أثارني أحد الإعلانات بإحدى الجرائد يتضمن بحثا عن متغيب و قد رصد صاحب الإعلان مبلغا محترما لمن يدله على المتغيب أو يفيده في العثور عليه . لم يكن هذا الغائب سوى قط من فصيلة عادية يتعرض أقرانه المتشردون يوميا للطرد من أمام محلات بيع المأكولات و الأسواق. الأمر مثير فعلا لأن المغرب عرف تطورا ملحوظا في مجال الإهتمام بالحيوانات ليتجاوز هذا الإهتمام القيمة المادية لهذا الحيوان ويتعداه إلى القيمة النفسية أو العلاقة المتينة التي تجعل من هذا الحيوان وحيدا متفردا في جنسه و فصيلته في عيني صاحبه بحيث يكون مستعدا لصرف المزيد من النقود في حالة بروز أي مشكل و لو كان الحل سيكلف كثيرا..لا يهم. لايهم لأن هذا القط أو الكلب أو الطائر لم يكن عاديا بالنسبة لصاحبه. لا يهم لأن سمو قيمة هذا الحيوان أصبحت تضاهي مكانة الأقارب و الأحباب و بالتالي فمصاريف تطبيبه و تغذيته و ما إلى ذلك تصبح شيئا عاديا و لا تحكمه الحسابات الضيقة. لا يهم لأن السلوك الإنساني أصبح يعترف بالقيمة المعنوية للأشياء وبأن أي مخلوق على وجه الأرض يشكل انفرادا و استثناء رغم وجود الملايين من نفس فصيلته. موضوع القط المتغيب يثير تساؤلات جميلة حول مستقبل ثقافة الحيوانات أو ثقافة التعامل مع هاته المخلوقات التي لقيت ومازالت تلقى ألوانا من الإضطهاد و التعسف و التحقير من قبل الشعوب. و إذا كان من الصعب تغيير السلوكات الجماعية فقد بدأت تظهر بوادر لطيفة و طريفة لسلوكات فردية تحيد عن هاته القاعدة، ورويدا بدأت تتفتق أفنان من هذا القبيل هنا و هناك حتى استحوذت على نسبة مهمة من الأفراد في المجتمعات الغربية بالخصوص و التي أصبحت تشكل قوة مقررة في كثير من الأحيان في ما يتعلق بمصائر الحيوانات و أشكال و طرق التعامل معها لدرجة سن غرامات صارمة في أمريكا على من يتوفر على كلب و لم يقم بترييضه بصفة مستمرة ، و منتظمة كما أن عدد الحالات التي بتت فيها المحاكم الأوربية لصالح كلاب أو قطط تعرضت للتقصير أو العنف لدليل على ثقافة التعامل مع الحيوانات. و للمغرب نصيب من هذه الثقافة المتميزة و إذا كان العديد من المواطنين يعتقدون أنها تتعلق بالأغنياء و بالطبقة البرجوازية فهذا خطأ شائع لأن المسألة تتعلق هنا فقط بمفهوم الثقافة بعيدا عن الحسابات المادية و البراغماتية، و إذا تم إدراك هذا المفهوم و الوقوف على معانيه السامية فلا أعتقد أن هذا الخطأ سيبقى شائعا و سيتمكن المغاربة من التعامل مع حيواناتهم بطريقة انسانية و ثقافية محضة تضاهي نظيرتها الأوربية و العالمية.