الشبيبة المغربية عموما وشباب المدن والقرى منهم يوجدون في وضعية تجاذب بين الانحراف بجميع مظاهره والتطرف بجميع تجلياته والالتزام والتوازن بجميع ضوابطه ودراسة المخاطر التي تحدق بشبابنا، أي الغالبية من الشعب دراسة تستحق كل اهتمام وتتطلب حلولا استعجالية ترتكز على خصوصيتنا الثقافية والدينية والوطنية حتى نضمن مجتمعا جديدا يبين على طاقات خلاقة وفاعلة وليس أجسادا منهكة ومحطمة وضائعة... ولنقرأ جميعا مظاهر أصبحت تشكل ظاهرة تتحقق فيها لغرابتها قواعد القانون العمومية والتجريد. المظهر الاول: انتشار الحانات والخمارات ومتاجر بيع الخمور العلنية وغير العلنية بشكل مثير للانتباه، يجعل التسوق والتبضع طوال أيام الاسبوع، وخاصة يوم السبت أو أيام رأس السنة الميلادية، عملية فيها تنافس وزحام ومزاحمة وعلنية ما بعدها علنية، لدرجة أن الامن يقوم بعمليات تنظيم الصفوف او يحرس مداخل هذا الموقع او يتجول حولها تحسبا لأي انفلات... والزائرون للأسواق الكبرى يرون صفوف رواد جناح الخمور اكثر من أجنحة المواد الغذائية والتجهيزات المنزلية...؟! المظهر الثاني: بجملة من المواقع والاحياء والمداشر،هناك محلات معروفة لدى الزبناء ولدى الجميع تقوم بتسويق الخمور الرسمية والمصنعة محليا «ماحيا» وتوزع بشكل كبير على الكبار والصغار. المظهر الثالث: بالعديد من المواقع يلاحظ الجميع الشباب وأحيانا الاطفال إما يتناولون الخمور او «الماحيا» او مخدرات أخرى بشكل علني وسافر. المظهر الرابع: يلاحظ المواطنون والمواطنات والجميع، مرور شبان في حالات سكر طافح يثيرون احيانا الشغب وأحيانا أخرى في وضعية تثير الشفقة ويزعجون المارة والسكان... المظهر الخامس: العديد من مواقع الكولفازور أصبحت مثار شكايات الساكنة والآباء، لأنها تحتوي حالات انفلات أخلاقي وسلوكي سيستقطب شبانا آخرين.. المظهر السادس: ظهور بعد التجمعات الشبابية الغربية (موسيقى / رقص / حركات / لباس / غريب / أنشطة خاصة ومغلقة / حلق او تصفيفات شعر غريبين..). المظهر السابع: نوادي الانترنت وما يخلقه البعض منها من اهتمامات وعلاقات قد تؤثر بشكل سلبي على خصوصية مجتمعنا.. ويمكن أن ندرج مظاهر أخرى، ولو أنها متباينة عن التمظهرات السابقة الا أنها تهم الشبيبة كذلك: المظهر الثامن: حركات فكرية شبابية يسارية متطرفة ترفض التعامل مع المؤسسات والمصالح الرسمية وحتى الهيئات السياسية والنقابية وتخلق لنفسها طروحات تعتبرها بديلة عن الواقع. المظهر التاسع: حركات فكرية شبابية يمينية نفعية تبحث عن مصالح شخصية وتعتمد الارتزاق باصطياد الفرص والامتيازات والريع.. المظهر العاشر: شباب متدين بشكل قوي، يدين واقعه ويحتج عليه بأساليب خاصة من مقاطعة، انغلاق، خلق شبكة تبادل المصالح بينهم لضمان لقمة العيش وبعض المجموعات منهم تبدع او تكفر الآخر لاعتبارات قد تكون موضوعية او ذاتية وقد تكون متسرعة. المظهر الحادي عشر: شباب سلبي بكل المقاييس، فلا هو منحرف ولا هو متعصب ولا هو مرتزق... بل يتفرج على ما يحصل من تحولات ولايعرب