عبد الكبير أخشيشن: هناك انطباع بأن المشروع الذي باشرتم لإصلاح القضاء يهم الجانب التقني فقط. ألا تحتاج مقاربتكم لجرعة أقوي من الإصلاحات؟ الراضي: المشكل القائم أن المواطن يريد التفريق بين ماهو تقني وماهو سياسي وماهو قانوني. فالقضاء مثل أية قضية لا يجب تفرقتها من الناحية المنهجية، فهي في الحقيقة كلٌ متماسك. عندما نتحدث عن إصلاح القضاء، يُطرح السؤال: ما هي المؤسسات القضائية التي يجب أن يشملها الاصلاح؟ ومماذا يتكون القضاء؟ هناك المحكمة، وفي هذا الإطار لدينا أصناف من المحاكم: محاكم الجماعات، محكمة القاضي المقيم، المحكمة الابتدائية، محكمة الاستئناف، ومحكمة النقض والإبرام. نتوفر على خمسة أنواع من المحاكم، التي أسميها وحدات الانتاج القضائي، الوحدات التي تقدم الخدمات للمواطنين ثم لدينا وزارة العدل، التي عليها خلق الظروف وشروط العمل للمحاكم لتأدية مهامها على الوجه الأكمل. والشروط التي توفرها الوزارة، شروط مادية ومعنوية وقانونية، ثم نتوفر على مؤسسة قضائية ثالثة هي المجلس الأعلى للقضاء وهذه هي المؤسسات الثلاث التي سيشملها الإصلاح. فيما يخص إصلاح المحاكم، يجب أن تتوفر المحاكم على بنايات لائقة، كما أنه من الضروري أن نتوفر على خريطة قضائية واضحة ومعروفة وعلى العدد الكافي من البنايات، وكذا أن تكون ظروف استقبال المواطنين جيدة وذلك من خلال العمل على توفير العدد الكافي من البنايات، كما يجب أن تتوفر المحاكم على ما يكفيها من القضاة يتوفرون على ما يكفي من التكوين والأخلاق، يجب التوفر أيضا على كتاب الضبط، وأنتم تعرفون الدور المهم لهؤلاء الموظفين، الذين يجب أن يتوفروا على ما يكفي من التكوين والأخلاق، ويكونون بالعدد الكافي، هذا بالإضافة إلى توفير التجهيزات، وهنا أود الإشارة إلى أن القضاء في العالم عرف تطورا كبيرا باستعمال المعلوميات، التي تعتبر أساسية، فلا يمكننا الحديث عن إصلاح القضاء دون الحديث عن إصلاح المحكمة، فبالرغم من التغييرات التي يمكنك أن تقوم بها في عدد من المصالح المركزية أو المجلس الأعلى للقضاء، فإن المواطن لا ينتبه إلا للسير العام بالمحكمة، سواء تعلق الأمر بسير القضاء، وتيرته: هل بطيئة أم سريعة؟ هل ليس ثمة مشكل في التبليغ و التنفيذ؟ كما يتساءل أيضا عن جاهزية نسخ الاحكام مثلا، وهذا ما يعاتبه البعض عنها واصفين إياه بإصلاحات تقنية. فهذا ما يهم المواطن المغربي الذي كلما توجه إلى المحكمة يجب أن يجد حسن الاستقبال والفعالية في التعامل مع قضيته ويكون الحكم عادلا، إذ لا يلجأ إلى المحكمة إلا المظلومون ويجب أن يرفع عليهم الظلم. عندما التحقت بالوزارة وجدت، كما وجدها سلفي المرحوم محمد بوزوبع، هذا القطاع مهملا، إذ لم تكن حصته من مجموع ميزانية الدولة تتجاوز 1.50 بالمائة لمدة أكثر من خمسين سنة. أي منذ أن حصل المغرب على الاستقلال، مع العلم أن تلك الميزانية تشمل أيضا تغطية إدارة السجون. أما فيما يتعلق بالمناصب المالية