اية مناقشة لهذه الحيثيات لافائدة منها. لأن السؤال الذي تتهرب منه له قوة في الواقع أكثر من تلك الاماني، وهو: ماذا لو ان الادارة الامريكيةالجديدة لم ترغب، لاسباب كثيرة،في الضغط على اسرائيل، وماذا لو ان هذه الاخيرة، بهذه الحكومة او بغيرها. كما في كل السنوات الفارطة استمرت في رفضها للحل العادل، واستمرت في فرض الامر الواقع؟! وهنا وجب التذكير لفرط النسيان: أن اقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية والقطاع مع ضمان حق العودة والقدس عاصمة، كان في الاصل، وينبغي ان يظل كذلك، برنامجا للحد الادنى الذي لا يلغي حده الاقصى، كما كان في الادبيات الفلسطينية، اي اقامة الدولة الديمقراطية، على كامل فلسطين التاريخية للشعبين الاسرائيلي والفلسطيني. هكذا كان التصور الفلسطيني وبجميع فصائله. وهو الذي لايزال الحل التاريخي الجذري للصراع. اما ضمانة هذا الانتقال وجسره المادي، بين الحد الادنى والاقصى، فهو التمسك بحق العودة، والذي بدونه لا حل نهائي في الافق سوى استمرار الصراع او الارتداد الى حرب اهلية فلسطينية- فلسطينية وعربية عربية لعل هذا التذكير في محله، في الوقت الذي يهلل فيه العرب لتصريحات اوروبية او امريكية تقول بحل الدولتين ويضيفون تلك الكلمة الخادعة «دولة فلسطينية قابلة للحياة» وهي اضافة لا لزوم لها الا اذا كان المقصود منها ان الاتي لن يكون بالضرورة كل اراضي 67 بما فيها القدس، و لا هي دولة كاملة السيادة، وانما قابلة لاستمرار الحياة البشرية البيولوجية. وكذلك في الوقت الذي يهلل فيه العرب لتصريحات من قبيل المبادرة العربية تحتوي علي عناصر ايجابية دون المصادقة عليها كاملة، لأن العناصر السلبية يأتي في مقدمتها حق العودة. هذه هي حقيقة الموقف الدولي الاوروبي والامريكي الذي يراهن عليه النظام العربي الرسمي وفي اقصى ما يمكن ان يعطيه. لقد دخلت القضية الفلسطينية - عبر استراتيجية السلام التي تسمر في انتظاراتها الموقف العربي الرسمي، وبدون و سائل مادية للضغط سوى الاستجداء الديبلوماسي، متاهات لا مخرج منها. بددت لدى الرأي العام العالمي والمنتظم الدولي الطبيعة الاحتلالية الاستعمارية الاستيطانية العنصرية لاسرائيل.. فما عادت الارض محتلة بل متنازع عليها بين طرفين لهما نفس الحقوق عليها..و وما عادت المقاومة مشروعة، بل صارت تعديا على الامن الاسرائيلي.. وما عاد الشعب الفلسطيني هو الضحية، بل اسرائيل ضحية بالمثل والمماثلة. ولأن الوضع العربي الرسمي على هذا الحال، فليس اذن من افق مرئي سوى التراجع العملي المستمر امام السياسة الاسرآئيلية الماضية في فرض الامر الواقع على الارض. وسوى التلهي ثم التلهي بسياسة الاستجداء الديبلوماسية في انتظار الذي «يأتي ولا يأتي!!» والمفارقة هنا أن الماسكين بزمام الامور في النظام العربي الرسمي يحاولون تغطية «بياضهم الاستراتيجي» بافتعال تضخيم الخلاف مع ايران، وجعلها في مصاف العدو الاول او الموازي لاسرائيل ضد العرب. وهم يعتقدون انهم بهذا النهج يقومون بلعبة مقايضة مفيدة تزيد من دورهم في اولويات الاستراتيجية الامريكية، وغالبا لمصالح قطرية محدودة وضيقة، فكلما كان عداؤهم اشد الى ايران، كلما كان دورهم الاجتماعي في الاستراتيجية الامريكية افضل. ووراء هذا الموقف خشية بعضهم في ان تمضي الولاياتالمتحدة في تقديم تنازلات للدور الايراني في المنطقة، بعدما ظهرت تباشير ذلك في السياسة الامريكيةالجديدة، سواء بمدها يد الحوار، او التعاون في افغانستان على سبيل المثال، او في تلميحها باستعدادها للاعتراف بحق ايران في تخصيب اليورانيوم للصناعات السلمية، وهي العقبة الكأداء في المفاوضات السابقة. وايران من جهتها اوضحت لأول مرة على أنها ستساند اي اتفاق بين الفصائل الفلسطينية يقبل بحل الدولتين. ولا يهم هؤلاء القادة العرب، ان اسرائيل تركب على موقفهم الانفعالي والمستعدي لايران، لتشترط ان لا حل للقضية الفلسطينية ولا للاراضي العربية المحتلة الاخرى الا بعد انهاء الخطر الايراني... وهكذا ينقلب السحر على الساحر، فيغدو الاستعداد العربي لايران في خدمة الاولويات الاسرائيلية. العطب العقلي في السياسة العربية الرسمية، ان روادها لا يفكرون الا امريكيا. فهم عاجزون عن التفكير المستقل، كما تفعل ايران وتركيا وكل الدول الراشدة. و لذلك كان نظر النظام العربي الرسمي أحول على الدوام. في الماضي «حاربنا» الاتحاد السوفياتي لحساب امريكا. وبعده «دخلنا» في حرب ضروس مع ايران الثورة ذعرا منها ولحساب امريكا. ثم وبعقلية تأرية كيدية شاركنا في تدمير العراق واحتلاله، ولحساب امريكا ايضا. وها نحن نحاصر المقاومة اللبنانية والفلسطينية ونعيد الكرة من جديد مع ايران، و لحساب امريكا، ايضا وايضا... ولا حول ولا قوة الا بالله!