عن رأي ولايتخذ موقفا.. ولا يبحث عن شغل.. يستسلم للواقع استسلاما تاما ويعيش يوما بيوم في صمت وخضوع... وهنا لابد ان نستحضر فئات هامة من الشباب البناء والعامل والمجتهد والمبدع الذين لايجدون من يدعمهم ويفتح أمامهم آفاق العمل وآفاق الانتاج... بل يتعرضون للتهميش او عدم الاهتمام وأحيانا تعرقل مشاريعهم وتهدم طموحاتهم.. وهذا الصنف مازال يتحمل الضربات السياسية الرسمية والواقع بصبر وجلد، لكن الى أي مدى يستطيع التحمل؟! ان التمظهرات التي ذكرت آنفا هي عبارة عن أنسجة اجتماعية ظاهرة تشكل مجتمعة أكبر نسبة في الهرم السكاني، الذي سيصبح في غضون عشر سنوات (اذا أضيف إليهم الاطفال الذين يبلغون اليوم 8 سنوات) هم عصب الحياة والاقتصاد والتنمية، فإن كان لهم موقع منذ اليوم في آلية تدوير التنمية فسيشكلون قاطرة قوية للنهضة والتقدم، وان تركوا كما هم اليوم فستكون النتيجة كارثية. ذلك لأن الفئة التي تحرك المجتمع وتضمن له عيشا كريما،أي ما بين 20 و45 سنة سيصبحون عالة على أنفسهم وسيكونون غير منتجين، وهذه من مظاهر الازمة الخانقة والافلاس الذي سيحتاج الى ثورة وتغيير عميقين على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والتنموي يستطيع استيعاب وتوظيف وتفعيل عطاءات الشباب المغربي بجميع أصنافه. ان التمظهرات التي أشرنا إليها سابقا لايجب بقاء الجميع متفرجا عليها ومتتبعا لتحركاتها فقط، بل يجب على الدولة والفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين ان تتظافر جهودهم لانقاذ شبابنا من كل مظاهر الانحراف والتسيب والضياع... وهذا يتطلب: 1- وضع استراتيجية ميدانية تهم حركة إدماجهم في شعب الحياة الكريمة. 2- وضع استراتيجية تربوية دقيقة ومستمرة تضمن تأهيلهم فكريا ومعرفيا تجعلهم قادرين على التعايش مع الحياة اليومية ومع المجتمع. 3 - وضع استراتيجية إسلامية وطنية معتدلة لتقعيد الفكر الديني وربط الفعل البشري برقابة الله عز وجل والجزاء والعقاب الدنيوي والأخروي، فنقصان الوازع الروحي يسرع وينشط الانحراف والانفلات ويعيق الرجوع الى الوعي وإلى الجادة. 4 - وضع استراتيجية أمنية تأهيلية تتبنى فلسفة ومقاربة تعتمد: أ - تخليق المؤسسة الامنية ب - فتح شعب تربوية تختص في البحث والمعالجة الاجتماعيتين و رصد كل مظاهر الانحراف في بداياتها والتعامل معها اولا بأول قبل أن تستفحل ج - وضع سلطة مراقبة قوية على المؤسسات الأمنية د - وضع جدلية فاعلة وتربوية بين المؤسسة الامنية والنيابة العامة ه - إعادة النظر بشكل كلي بالمؤسسات السجنية التي اصبحت في الكثير من الحالات مؤسسات لتأهيل المعتقلين في موضوع اعتقالهم. و- خلق مؤسسات سجنية مدنية ومالية يوضع فصل مطلق بينها وبين المؤسسات العقابية عن الجريمة والانحراف المنظم. 5 - وضع استراتيجية للمراقبة والتأهل الاجتماعي التربوي بالمؤسسات التعليمية بجميع مستوياتها ابتدائي اعدادي ثانوي بتكوين وتعيين مرشدين ومعالجين اجتماعيين ونفسيين يقومون بتتبع حركة و نشاط التلاميذ والتلميذات في جانبه السلوكي بهدف رصد كل مظاهر الانحراف والميوعة لضمان تصد ومعالجة مبكرين تشرك فيها كل الاطراف المتدخلة: المؤسسة / الآباء / السلطات. 