فكانت تتأرجح مابين صفر ومائة منصب. ولما التحقت بوزارة العدل سنة 2008 لاحظت أن ميزانية الدولة المرصودة برسم سنة 2007، لم تمنح وزارة العدل بما فيها إدارة السجون سوى 120 منصبا ماليا. إن إصلاح المحكمة هو جزء كبير من الاصلاح، لقد بدأنا فيه وهذا لا يحتاج لمشاورات، بل يحتاج لوسائل كافحنا للحصول عليها، ومن ضمنها الزيادة في ميزانية التسيير بـ38 في المائة ، وحصلنا علي الزيادة في ميزانية التجهيز بـ18 في المائة، هذا كله لأجل البناء والتجهيز واقتناء الحواسيب، وهذا أساسي. كما وقعت ثورة في وزارة العدل لأننا هذه السنة أخذنا 1000 منصب مالي، أي من 100 إلى 1000 ،حيث تضاعفت الميزانية 10 مرات. هذا المجهود الذي تم هذه السنة لن يتوقف .لدينا اتفاق بأنه سيستمر إلى سنة 2012 ومن المرتقب ان تكون هذه الحكومة متواجدة ، سيكون في السنة المقبلة أيضا 1000 منصب جديد، وستظل الزيادة مستمرة وستكون في 2011 وايضا 2012، اذن لدينا مخطط لأربع سنوات. ولدينا مخطط أيضا لأزيد من 4 سنوات، ولدينا مخطط للمدى البعيد. ما هو هدفنا؟ لدينا اليوم سؤال: لماذا القاضي لا يحكم جيدا..؟ لدينا اليوم قضاة مخلصين وأكفاء ونزهاء ولولاهم لما سارت الامور رغم هذا النقص الواقع، فلو كان الكل فاسدا لسقطت الدنيا. هناك فساد طبعا، ليس هناك من ينكر وجود الفساد في أي مهنة أو مكان، لكن «حوتة وحدة كاتخنز الشواري» لم نظلم الآخرين ؟ ومن سيصلح القضاء إذا لم يتم إصلاح القضاة. الآن يجب على القاضي أن يحكم 1000 قضية في السنة، المعدل الدولي 500، سنعمل أن نصل إلى 700 في حدود سنة 2012، وفي حدود 2017 ستصبح 500. إن الذي يحيل بيننا وبين بلوغ الهدف المنشود هو قلة مؤسسات التكوين في مجال القضاء، ونحن نتوفر فقط على معهد واحد، الذي سنعمل جاهدين على التعامل مع إمكانياته بمرونة تمكننا من تكوين 400 قاضي جديد لهذا الموسم. فهؤلاء القضاة يحتاجون بالطبع إلى التكوين ،كما أننا سنلحق بوزارة العدل حوالي 900 موظف جديد، وهذه في اعتقادي هي الموارد البشرية التي بإمكانها أن تحسن من سير العمل القضائي. إذن سيشمل تكوينهم أولا طريقة العمل كما سيتلقون تدريبا على استعمال المعلوميات كي يتمكنوا من المساهمة في إصلاح القضاء. وبالموازاة مع الجانب المادي، أي عدد القضاة، الموظفين، التجهيز وكذلك تجديد البنيات، هناك استقلال القضاء. وفي هذا الصدد هناك اطروحتان في هذا الاتجاه، هناك استقلال القاضي. وهناك استقلال النظام القضائي وهذا يلتقي مع الشق السياسي،فيما يخص المحكمة، فاستقلال القضاء يعني استقلال القاضي، فكيف يمكننا تحقيق استقلال القاضي الذي يفترض فيه ان يكون قد حظي بتربية ملائمة تؤهله، وحظى بتكوين جيد بالاضافة الى توفره على مناعة. ويجب أن نوفر له الاستقلالية في اداء مهامه. وهذه الإستقلالية تتطلب تتوفره على الجرأة تبعده عن ذاتيته التي تلعب دورا اساسيا في العمل القضائي، فثمة العديد من الاحكام تصدر تكون ذاتية