يتم الرئيس الامريكي «باراك أوباما» يومه الأربعاء 29 أبريل، مائة يوم على رأس الادارة الأمريكية. وقد جرت العادة لدى الصحفيين والمراقبين أن يقدموا حصيلة الأيام المائة الأولى لكل حكومة أو رئيس جديد باعتبارها فترة زمنية ،رغم قصرها ، تتيح التعرف على الأولويات التي ينتقيها الرئيس أو الحكومة الجديدين لسياستهما العامة. وإذا كان من شيء ميز «باراك أوباما» ومائته الأولى في البيت الأبيض، فهي مهارته في التواصل بمختلف وسائل الاتصال (ندوات صحفية مباشرة أو عبر الانترنيت أو بواسطة الخطابات أو الرسائل ومع كافة مكونات العالم ولعل خير دليل على هذا هو الندوة الصحفية التي يعتزم القيام بها مساء اليوم نفسه للوقوف عند محطة مائة يوم الأولى. وقد أكدت استطلاعات الرأي مهاراته التواصلية هاته ،حيث أكد استطلاع للرأي قامت به «فوكس نيوز» يوم الجمعة الماضي أن 62% من المواطنين الأمريكيين مرتاحون لسياسات أوباما، وهو ما يعني أنه لم يفقد سوى 3 نقط من شعبيته التي قادته إلى البيت الأبيض في يناير المنصرم وهو نفس الأمر ا لذي أكده استطلاع مماثل للرأي قام به معهد «غالوب» للاستطلاعات حيث حاز طبقا لهذا الاستطلاع تأييد 63% من المواطنين الأمريكيين، وهي أعلى نسبة شعبية يحظى بها رئيس أمريكي بعد مائة يوم على رأس الإدارة منذ السبعينات. وعلى غرار الكثير من وسائل الإعلام نخصص الملف السياسي لهذا الأسبوع لإنجازات الرئيس الامريكي «باراك أوباما» خلال أيامه المائة الأولى على رأس الإدارة الأمريكية بالتركيز على سياساته الخارجية ،سواء تجاه بلدنا المغرب أو تجاه الشرق الأوسط موطن منابع النفط ومصدر الطاقة العالمي ومركز أكثر القضايا العالمية التهابا، أو حيال أمريكا اللاتينية أو الحديقة الخلفية للولايات المتحدة المليئة بالجيران المشاكسين. لعل الإنجاز الأول الذي حققه «باراك أوباما» لدى الرأي العام الأمريكي والعالمي هو إزاحة «جورج بوش» وإدارته التي يقودها فكر المحافظين الجدد، والتي خلفت كوارث كبرى في سياساتها بمختلف بقاع العالم وخاصة منها منطقة الشرق الأوسط. لذلك فإن أنظار المراقبين تركزت على الخطوات و السياسات التي ينهجها «أوباما» وإدارته في هذه المنطقة من العالم بالذات، لكونها عانت الأمرين من سياسات بوش التي تمتح مبادئها الأساسية من الفكر المسيحي المتصهين أو فكر المحافظين الجدد الذي تجسد في السياسة الخارجية في «الحرب على الإرهاب» انطلاقا من 11 شتنبر 2001. ود شنت الإدارة السابقة حربها العالمية على «الإرهاب» بغزوها المسلح لكل من أفغانستان والعراق في 2001 مع محاولة مواجهة امتدادات تنظيم «القاعدة» في كل من باكستان والقرن الإفريقي. ومع غزو العراق وبروز البرنامج النووي الإيراني إلي السطح قادت إدارة بوش سياسة اصطدام مباشر مع النظام الإيراني في محاولة لاحتوائه، مما دفع هذا الأخير إلى توسيع وتنشيط امتداداته في كل من العراق (مقتدي الصدر وعموم شيعة العراق) ولبنان (حزب الله) وباقي الدول العربية القريبة (الهلال الشيعي) وصولا إلى قطاع غزة (حركة حماس) . سياسة الاصطدام المباشر هاته اثبتت فشلها وضرورة مراجعتها، وهو ما تقوم به الإدارة الأمريكية الحالية. مقاربة جديدة للإرهاب: إذا كانت إدارة بوش التي يحكمها الفكر المسيحي المتصهين، اغتنمت فرصة أحداث 11 شتنبر 2001 لكي تدشن سياسة «الحرب علي الإرهاب» وتحتل بقوة السلاح بلدين كبيرين هما أفغانستان والعراق، فإن إدارة «باراك أوباما» قد اغتنمت النفور الدولي العام من سياسة بوش المتعجرفة، كي تقدم مقاربة جديدة لمحاربة الإرهاب دون ربطه بالإسلام ، كما كانت تفعل الإدارة السابقة. وقد عبر «باراك أوباما» بوضوح عن هذه المقاربة في الخطاب التاريخي الذي ألقاه أمام البرلمان التركي، ومن خلاله إلى العالم الإسلامي أجمع، وذلك يوم6 أبريل الجاري. ومما جاء في خطابه هذا «وأود أيضا أن أكون واضحا من حيث أن علاقة أمريكا بالمجتمعات الإسلامية، بالعالم الإسلامي، لا يمكن أن تكون ولن تكون قائمة علي مجرد مقاومة الإرهاب. فنحن نسعي إلي المشاركة الواسعة علي أساس من المصالح المتبادلة والاحترام المتبادل، وسنستمع باهتمام وعناية وسنمد جسور التفاهم وسنسعي في سبيل إيجاد أرضية مشتركة. سنبدي الاحترام حتى عندما لا يكون اتفاق بيننا، وسنظهر تقديرنا العميق