في هذا الحوار يتحدث محمد جاجا عن تجربته وحصيلته كرئيس لجماعة اقايغان. الاكراهات والمعوقات التي تحول دون تحقيق التنمية المتوخاة بالعالم القروي، والمشاريع التي تم انجازها بهذه الجماعة على عدة مستويات، لكن المثير في هذا الحوار هو طبيعة المنجزات المتمثلة في ضروريات الحياة التي تضمن الكرامة والحد الأدنى لشروط العيش للإنسان في العالم القروي، بداية من الماء والكهرباء والتربية والتكوين والتعليم والاهتمام بالمجالات السوسيوثقافية، وتوفير بعض وسائل العيش بواسطة القطاع الفلاحي. { في البداية تحدث لنا عن تركيبة مجلس جماعة اقايغان > مجلس جماعة اقايغان يضم 11 منتخبا، 8 ينتمون للاتحاد الاشتراكي يشكلون الأغلبية المسيرة وثلاثة مستشارين كأقلية، لكنهم يدعمون ويساندون قرارات المجلس { هل يمكن أن نتحدث عن حصيلة الجماعة القروية من الانجازات التي قمتم بها خلال الولاية التي تحملتم فيها مسؤولية تسيير مجلسها؟ > أولا دعني أقدم جماعة اقايغان بشكل وجيز، وبعدها سنتطرق للقطاعات والمجالات التي قمنا فيه ببعض الانجازات والمبادرات. تعتبر جماعة اقايغان من أقدم الجماعات بالمغرب، لقد أوجدها التقطيع الترابي 1960، وتصنف في المجالات شبه الصحراوية وجعلها مدرجة في المجال الواحي، إلا أن السياسة العمومية سواء في فترة الحماية أو في فترة الاستقلال، واستنادا إلى جميع المخططات الخماسية والثلاثية، في برامجها التنموية. وجدنا بأن حظ الجماعة من التنمية مهمش، سواء من حيث التجهيزات الأساسية، فالجماعة من الجماعات الفقيرة وطنيا، وفقيرة كذلك من حيث المؤهلات الطبيعية والبشرية، فميزانية الجماعة لا تتسع لشبكة مجالاتها، فنجد الغلاف المالي للميزانية يصل إلى 170 مليون سنتيم، ثلاثة أرباع منه تذهب في أجور الموظفين وغالبية الباقي يصرف على التسيير مما يخل ببرمجة اعتمادات خاصة بالتجهيز والاستثمار. أما التركبة البشرية الخاصة بالجماعة، فهي كالتالي 22 موظفا وكاتبا عاما، تقني في الهندسة المعمارية و محررين، أما الكتاب فيصل عدد إلى 10 والباقي أعوان 9 فالتركيبة البشرية للجماعة وعددها لا يساعدان لخدمة التنمية القروية بالجماعة . { في ظل هذا الواقع المتسم بشح الامكانيات المادية وفقر المؤهلات الطبيعية، ماهي المبادرات والتدخلات التي قمتم بها انتم كرئيس جماعة؟ > كان اهتمامنا بالأساس بالبعد الاجتماعي والثقافي، فالجماعة جهزت جميع مراكزها و دواويرها بالكهرباء في إطار الشراكة مع المجلس الإقليمي لطاطا في النصف الثاني منها. أما بالنسبة للنصف الأول فقد كان بمجهودات تنسيقية جبارة في عهد حكومة التناوب. ولا زال دوار تنغرين الذي يعرف طريقه إلى الكهربة، حيث تمت برمجته في إطار برنامج الكهرباء القروية منذ 2007، فتعثره ناتج عن ضعف الأسر المستفيدة فيه، حيث يصل سكان هذا الدوار الذي لا يتعدى خمس أسر، وكل منزل يكلف أكثر من 50 ألف درهم، فمشكل هذا الدوار نتعاون مع السلطات الإقليمية ومختلف المتدخلين لحله، فما يتعلق بالدوار الثاني فهو مبرمج في إطار الطاقة الشمسية نظرا لقلة أسره ولبعده عن التيار الكهربائي العالي. { على ما يبدو أن الاهتمام تركز على ما هو ضروري وأساسي للحياة أولا، فماذا عن الماء الصالح للشرب ؟ > بخصوص الماء الصالح للشرب تعتبر جماعة اقايغان الجماعة الوحيدة بالإقليم التي تدخل فيها المكتب الوطني للماء الصالح للشرب قبل التجهيزات، وذلك بشراكة مع المجلس الإقليمي والمكتب الوطني للماء الصالح للشرب والجماعة. في المركز، أما الدواوير فكلها مجهزة بشبكة الماء الصالح للشرب في إطار مشروع تدبير الماء بشراكة مع كل من الجمعيات المحلية والجماعة ووزارة التجهيز في إطار مشروع "pager" . وفي إطار البحث عن الماء الشروب للجماعة، تم حفر بئر مؤخرا بدوار أولاد علي بنسمون، خصوصا أن الجماعة تعاني من مشكل جودة الماء الصالح للشرب. بئر سيتسع لتزويد مركز الجماعة اقايغان و دواوير اسرغين وأولاد علي تكسمودين ايدو سنان بصبيب يصل إلى 12 متر مكعب في الثانية، مما سيمكن السكان من مياه كافية وذات جودة عالية والأولى في الإقليم لأنه ناقص ب 45 درجة من الملوحة والمواد الأخرى غير الصالحة بالمقارنة مع الماء الشروب الحالي، مما دفع المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يعجل بأخذ التصاميم الخاصة بالدواوير في هذا الشهر الجاري من أجل الشروع في الانجازات موازاة مع دراسة التطهير السائل بالمركز. { لا شك أن من ضروريات الحياة الماء والكهرباء، وخصوصا في العالم القروي، لكن الإنسان في حاجة ماسة كذلك ليخرج من الجهل ويدخل عالم النور أن يتعلم ويقرأ، فماذا عملتم في مجال التربية والتكوين والتمدرس ؟ > بالنسبة للأنشطة السوسيوثقافية، إيمانا منا بمبدأ لا تنمية بدون تأهيل الموارد البشرية في مجال معين، فالجماعة عملت بجهد كبير في مجال التعليم، بحيث قمنا بتأهيل 4 مؤسسات تعليمية ابتدائية وإصلاحها في إطار برنامج شراكة مع وزارة التربية الوطنية بوعاء 400 مليون سنتيم، وتم بناء دار للطالبة للبنات بتنسيق مع مندوبية الإنعاش الوطني بطاطا، ولكوننا كرئيس جماعة وعضو مجلس الجهة فقد حصلت على دعم لاستكمال البناية من مجلس الجهة، وكل هذا في إطار تشجيع تمدرس الفتاة، ونظرا كذلك لبعد الدواوير عن مقر الإعدادية وفي إطار التنمية البشرية، تم بناء أربعة أقسام تعليمية ثانوية بإعدادية المسيرة بالجماعة، استغلت كملحق ثانوي تأهيلي، وهنا لابد من الإشارة إلى أن الجماعة حصلت أواخر شهر مارس على الموافقة النهائية من أجل بناء ثانوية مستقلة، لأن التلاميذ بجماعة اقايغان كانوا يذهبون لجماعة تسينت التي تبعد ب 50 كلم من اجل الدراسة في الثانوية، فمباشرة بعد تلقي هذه الموافقة النهائية عملنا كجماعة في دورة ابريل على تفويت بقعة أرضية لوزارة التربية الوطنية لتشييد هذه الثانوية. وتدعيما لتمدرس الفتاة، ونظرا للطاقة الإيوائية بالداخلية وللخيرية الإسلامية، بادرت الجماعة في سابقة من نوعها بالإقليم إلى استخدام النقل المدرسي بواسطة سيارة