أن تلتئم أجيال من الفنانين والمهتمين بالمجال الموسيقي المغربي في مكان واحد وزمن واحد، يعنى أن الحدث ذو شأن فني عظيم .. أن يلتقي مربي الأجيال الفنية عبد النبي الجيراري، و« نكهة» الكلمة الشعرية الغنائية أحمد الطيب لعلج، مع صاحب «كأس البلار» فتح الله المغاري، و«جريت وجاريت»عبد القادر وهبي، والفنان الأصيل عبد العاطي آمنا، وفنان الشباب يونس ميكري، و«دندنة العود » عمر الطنطاوي والحاج يونس.. ومبدع «كون جيد من أهل الجود وعلي تجود» أحمد العلوي، نقيب النقابة المغربية للمهن الموسيقية، وفنان المهجر المهدي عبدو والمطربين والملحنين وشعراء الأغنية والموزعين والعازفين والمنتجين: عبد الواحد التطواني، نعمان لحلو، محمد الغاوي، سعيد المغربي، محمد الزيات، محمد دامو، محمد الدرهم، مصطفي بوركون، أحمد عيدون، صبري أحمد، أولاد البوعزاوي، وأولاد بنعكيدة، مجموعة تكدة، مجموعة دركة، مجموعة مازاكان، مجموعة كازاغرو، والمنتجين رشيد حياك وخالد النقري .. وغيرهم كثير، أن يلتقي هؤلاء جميعا صباح يوم السبت 7 ماي الماضي بمقر المكتبة الوطنية البديع.. يعني ذلك أن خطوة حاسمة من تاريخ الأغنية المغربية ستدشن، وأن صفحة عذراء جديدة ستفتح، لا شك أنه سَيُخَطُّ على سطورها مستقبل جديد للأغنية المغربية بعد معاناة من اللامبالاة والتهميش والإهمال من طرف العديد من المكونات أدخلتها في نفق مظلم مسدود، ربما عن قصد أو غير قصد. أكيد أن الأغنية المغربية بصفة عامة، والأغنية العصرية بصفة خاصة، ستشهد بعد هذا التاريخ حركية إيجابية، وهي تستفيد من دعم وزارة الثقافة، مثلما استفاد قبل ذلك الكتاب والمسرح السينما.. دعم ترك أثره المحمود في إفراز إنتاجات وإبدعات مهمة .. البشرى التي حملتها وزيرة الثقافة ثريا جبران صباح الخميس 7 ماي الماضي الذي يصادف، بالمناسبة، اليوم الوطني للموسيقي، وهي تتأهب لوضع مشروع الوزارة لدعم الأغنية أمام طاولة مجلس الوزارء بمدينة فاس، في ذات اليوم للمصادقة، شرعت أبواب الأمل بين المهنيين، مثلما فتحت أبواب النقاش على مصراعيها للتداول في مصير فني، موسيقي ثقافي يهم جميع المغاربة بمختلف تعبيراتهم ومشاربهم وميولاتهم الغنائية والطربية.. ويهم كذلك كيفية تصريف وتدبير مشروع طموح، راكم من الأخذ والرد الشيئ الكثير، حيث فسح المجال للجميع، أو يكاد، للإدلاء بدلوه في الموضوع مهما احترم المجرى داخل السياق أو انحرف عنه خارج التيار، فقد كانت العين فاحصة والأذن صاغية.. النقاش والتداول لم ينطلق من فراغ، فقد أعدت الوزارة، بصدد المشروع، أرضية صلبة «غير ملزمة» ينبغي تعزيزها أو تعديلها، كما عبر عن ذلك حسن النفالي مسير جلستي اليوم الدراسي، تناوب على عرضها (الأرضية) بالتوالي كل من عبد الحق أفندي، مدير الفنون بالوزارة، وحسن نجمي، مدير الكتاب، وسعيد عامل، مدير المهرجانات، كانت تتغيا توضيح الأهداف والمرامي - كما جاء في ورقتهم التقنية - وهي أولا تشجيع الأغنية المغربية بجميع هياكلها الكلاسيكية والشبابية .. وتطويرها عن طريق منح دعم مالي يستفيد منه المنتسبون للمجال الموسيقي، يتحدد غلافه سنويا في 450 مليون سنتيم، يتوزع على حوالي خمسة عشر (15) مشروعا، كل مشروع سيدعم بثلاثين (30) مليون سنتيم كسقف أعلى، بعد أن يحظى بموافقة لجنة انتقاء وفرز مختصة مستقبلا، يتشكل أعضاؤها من أطر وزارة الثقافة ومن مهنيين ومبدعين يتوافق على اختيارهم وتعيينهم المهنيون.. أنفسهم، تتمتع بكامل الصلاحيات على مدى سنتين، وتجتمع ثلاث مرات في السنة على الأقل للبت في المشاريع المقترحة. ثانيا إنتاج