للدين الإسلامي الذي قدم الكثير الكثير على مدى القرون لتشكيل هذا العالم بما فيه بلدي بالذات، فقد أثرى الأمريكيون المسلمون الولاياتالمتحدة، وهناك كثير من الأسر الأمريكية بينها أفراد مسلمون أو عاشوا في بلدان إسلامية، وأنا أعلم هذا لأنني واحد منهم...». ولعل الأهم في هذا الخطاب السياسي هو تمييز باراك بشكل واضح بين الإسلام كدين و الإرهاب كشذوذ سياسي تعتنقه بعض الجماعات المتطرفة في العالم الإسلامي وغيره، وهو الشذوذ الذي ينبغي محاربته بوسائل مختلفة، ليس من ضمنها احتلال أرض دولة ذات سيادة. العراق وأفغانستان وجهان لأزمة واحدة: لم يضيع أوباما وإدارته الجديدة الوقت في التصدي لمشكل العراق، حيث أعلن خلال الأسابيع الأولى على رأس الإدارة الأمريكية نيته في الانسحاب من العراق قبل نهاية العام القادم، شريطة أن يتم هذا الانسحاب بشكل هادئ يمكن المؤسسات العراقية من النهوض علي أسس سليمة وقوية ويضمن عدم عودة أو تسرب تنظيم القاعدة من جديد. أما في أفغانستان فإن استراتيجية «باراك أوباما» الجديدة تتمثل في إدماج المشكل الأفغاني ضمن مقاربة اقليمية تضم كلا من أفغانستانوباكستان والهند، وهي كلها حكومات «دمقراطية» تعاني من مشاكل وهجمات المتطرفين في حدودها، وهذه التنظيمات المتطرفة تستفيد من نقص المراقبة علي هذه الحدود ذات التضاريس الصعبة، مما يجعل الحكومات المختلفة لهذه البلدان الثلاثة تلتقي - رغم خلافاتها المتبادلة - حول هدف واحد هو محاربة إرهاب هذه التنظيمات المتطرفة. وتعتمد مقاربة أوباما الجديدة على إشراك هذه الدول الثلاث في التنسيق لمواجهة ومحاربة الإرهاب الذي يضرب المنطقة. إيران والدور الإقليمي: تجسيداً لدوره كرجل تواصل، وجه الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» في 20 مارس المنصرم رسالة تهنئة بعيد «نوروز» الفارسي إلى الشعب الإيراني ، وهذا ما اعتاد الرؤساء السابقون القيام به، وكذا إلى الرئيس والحكومة الإيرانيين، وهو ما قام به رئيس أمريكي لأول مرة منذ قيام الجمهورية الاسلامية في إيران قبل ثلاثين عاماً. شكلت الرسالة حدثاً، اعتبره بعض المراقبين داخلا في إطار العلاقات العامة، بينما رأى فيه آخرون تجسيداً لسياسة أمريكية جديدة حُيال إيران. وتدخل هذه السياسة الجديدة في نطاق إعادة النظر REVIEW التي تقوم بها الادارة الجديدة في سياساتها مع إيران، والتي تستند إلى العصا والجزرة. فالرسائل الرمزية التي بعثها أوباما الى القادة الإيرانيين تدعوهم كلها إلى التخلي عن البرنامج النووي مقابل الاستجابة لبعض مطالبهم، بينما لازالت العصا مرفوعة من أجل زجرهم عن المضي في سياسة التعنت. ولأن إيران تبحث ضمن ما تبحث عنه عن دور إقليمي بالمنطقة، فإن إدارة أوباما مستعدة لمنح إيران مثل هذا الدور، لكي تجعل انسحاب القوات الأمريكية من العراق، يتم بشكل هادىء وناعم ولكي تحول دون قيام اسرائيل بضربة عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني، لكن المقابل الرئيسي الذي تقدمه طهران هو تنازلها عن البرنامج النووي أو وضعه تحت المراقبة الدولية. دولتان جنباً إلى جنبٍ: في خطابه أمام البرلمان التركي، وهو الخطاب الموجه إلى العالم الاسلامي، قال أوباما فيما يخص القضية الرئيسية بالشرق الأوسط، إن «هدفنا هو إحلال السلام الدائم بين اسرائيل وجيرانها. ولأكن واضحاً فقولي في هذا الصدد: إن الولاياتالمتحدة تؤيد بشدة الهدف القائل بوجود الدولتين: اسرائيل وفلسطين اللتين تعيشان جنبا إلى جنب في سلام وأمن، وهو هدف يشترك فيه الفلسطينيون والاسرائيليون وكل الناس من ذوي النوايا الطيبة في العالم. إنه هدف اتفق عليه الطرفان المعنيان بموجب خريطة الطريق في أنابوليس، وهو هدف سأتابعه بفاعلية ونشاط بصفتي رئيسا...». لكن هل يستطيع أوباما إقناع حكومة «بنيامين نتانياهو» اليمينية بفكرة الدولتين، هل يستطيع ردع السياسات التي تقوم بها هذه الحكومة على الأرض من أجل زرع أي مشروع سلام بالألغام؟ تقديم أي تخمينات أو استنتاجات في الوقت الراهن، لن يخرج عن دائرة الرجم بالغيب، لكن المؤكد أن «باراك أوباما» قد أظهر خلال أيامه المائة الأولى بالبيت الأبيض عن الخطوط العريضة لسياسات من الواضح أنها لا تنم بصلة لسياسات سلفه سيء الذكر. ومع ذلك، يبقى الأهم ماذا بعد الخطوط العريضة.