كبيرة حصلنا عليها من وزارة التعليم، وبتاريخ 21 أبريل جاءتنا حافلة تتسع ل 55 مقعدا حصلت الجماعة عليها كهبة من إحدى الجمعيات بايطاليا، وتوسيعا لأسطول النقل المدرسي ودعما لجمعية النقل المدرس المكلفة بشراء الحافلة الأولى فيما يخص الشباب، نظرا للخصاص الذي تعرفه وزارة الشباب والرياضة في الأطر بادرت الجماعة بتشغيل دار الشباب الموجودة بمركز أقايغان من طرف موظف جماعي وجهزت الدار من طرف المندوبية الإقليمية للشباب والرياضة، وأصبحت رهن إشارة النشاط الجمعوي والشباب بصفة عامة. وفي إطار التنمية البشرية وتدعيما لثقافة التمدرس، عملت الجماعة على بناء خزانة جماعية بمركز الجماعة مجهزة بحواسيب وكل التجهيزات الضرورية واللائقة. وقمنا كذلك ببناء نادي نسوي بدوار أولاد علي بوسمود، ونادي نسوي آخر بدوار تاركانت ونادي في طور الانجاز بدوار تكوسمودين آخر بدوار اقايكرش. { س- وهل هناك من انجازات في مجالات أخرى ؟ > من الناحية الفلاحية، هناك اهتمام بالري الصغير وذلك بشراكة مع المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي بورزازات، حيث تمت الاستجابة لجميع طلبات الجمعيات السقوية بدعم من الجماعة في إطار السواقي والخطارات ، فهناك بعض السواقي شاركت الجمعيات في شرائها، وسواقي أخرى أعدت في إطار صفقات جماعية. تفاعلا مع سياسة إعداد التراب الوطني والحكامة الجيدة، بادرت الجماعة في دورة سابقة إلى طلب تشخيص في إطار المخطط الخماسي للتنمية وبعد اتصالات في إطار الفصل 36 للميثاق الجماعي، كان هناك توجيه من طرف المديرية المركزية المختصة لكي تقوم الجماعة بالتماس إلى السلطات الإقليمية من اجل تفعيل الاتفاقية الإطار بين كل من وكالة التنمية الاجتماعية والإقليم ووزارة الداخلية حتى تتمكن الجماعة من الاستفادة من الدعم لهذا المخطط بحكمها المستهدفة الاولى من التنمية البشرية بالإقليم، الا أن هذه الخطوات مازالت لم تر النور رغم أن رئيس الجماعة بادر إلى التشاور مع الفاعلين المحليين والجمعيات كخطوة أولى من أجل إعطاء إشارة للسلطات الإقليمية للإسراع بهذا المخطط الجماعي، لأنه لا يمكن الحصول على أي دعم جماعي أو غيره من الميزانيات دون التوفر على وثيقة المخطط الجماعي. { س- ما هي الاكراهات التي اعترضتكم كرئيس جماعة قروية والتي تحول دون القيام بالمهام التي يخولها القانون لكم كمنتخب بالعالم القروي؟ > حين تتصفح ديباجات إعداد التراب الوطني في علاقة مع التنمية المحلية نجد بأن الخطاب التنموي في علاقة في علاقة مع القوانين الحالية يبقى مكبلا وبدون فاعلية حين استحضار الميزانية الجماعية وقدرتها على استيعاب مجالها وقدرتها على توفير الخدمات الضرورية للمواطنين، نجد أولا الفرملة القانونية، بحيث ان الميثاق الوطني للجماعات اعطى مجموعة من الصلاحيات لرؤساء الجماعات، إلا أن الفصل 73 مازال يعطي هامشا أكبر لسلطات الوصاية، خاصة إذا كانت غير متفهمة أو متعاونة، مما يستلزم مراعاة تأهيل المنتخب للتفاعل مع هذا