مجموعة من المشاريع الموسيقية (حوالي 60 أغنية ). ثالثا تشجيع الابداع الموسيقي والغنائي بمختلف جهات المملكة ولفائدة كل الأجيال والاتجاهات، بمعني تعميم الاستفادة وتكافؤ الفرص، تفاديا لكل إقصاء أو تحديد كوطا. رابعا دعم المشاريع الجادة - وهي مسألة نسبية - والمتوفرة على عناصر المهنية، أي موجهة للمهنيين فقط لا غير، ثم خامسا المساهمة في محاربة آفة القرصنة والتقليد.. هاته النقطة الأخيرة لم تحظ بكثير كلام في اليوم الدراسي بقدر ما حظيت النقط الأخرى بنقاش جاد، حاد وطويل كشف أن جميع المكونات تحمل هَمَّ الأغنية المغربية في الأعماق، خصوصا الأغنية العصرية التي دخلت في السنوات الأخيرة دوامة النسيان أو الغيبوبة المرضية.. تكالبت عليها فيها مجموعة من العوامل الذاتية والموضوعية كان من نتائجها تراجع في الكم والكيف وهجرة العديد من الفنانين الى فضاءات موسيقية، فنية أخرى، حيث ممكنات الإبداع متوفرة.. أجمع الكل، نعم الكل، باليوم، على أن أزمة الأغنية المغربية ليست أزمة مخيال وإبداع، فهناك طاقات مغربية خلاقة مبدعة تكتنز إمكانيات فنية كبيرة سواء على مستوى التلحين، الأداء، الكلمات، العزف والتوزيع الموسيقي .. لكن هناك إكراهات جمة تحول دون تدفق هذه الامكانيات نحو مجراها الطبيعي، ألا وهو الجمهور المغربي التواق إلى فنه والذي عبر عن ذلك في أكثر من مناسبة، وتتمثل بعض هذه الإكراهات، كما جاء على لسان العديد من الفنانين وشعراء الكلمة وممثلي النقابة المغربية للمهن الموسيقية، في غياب مثير لممثلي النقابة الحرة للموسقيين المغاربة التي تم استدعاوها بدورها لهذا اليوم مثلما صرح بذلك حسن النفالي، تتمثل في ضعف المتطلبات المادية لإنتاج الأغنية (كاتب كلمات، الملحنون، المطربون، الموزعون، العازفون، أيام التداريب، الإشهار..)، وهي متطلبات لا قبل لها من المبدعين، اندثار الأجواق الإذاعية، جوق الدارالبيضاء، فاس، مكناس، طنجة.. عدم اعتماد الأغنية المغربية كركيزة أساسية في برمجة مجموعة من المهرجانات الوطنية، تهميش الفنان والفن الموسيقي المغربي من الوسائل السمعية - البصرية وفتح المجال أمام ألوان موسيقية أجنبية دخيلة، خلافا لما ينص عليه دفتر تحملاتها أمام الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري الذي يقضي بتخصيص كوطا معينة للأغنية والموسيقي المغربية، تمييع الساحة الغنائية بأنماط جديدة!!، عدم إنشاء قناة تلفزية موسيقية تحافظ على الرابط الموسيقي الروحي بين المتلقي المغربي وموسيقاه، كما هو معمول به في أقطار أخرى .. إذا كانت معظم التدخلات قد أجمعت وتوافقت على تحديد مواطن الداء، فإنه ذهبت تيارات ومذاهب في تحديد الأولويات وتصريف الدعم الذي اعتبره البعض غير كاف لتشفى الأغنية المغربية من سقمها، بالنظر إلى أن الغلاف المحدد لكل مشروع ( ألبوم) - 300 ألف درهم - لا يكفي للإنتاج، وإنما للمساهمة في الانتاج، وبذلك تساءلوا إلى من يتوجه الدعم، ومن المستفيد منه، وأي نمط موسيقي سيحظى به، مقترحين سلم أولويات في علاج الأغنية المغربية حتى تصل إلى درجة الطموح.. مثلما تساءل آخرون هل تبني مقاييس محددة يعني إقصاء أنماط معينة خصوصا التراثية و الشبابية.. كما تساءلوا عن مواصفات أعضاء لجنة الانتقاء والفرز الذين لا ينبغي أن يكونوا خصوما وحكاما في ذات الآن، بل ينبغي أن يتحلوا بالنزاهة والشفافية حتى لا تحيد هذه المبادرة عن الأهداف المرسومة، وهي مبادرة ذات أهداف نبيلة.. هاته الأهداف التي كلفت بتتبع خطواتها لجنة متابعة تم اختيارها بالتوافق بين وزارة الثقافة والمهنيين.