وليست لاسباب موضوعية، وهنا أشير إلى أن مجتمعنا مجتمع تدخلات ومحاباة. كما انه يجب ان يستقل على ضغط الرأي العام والصحافة حتى لا ينجرف في تيارها ،ولنا في قضية القصر الكبير، أحسن مثال. وكذا ترفع القاضي عن الماديات والرشوة، ويجب ان يكون محصنا بما فيه الكفاية حتى لا ينساق وراء هذه الآفة، ويتمتع بمناعة ضد الرشوة. وكذلك يجب على القاضي ان يكون محصنا من تدخل الادارة في شؤون عمله. فهذا هو القاضي الحقيقي. واليوم يتوفر القاضي على كل الضمانات التي تتيح له مزاولة مهمته على انبل وجه، لكنه لا يستعملها. فالقاضي عند تخرجه من معهد القضاء، الذي يعينه في منصبه ليس وزير العدل، بل المجلس الاعلى للقضاء، والقاضي إذا ما اراد التنقل من مدينة الى مدينة او الترقية فالمجلس الاعلى للقضاء هو من يقوم بذلك وليس وزير العدل، وكذلك الامر بالنسبة لتأديب القاضي. اذن اية سلطة لوزير العمل على القاضي؟. الا كان سيدي ومولاي لا يمكن للوزير ان يفعل له شيء ، وحتى لو قرر الوزير تنقيل احدهم فإن ذلك القرار لا يسري إلا مدة ثلاثة اشهر قبل أن يؤكده المجلس الاعلى او يلغيه. فإن لم يكن القاضي طماعا اي يريد اخذ شيء اكثر مما يستحقه، فإن له من الامكانيات بأن يكون مستقلا. كما يجب ان تكون الادارة ايضا مؤمنة باستقلال القضاء و اسألوا 3165 قاص في التراب الوطني اذا ما سبق ورفعت السماعة واتصلت بأحدهم ووجهته لفعل هذا او ذاك، وان حدث واتصلت به عليه أن يواجهني بأن لا شأن لي بعمله. عبد الرحيم أريري: ألا ترون أن هناك ضرورة لإيلاء اهتمام أكبر بتكوين القضاة؟ الراضى: كما يحدث في العالم بأكمله، علينا ان نهتم بالتكوين، وعلينا اعتماد اختيارات ذهنية وفكرية واخلاقية ونفسية من أجل التأكد من قدرة القضاة الفعلية على مزاولة مهامهم ومن توفرهم على مناعة ضد مرض حب السلطة. كما يجب ان تندرج الاخلاق في برامج التكوين، وفي الرابع والعشرين من الشهر الجاري سيتم التوقع على المبادرة التي عمل المسؤولون القضائيون على بلورتها والمتعلقة بمدونة اخلاقيات خاصة بالقضاة ،سيلتزم بها القضاة ويعتمدونها لتأدية القسم. ثانيا. بعد تخرج القاضي من معهد القضاء ويلتحق بالمحكمة. فمن مهام المسؤول القضائي هو تأطير القاضي الجديد والمراقبة الى جانب تكوينه وتلقينه الاخلاق ،كما سنعتمد التصريح بالممتلكات وتأديب كل الذين يثبت في حقهم اي نوع من التهاون في انجاز المهام الموكولة اليهم. هكذا فإن كنا نتوفر على العدد الكافي من القضاة، هذا سيمكننا من إبعاد كل من أخل بمهامه وتعويضه، لكن الآن يصعب ذلك لقلة الأطر. فهذا هو الاصلاح الذي يتغيا قضاء القرب الذي يهم المواطن، اذ سيتم العمل على توفير العدد الكافي من المحاكم من خلال تشييد 24 محكمة (18 محكمة ابتدائية و 6 محاكم استئنافية) في افق 2012 واصلاح المحاكم الحالية وتمكينها من بنيات عمل واستقبال جيدة. الاصلاح الثاني يتمثل في اصلاح وضعية القضاة والموظفين وكتاب الضبط، اذ لا يعقل ان يستمروا في تقاضي هذه الرواتب الحالية واذا ما اردنا حمايتهم،علينا ان نرفع من اجورهم ومعادلتها بأجور رجال السلطة وهذا ما طالبت به شخصيا. عبد الكبير أخشيشن: ما هي الإصلاحات التي تعتزمون إدخالها على المجلس الأعلى للقضاء؟ الراضي: ان مسألة تحيين التشريع ضرورية. وفيما يتعلق بالاصلاحات ايضا في هذا الشأن يتعلق الامر بالمجلس الاعلى للقضاء الذي يتمتع بتركيبة تضم قضاة ايضا، فكل الجمعيات لديها مقترحات لإصلاح المجلس، خاصة فيما يتعلق بتركيبة المجلس وأنتم تعرفون التركيبة الحالية للمجلس. فهي تتكون من تسعة قضاة، ثلاثة منهم يتم تعيينهم بمقتضى القانون،في حين يتم انتخاب الستة الباقين. اما وجود وزير العدل داخل المجلس فليس الا تمثيلا لجلالة الملك باعتباره رئيس المجلس الاعلى، اذن فالأغلبية منتخبة، والكلمة الأخيرة لأعضاء المجلس والوزير فقط يقوم بالتسيير. هكذا، يمكن فتح نقاش هادى حول تركيبة المجلس، وحول مكانة الوزير فيه، وان لا يكون النقاش ذاتي، بل موضوعي ايضا حول اضافة اعضاء اخرين، والكيفية لبلوغ ذلك، وايضا حول طريقة التسيير كونه جزء من وزارة العدل واستقلاليته عن الوزارة. وهناك من يتحدث عن خلق سلطة قضائية مستقلة و هذا ما يتم التشاور حوله مع الاحزاب والجمعيات لبعده السياسي. اذن اذا ما قمنا بكل هذه الاصلاحات، علينا ان ندونها في الدستور وعلينا ان نغير القانون الاساسي للقضاة، والتنظيم القضائي، فهذان نصان مؤسسان يجب تغييرها نتيجة التغييرات الممكنة على المجلس الاعلى للقضاء. ثم لدينا التشريع على ضوء المستوى الذي وصله المغرب وما حققه في مجال الديمقراطية والحرية. علينا مراجعة القوانين من بينها قانون المسطرة الجنائية. والقانون الجنائي، والمسطرة المدنية والقانون المدني وكل النصوص يجب تحيينها مثلا مدونة الاسرة. (الكفالة والصندوق ومقاييس الاستفادة من الكفالة ونصوص أخرى، الكل يجب ان يتفق على السياسة القضائية من أجل قضاء عادل محايد، منصف. كمال هشومي: ما موقع قضاء الجماعات والمقاطعات من الاصلاح باعتبار أنها لاتكسي صفة الاستقلال المنصوص عليها في المواثيق الدولية؟. الراضي: فيما يخص القضاء الجماعي فقد تم احداثه سنة 1974، وحينها كان المغرب يتوفر على حوالي 1000 قاضي جماعات. وأصبحت مؤسسات تسير نحو الانقراض، فهناك أقل من 400قاض، ويمكن اتخاذ قرار بشأن حذفها، وهذا يندرج ضمن الخريطة القضائية واكثر من النصف لاتشتغل ومحكوم عليها بالانقراض. كمال هشومي: ما موقع الوسائل البديلة لحل النزاعات كالوساطة مثلا. الراضي: لدينا مشروع مهم تحت الدرس وهو قانون يتعلق بحل النزاعات، والصلح والعقوبات البديلة، وفي المستقبل نود ان يقوم بهذه الاعمال الاجتماعية للتخفيف والحرص على الاعتقال الاحتياطي الذي اصبح اكثر انخفاضا، %50 من المسجونين احتياطيا، ويحكم عليهم بما قضوا، او وقف التنفيذ، ونصف السجونيمكن أن تفرغ اذا ما أطلقنا سراح كل المسجونين الاحتياطيين.