الميثاق مع مراعاة النظر في مجموعة من بنوده ونصوصه، فلا يمكن تصور التنمية بجماعة اقايغان بميزانية توفر فائض 100 ألف درهم في أحسن الأحوال. فاستحضار ثقافة المنتخب لا تترك من الوعي لبرمجة بنظرة مجالية تمس هدفا معينا بالجماعة فكل منتخب لا ينظر إلا لرقعة دواره بالجماعة ومن بين الاكراهات الأساسية كذلك هو عدم ارتقاء الفاعلين المحليين إلى مستوى نخب محلية مستقبلية، سواء من حيث الأفكار أو من حيث الرساميل وهذا ناتج عن ظروف المنطقة الصعبة و غير المساعدة مما يستدعي البعد الثاني في التنمية يتمثل في حضور الدولة من أجل التوازن مع المناطق الأخرى المغربية المتوفرة على مؤهلات سواء البشرية أو المادية، هذا البعد سيحضر في الفلسفة الجهوية في بعدها الجمعوي والإقليمي والترابي، لأنه بدون ذلك سيبقى رئيس جماعة مثل جماعة اقايغان كمن يدحرج صخرة سيزيف في قعر الجبل. وكريس جماعة قروية نائية وانطلاقا من الاهتمامات الأكاديمية بما هو تنموي، التمس من جميع الجهات والمسؤولين التعامل مع هذه الجماعة من منطق أنها جماعة فقيرة من جميع الجوانب وإعطائها ما تستحقه، فلا يعقل أن تسير قيادة ترابية ثلاثة جماعات بقائد كرجل سلطة وثلاثة أعوان تابعين للإنعاش الوطني وخليفة عين أخيرا في إطار الانتخابات الجماعية المقبلة. تلك بعض الأفكار التي قاربها كتاب عن الديمقراطية التشاركية (1)، تقدم منه بعض الخطوط العريضة. الديمقراطية التشاركية وتوابعها ليس مفهوم «الديمقراطية المستمرة» هو الذي يطرح صعوبات أكبر. فهذا التعبير يعني -عند دومينيك روسو - مجموع الأساليب التي بواسطتها يمارس الشعب - بشكل مباشر أو غير مباشر - مراقبة السلطة السياسية. فالديمقراطية المستمرة تتجاوز بشكل بديهي إطار الديمقراطية التشاركية، لأن هذه الأخيرة مستمدة من الانتخاب ومراقبة الصبغة الدستورية. بالطبع ليس أن المهفومين لا يرتبطان بعلائق، ذلك أن أحدهما يتضمن الآخر، إذ أن «الديمقراطية التشاركية» ما هي في المحصلة إلا مظهرا من «الديمقراطية المستمرة». كذلك ثمة علاقة من ذات الطبيعة بين «الديمقراطية التشاركية» و«ديمقراطية القرب» لكن الخطاطة معكوسة: إذن «ديمقراطية القرب ما هي مسبقا الا الشكل المحلي ل «ديمقراطية تشاركية» تنطبق على أصعدة أخرى، خاصة في إطار سياسات إعداد التراب، التعمير والبيئة. في اتجاه آخر من الصعب الإحاطة بالعلاقة بين «ديمقراطية تشاركية» و«ديمقراطية تشاورية». في اللغة الاعتيادية يبدو التعبيران قابلان للتبادل أوالتعاوض بينهما. بيد أنه من الممكن تمييز المفهومين بالأخذ بعين الاعتبار أن التشاوري ما هو إلا مظهرا من التشاركي. هذا الاختيار يعود للباحث جاك شوڤاليه، الذي يرى أن «الديمقراطية التشاوية» تسمح «بفتح المسار القراري باتجاه المجتمع المدني، اسماع صوت المواطنين، أولا بالدخول في حوار مع البنيات التي تكون نتيجة لجمعيتهم الحرة، ثانيا ببذل مجهود للتلقي المباشر لوجهة نظر المعنيين بالأمر». إذا نظرنا إليه من هذه الزاوية، قد