حتى الأمس القريب، كانت كل المحاكمات المتعلقة بالسب والقذف عن طريق الصحافة ذات طابع سياسي، حيث كانت تقام من طرف الدولة أو من يعمل لديها بشأن ما يصدر أساسا بجرائد المعَارضة، والأمثلة على ذلك، منذ 1956 حتى اليوم رغم قلتها، فإنها مسجلة في التاريخ السياسي والاجتماعي للمغرب. ومنذ مطلع عام 2005 بدأنا نلاحظ أن الدولة، ومن كانت تدفعهم إلى تقديم دعوى السب والقذف بسبب ما قد تعتبره كذلك مما نشر في جرائد معينة، لم تبق تحتكر هذا المجال، بل بدأنا نجد أن بعض الشخصيات العمومية وغيرها من رجال الأعمال، والسياسة والدين... بل وحتى بعض الناس العاديين، أصبحوا يتقدمون بدعاوى في مواجهة من قد يكون في نظرهم كتب عنهم أشياء غير صحيحة. وإذ نسجل بارتياح هذا التطور الحاصل لدى فئة من المواطنين رغم اختلاف مستوياتهم الفكرية والمالية، لكونهم حريصين على حماية كرامتهم وسمعتهم وحياتهم الخاصة وأموالهم، فإننا في نفس الوقت، نأسف لكون «قسط» من الصحافة وصل إلى هذا الحد من التدني والانحطاط واللامسؤولية واللامهنية واللاأخلاقية، إذ أصبح بعض العاملين في مختلف وسائل الاعلام يعتقدون أنهم فعلا سلطة. والحال أن الدساتير في العالم كله لا تعترف ولا تنص سوى على ثلاث سلط: التشريعية، القضائية، التنفيذية. وهكذا أصبحوا يعطون لأنفسهم «الحق» بأن يكتبوا أو يقولوا أو ينشروا كلمات أو عبارات أو رسومات أو صوراً قد تتضمن نوعاً من السب والقذف أو اتهامات أو مسا بالسمعة أو تشهيرا أو إساءة للحياة الخاصة... والغريب أن البعض من هذا النوع من العاملين بوسائل الاعلام، عندما تلفت نظرهم إلى ما فعلوه يردون عليك أن هناك حق الرد والتوضيح، متجاهلين أن المتضرر له الحق في التوجه مباشرة للسلطة القضائية، إذا اقتنع أن ما نشر أو أذيع لا تمحوه سوى المحاكمة والعقوبة ضد مقترفه ومشاركيه. وهكذا بدأنا نجد أن القاعة 7 بالقطب الجنحي بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء قد أصبحت شبه خاصة بقضايا الصحافة، وأن الأستاذ حسن السعداوي قد أصبح «متخصصا» فعلياً لكثرة ما راج ويروج أمامه من ملفات. جلسة الاثنين سجلنا بها إدراج 21 ملفا ضد مدراء بعض الجرائد وكاتبي المقالات، ومن بينهم من توبع في أربعة أو خمسة ملفات في نفس الجلسة.