هل نتوفر على نموذج إعلامي مقنع من وجهة نظر المؤسسة الأمنية قادر على تصريف المعلومة الأمنية كلما استدعت الضرورة ذلك؟. وهل وسائل الإعلام المكتوبة على الخصوص تجد نفسها أمام مؤسسة منفتحة بالقدر الذي يجعلها تؤدي مهامها الإعلامية على الوجه الأكمل على مستوى الإخبار بالأساس؟. كانت هذه هي خلاصة «حلم يقظة» راود الأمني والإعلامي خلال اللقاء المفتوح الذي احتضنته، في وقت سابق بسطات، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة الحسن الأول، ونظمه مختبر الدراسات حول العلوم الأمنية. فهل بالإمكان أن يتحقق هذا الحلم؟. الإجابة عن هذا السؤال سبقها بالفعل تشريح للعلاقات الواضحة والمبهمة في ذات الآن، مابين الجسم الإعلامي والجهاز الأمني، هذه العلاقة المتأرجحة بين الانفتاح تارة والحيطة تارة أخرى. والسبب في هذه العلاقة المتذبذبة التي يمكن أن توصف بعلاقات الحب المشوبة بالشك واحتمال الخيانة تلك الصورة التي ظلت ملتصقة بالمؤسسة الأمنية التي جعلت من هذه الأخيرة تجسيدا للزجر وتعقب المجرمين وذوي الأفكار المزعجة من جهة، وتلك الصورة التي التصقت بالمؤسسات الاعلامية التي جعلت من هذه الأخيرة كذلك، صحافة تبحث عن الهفوات فقط تشجب ولا تنوه قط، تنتقد دون بناء وتحور المعطيات لأسباب في نفس يعقوب من جهة ثانية وتضخم من الأحداث. النقاش كان واضحا مهنيا وأكاديميا في ذات الآن، باستثناء مداخلة واحدة كانت «اندفاعية»، كان صاحبها يريد أن يسرق النجومية ويخترق قلوب الحاضرين، ولم يحسب جيدا مدى التأثير الجانبي الذي قد يجنيه من خرجة غير محسوبة، فالاستراتيجيون الأمنيون وللتذكير فقط يعلمون جيدا أن أهم عملية في المسألة الأمنية هي مبدأ تدبير اللامتوقع، وتدبير الأزمة في حال حدوثها، وهو الأمر الذي غاب عن زميلنا الصحافي، الذي أكن له كامل الاحترام، والذي، في ذات الآن، لا أعتقد أنه تخرج من مدرسة صحافة وإعلام ولو «خاصة»، أو دخل يوما «كلية»، ولم يؤمن قط ب«التخصص» ! بدأ النقاش، محتشما، وانطلق في البحث عن إمكانية التعاون، الذي بدا في حالات عديدة مستحيلا، بين الإعلامي والأمني بعيدا عن الاستعمال أو التضخيم وتجاوزه إلى البحث عن إمكانية إزاحة مركب الخوف الواحد إزاء الآخر (الامني والإعلامي). كانت جلسة مساءلة لطريقة اشتغال الجسم الإعلامي ومقاربته الشأن الأمني سواء من حيث الشكل والمضمون، وكانت مناسبة لإثارة الانتباه إلى المؤسسة الأمنية للمزيد من الانفتاح وتجسيدها بالفعل لمفهوم المرفق العمومي والخدمة العمومية. كان الجسم الصحفي قاسيا على ذاته، في الحديث لجمهور الحاضرين عن طريقة اشتغاله، التي تتأرجح بين التنويه والشجب بالعمل الأمني لكن دائما بآليات صحفية قوامها المهنية والمسؤولية والأخلاق، وللأمني رأي آخر في ذلك بالنظر لعدم احترام ال«بعض» لهذه المبادئ .. طالب الجهاز الأمني بأن يتحرك المشرع لبذل مزيد مجهود لتغيير القوانين ذات العلاقة بسرية المعلومة، و تفعيل قانون الأرشيف، وتحدوه رغبة في أن يتحول فعلا الى مرفق عمومي بكل ما تحمل الكلمة من معنى. كما طلب الأمني من الاعلامي أن لايقف عند حدود التنويه والشجب، بل يتعداه من المراقبة والتقييم إلى التقويم بالمساهمة في وضع استراتيجية أمنية على غرارما يقع في الدول الأوربية، وطلب منه الاعلامي أن يبين عن مزيد رغبة في التعاون ومزيد انفتاح على الآخر.. كان اللقاء بداية حوار، وبداية تفعيل تقليد، قد يكون في البدء «قويا» وصادما»، فلقاء «الإعلام والأمن» كان مبادرة ل«مختبر في العلوم الأمنية» في بداياته، و مساهمة كل الفاعلين الأمنيين والاعلاميين، كانت فقط لانطلاق النقاش حول هذه العلاقة، التي تشبه وضعية «زوجين منفصلين تحت سقف واحد» التي تحتاح لكثير وقت وجهد كي يتم التعاون بين الجسم الاعلامي، الذي ينبغي فيه أن يحافظ الصحفي على حدوده بينه وبين الجهاز الأمني الذي له خصوصيته. فالصحافي صحافي، والبوليسي بوليسي.