يجمع مفهوم «الديمقراطية التشاورية» مجموع التقنيات التي بواسطتها يمكن أن تتم استشارة الأشخاص الموجهة إليهم قاعدة الحق، خلال صياغة القرار، دون أن تنتقل اليهم مع ذلك سلطة اتخاذ القرار. بتعبير آخر سوف تشرك الديمقراطية التشاورية المواطنين في التفكير القبلي لاتخاذ القرار، لكن دون الطعن في مراقبة المنتخبين للاختيار النهائي. قد يتطابق هذا التعريف النقاش العمومي، مجالس الحي، الاستطلاعات التشاورية ومنتديات أخرى للمواطنين، اللجان الاستشارية، إلخ. قد يكون ل «الديمقراطية التشاركية مجال تطبيقي أوسع على نحو ملموس اذا ما ادمجت - علاوة على تقنيات الديمقراطية التشاورية المشار إليها - اجراءات كلاسيكية للديمقراطية شبه المباشرة مثل الاستفتاء. المبادرة الشعبية أو الڤيتو الشعبي، وهي تقنيات متعددة يتم بواسطتها نقل سلطة القرار للمواطنين. غير أن هذا التحليل - المقبول مسبقا - يبقى ناقصا إذ أن «الديمقراطية التشاركية» لا تختفي ما أن تتم المصادقة على القرار، بل يستمر إلى ما وراء ذلك. هذا ما يعلمنا إياه انطوان بيڤور بخاصة، الذي يماثل الديمقراطية التشاركية بما كان اليونانيون يسمونه «ديمقراطية مطلقة»: تدخل المواطنين «في إعداد وتنفيذ القرارات المتخذة من طرف المجلس». بواسطة الديمقراطية التشاركية يكون المواطن مدعوا إلى الانخراط لا فقط في اعداد وتبني المعيار، بل كذلك في تطبيقه، بل في تقييم فعاليته العملية، تتحدث هنا عن جانب جديد من الديمقراطية التشاركية، الذي ليس تشاوريا ولاقراريا في شيء. لأنه جانب يتدخل بعد صياغة وتنفيذ القرار. يتعلق الأمر نوعا ما بديمقراطية ما بعد قرارته. في نهاية هذا التحليل، يبدو ممكنا استبقاء لغرض بحثنا التعريف التالي: نقصد بال «ديمقراطية التشاركية» مجموع الاجراءت والوسائل التي ينخرط فيها المواطن مباشرة في ممارسة السلطة السياسية، قبل خلال أو بعد المصادقة على المعيار القانوني. الديمقراطية التشاركية: دواء سحري؟ على هذه الأسس، ثمة ملاحظتان مهمتان بصفة أساسية تجب الاستشارة إليهما: - وحدها اجراءات الديمقراطية التشاورية وما بعد القرارية تمثل طابعا جديدا بالفعل في بداية القرن الواحد والعشرين. من جانبها وجدت اجراءات الديمقراطية شبه المباشرة منذ عدة قرون في البلدان المتقدمة ديمقراطيا. على أن تطوير اجراءات جديدة لديمقراطية تشاورية وما بعد قرارية، إلى جانب تقنيات قديمة، هو الذي خلق ضرورة تعبير جديد يشمل جميع اشكال مشاركة المواطنين، اشكال منفصلة عن المسار الانتخابي. ها هنا احتمالا مصدر عبارة «ديمقراطية تشاركية». - تمنح اجراءات الديمقراطية التشاورية وما بعد القرارية للمواطنين سلطة غير واضحة، أكثر استعصاء من السلطة التي يشغلونها في إطار تقنيات الديمقراطية شبه المباشرة. في الوقت الذي يسمح فهم الاستفتاء باتخاذ القرار بانفسهم في مضمون المعيار القانوني، تسمح لهم التقنيات الديمقراطية الجديدة «فقط» بتنوير المنتخبين المقررين في مسار صياغة القاعدة ثم