6 - اعادة النظر في دور المؤسسات الاجتماعية (التعاون الوطني.. الخ) لترقى الى دور المتابعة والارشاد الاجتماعيين و تأطير وعقلنة الدعم للاسر الفقيرة والمعوزة وهذا لن يتم الا بتنظيم مؤسسة الزكاة وتوحيد صناديق الدعم والإحسان لتصبح ضامنة لمدخول انتقالي في انتظار إيجاد شغل او مدخول دائم لكبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك بهدف وضع حد لكل مظاهر التسول والبحث عن مدخول غير شرعي لتغطية النفقات الضرورية والتي اصبح المضاربون و المنحرفون الكبار يستغلون فقر الاطفال والشباب لترويج منتوجهم وسلعهم. 7- وضع استراتيجية وطنية اقتصادية تضامنية قوية تنبني على العدالة الاقتصادية بتكافؤ الفرص وتنوعها وتعددها وتوزعها على التراب الوطني بعيدة عن الامتيازات واقتصاد الربع والزبونية والمحسوبية والارتزاق. استراتيجية اقتصادية لا تحد من الطموح المشروع للاثراء المتخلق ولكن لا تقمع الطموح السليم لايجاد فرص شغل وعمل وفرص المساهمة في البناء الاقتصادي. استراتيجية اقتصادية تساهم فيها كل المؤسسات المالية والاقتصادية في تحسين المجتمع ضد الفقر والحاجة والتشرد والانحراف. استراتيجية اقتصادية تحمي مجتمع اليوم وتخطط لغد افضل. استراتيجية ضد انتاج البورجوازية الجشعة والمخربة للاقتصاد... الخ. إن الذي يعتقد أن الشباب وصلة عمرية فقط تتسم بالمراهقة والذاتية، وأن من يعتقد أن الشباب لايجب الاهتمام بآرائهم لأنهم لا خبرة عندهم مخطؤون و جاهلون، وقد يكونون متآمرين هدفهم زرع اليأس والخنوع والاتكالية في نفوسهم. ان المتأمل لشباب الامس من العشرينات حتى السبعينات تجاوزا سيلاحظ ان ثوار الريف هم شباب بين 17 و 30 سنة، وأن رجال المقاومة و جيش التحرير هم شباب بين 15 و 30 سنة، ونذكر هنا المجاهد سيدي محمد منصور الذي حكم عليه بالإعدام و مازال قبره محفورا الى يومنا وهذا مازال صاحبه حيا بيننا لم ينفذ فيه الحكم، لأنه لم يبلغ سن 18 سنة بعد اثناء صدور الحكم ضده واستقال المغرب بعد ذلك مباشرة.... كما ان المهدي بنبركة وعبد الرحيم بوعبيد وغيرهم من الموقعين على عريضة الاستقلال سنة 1944 كانوا شبابا... وأن عمر بنجلون والعديد من المناضلين اثناء محاكمات الستينات كانوا شبابا يافعين... وان الالاف من مجاهدي جيش التحرير المغربي بالجنوب وحركة المقاومة شباب كذلك.. بل حتى اذا تعمقنا في التاريخ فسنجد كبار الصحابة وكبار العلماء الذين ذاع صيتهم وقادوا الحركات الاسلامية والحركات العلمية كانوا شبابا، فكيف ينساق البعض وراء المقولات المغلوطة التي تريد اقصاء الشباب وتهميشهم. ان الاهتمام بالشبيبة المغربية سيجعلنا امام جيل جديد من المبدعين والقادة والاطر التي لاشك ستكون سببا في ازدهار الوطن ونجاحه. فهل من سياسة رسمية وشعبية ومدنية لرد الاعتبار للشبيبة المغربية؟ أم أن هناك من يخطط لتخريب مستقبل المغرب؟