في التفاصيل وفي كل ما كان ساخنا في الظل وفي حكم النسيان..ان قدرة الروائي في هذا النص انه يندس وسط ارشيف المسودات الاولى للرحلة ليعبر بصوت يتكلم بالرؤى وقد تجلى هذا في مواقع الكثير من كل الفقرات والفصول حيث "يستغل" الروائي مشاهدات الرحالة في تشييد مرآة نقدية انتقاديه ومقارنة لان له وعي بالمعرفة والتخييل اللذين يريدهما. يتحقق الوعي بالكتابة الرحلية وبالروائي الذي يقف خلفها من خلال البناء السردي العام للرحلة إلى البرازيل أو إلى لبنان، وبالتشكيل العام في العناوين الكبرى الماتحة من متخيل سردي إبداعي ومعرفي يثبت مرايا في كل المنحنيات تضيء الاندفاعات الهادرة للغة السردية وهي تحكي مسارات من ريو دي خانيرو وسالفادور وساو باولو إلى الواسو وبرازيليا في مرحلة اولى..ثم باريس وعمان فالى لبنان عبر طرق ومحطات قلقة. انه وعي يطيح بالرحلة في مفهومها القديم ويبني فوق ارض السرد عامة نصا رحليا جديدا يطوح بالرحالة الذي « تتضخم في عينيه الصور، ويرى بعيني المسحور بما علم أو سمع من قبل عن بلد الزيارة وهو معهود عند بعض الرواة يحكون الأعاجيب والأكاذيب عن مشاهدات مزعومة لهم في بلدان زاروها بالمسموع أو المقروء لا بما يقع عليه البصر ويشهد عليه أو ضده الواقع» ص8. يتحكم الكاتب والروائي في حرية الكتابة كما تحكم في اختيار فضاءات رحلته فهو لايقف ?كما يقول- إلا على ما يشدني إلى هذا اليقين شكلا ودلالة ، وأنا أحاول أن استجمع نفسي أو كلماتي متراوحة بين الجمر والرماد .ص64. انه وعي بوظيفته كمسافر وكاتب معا..سفير لحساب الكتابة فقط لان للمسافر ( عدة وجوه وسيول من المشاعر خلال تجواله.دمه يغلي ومزاجه يتبدل)ص37.وتجليات هذا الوعي جاءت شدرية في عدة فصول من الرحلتين إلى البرازيل ولبنان، ولكنها تجلت ? في التماعة تأملية فارقة- في فقرة طويلة(ص.27) يقول فيها بان "كتابة الرحلة هي تذكر بليغ للواقع وسرد للمشاهد بعين مكحولة بالمجاز" منتبها الى المنحى التجديدي في كتابة الرحلة في تاكيده:"اني ارى ان متعةكتابة الرحلة وضرورتها تكمنان في العثور بالضبط على المالوف الذي يصبح بليغا حسب زاوية النظر الخصوصية التي نراه ونقدمه منها".