السهر على تطبيقها الفعلي والوثوقي. قد تزيح ديمقراطية مطنبة - ذات الجوانب غير المؤكدة - الاجراءات الأكثر «نبلا» للديمقراطية المباشرة أو شبه المباشرة، التي تعطي للمواطنين دورا قراريا محددا بشكل أفضل. إذا نظرنا إليه من هذه الزاوية، قد يتماشى بروز ديمقراطية تشاورية تقريبا مع إضعاف للديمقراطية. ليست المفارقة ظاهرة. من جهة ان المقاربة القرارية حصريا التي كانت قائمة حتى نهاية القرن العشرين، كانت تشبه ربما رؤية في حد أدنى للديمقراطية، بحيث أن القرن الواحد والعشرين مدعو إلى تجاوزها بفتح فضاءات تعبيرية جيدة للشعب. من جهة أخرى أن تطور الديمقراطية شبه المباشرة كان نتاجا لاستيعاب سلبي للديمقراطية التمثيلية، التي عيشت كتنكر للديمقراطية الحقيقية. من هنا كان يبدو منطقيا تقطير جرعة من الديمقراطية المباشرة داخل الديمقراطية التمثلية، في أفضل حالة لتطهيرها، وفي اسوئها التخفيف من أذاها، كان ذلك في القرن الثامن عشر. بعد قرنين أو ثلاثة تغير النظر بالضرورة إلى الديمقراطية التمثيلية. ليس هناك مجتمع سياسي تمكن حتى الآن من التخلص من المسلكية التمثيلية. من ثم، يكون مهما تنظيم لما أفضل للتعايش اليومي للمواطنين ولممثليهم الذين لا مفر منهم. فبذل إطالة منطق منافسة ومواجهة يحاول كل طرف داخلها الاستحواذ على سلطة القرار للطرف الآخر، فإن الديمقراطية تفضل الطريق الوسطي للتعاون: يسمح هذا الآمر للمثل بإشراك المواطن في صياغة وتنفيذ القاعدة، دون الحرمان مع ذلك من السلطة الأساسية لاتخاذ القرار باسم المجموعة، ذلك أن سلطة القرار بواسطة التمثيلية هي شرط وجود واستمرار الجماعة السياسية، بغض النظر عن الفرديات المكونة لها.مهما يكن فإن الأهمية التي تولي اليوم ل «الديمقراطية التشاركية» مرتبطة بشكل وثيق بالرغبة في القضاء على العجز الديمقراطي الذي ينخر النظام التمثيلي. للتقنيات الجديدة للمشاركة امتياز ابعاد الديمقراطية بالفعل من المنطق المزودج الذي ظلت منغلقة داخله حتى الآن. في المسار الانتخابي وحتى في الاستفتاء، تكون تشكيلة الاختيارات المفتوحة للمواطنين جد ضيقة على أية حال: التصويت لصالح «نعم»، لصالح «لا»، اختيار مرشح على آخر أو، في حالة اليأس، ممارسة الامتناع عن التصويت، ليست ورقة التصويت إذن- وهي نمط للتعبير الديمقراطي المحدود - قادرة علي تجسيد التعقد الكامل لرأي مواطن. يمكن أن يظهر تطور الديمقراطية التشاركية كدواء سحري سيخرج الديمقراطيات القديمة من الخمول الذي يبدو أنها وقعت فيه، فالتقنيات الجديدة للمشاركة المواطنة قد تشكل قاعدة لحلف جديد بين الحاكمين والمحكومين، وقد تقلص الهوة التي تفصل بينهما - إذا لم نزلها - يبقى ان معارضة تمثلية المنتخبين ظاهرة متواترة في الديمقراطيات التمثيلية، وان الحلول المجربة في الماضي لعلاج الأمر لم تعط النتائج المتوخاة. واذن هل سيكون الأمر ذاته بخصوص الديمقراطية التشاركية؟ فالحماس الذي يثيره عند البعض لا يجب أن يؤدي بنا إلى اهمال تشكيك الآخري.