لمنطق الذي تحدث به نتنياهو ووزير خارجيته ليبرمان، عن السياسة القادمة التي ستنتهجها إسرائيل في التعامل مع القضية الفلسطينية، ومع البرنامج النووي الإيراني، وهضبة الجولان السورية، وحركة حماس، وحزب الله .. لا يصدر إلا عن أناس بلغوا في تطرفهم حداً لا ينبغي السكوت عليه. فهما يعتقدان بأن إسرائيل في وضع يمكنها من العربدة في المنطقة كيفما تشاء، وأن الحكومات العربية هي على درجة من التشتت والانقسام، لم تعد معها قادرة على اتخاذ مواقف من شأنها منع إسرائيل من شن حروب جديدة عليها. في الخطاب الذي ألقاه أمام الكنيست قبل التصويت على وزارته، أعلن نتنياهو الخطوط العريضة التي تنتظم سياسة حكومته حيال المشكلات التي يواجهها الكيان العبري في المنطقة وأهمها: 1- الإعلان عن استعداد حكومته لاستئناف مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية، بهدف التوصل لاتفاق نهائي يسمح للفلسطينيين بإدارة شؤونهم بأنفسهم"باستثناء ما يهدد أمن إسرائيل ووجودها". 2- امتلاك أي نظام إسلامي متطرف لأسلحة نووية- في إشارة لطهران- يعد في نظر حكومته خطراً محققاً يهدد وجود الكيان العبري وأمنه، الأمر الذي يتطلب العمل سريعاً على ضرب المنشآت النووية الإيرانية بهدف منع طهران من امتلاك سلاح نووي. وقد سبق لنتنياهو أن أقسم- خلال حملته الانتخابية- على منع إيران من حيازة هكذا سلاح. في قراءة أولية للبند الأول، يشترط نتنياهو على الفلسطينيين- إذا ما أرادوا نجاح المفاوضات- التخلص أولاً وقبل كل شيء ممن أسماهم بالإرهابيين- في إشارة لحركة حماس- وإنهاء سيطرتهم على قطاع غزه. فإذا ما تحقق ذلك، فإن بإمكان الفلسطينيين أن يديروا شؤونهم بأنفسهم من ناحية، ويعينوا حكومة نتنياهو في العمل على تحسين أوضاعهم الاقتصادية من ناحية أخرى. وهذا يعني أن وعد "بوش" بقيام دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً إلى جنب في أمن وسلام مع الدولة العبرية، أصبح في خبر كان. ذلك أن ما عرضه نتنياهو، هو مجرد (ترخيص) للفلسطينيين بإدارة شؤونهم بأنفسهم، وهو ما لا يرقى حتى لمستوى الحكم الذاتي المتعارف عليه دولياً. وقد ترك نتنياهو تحديد الإطار الذي يُسمح من خلاله تفعيل هذا الترخيص، برسم الفقرة الأخيرة التي تضمنها البند الأول والتي تقول: "باستثناء ما يهدد أمن إسرائيل ووجودها". فهذه الفقرة تفرض على الفلسطينيين قيوداً أشد مما عانوه في ظل الاحتلال الذي ما زال قائماً منذ عام 67 وحتى اللحظة. فبجرة قلم يعتقد نتنياهو أنه قادرٌ على نزع حق الفلسطينيين في استعادة أرض الضفة الغربية، بدعوى أنها أرض يهودا والسامره اليهودية الأصل والمآل، ولا يجوز للفلسطينيين المطالبة بإنشاء دولة مستقلة خاصة بهم عليها، كما نصت مبادرة خريطة الطريق وتفاهمات أنا بوليس. هكذا وبكل بساطة، يعتبر نتنياهو الضفة الغربية أرضاً يهودية، والفلسطينيون الذين يعيشون فيها ليسوا سوى أغراباً أتاحت لهم الظروف أن يستوطنوا مناطق منها لا أكثر، ما يعني في النهاية: 1- حرمان الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة في الضفة الغربية والقطاع، بدعوى أنهما أرض يهودية لا يحق لأحد من غير اليهود إقامة دولة على أرضهما، أو حتى الحصول على حكم ذاتي بالمفهوم المتعارف عليه دوليا. 2- حرمان الشعب الفلسطيني من أرضه التي عاش عليها لأكثر من أربعة آلاف سنة، حيث كانت قبيلة "يبوس" الكنعانية التي ينحدر منها والتي قدمت من شبه الجزيرة العربية، هي أول من أستوطن هذه الأرض وليس العبرانيين كما يدعي الصهاينة. وهذا يعني- في النهاية- حرمان هذا الشعب من التواصل مع محيطه العربي الذي لم ينفصم عنه منذ آلاف السنين. 3- الكيان العبري هو الذي يقرر- بموجب هذا البند- المحددات التي تنتظم حياة المواطنين الفلسطينيين في المناطق التي يعيشون فيها، من حيث القضاء، ونظم المعاملات التجارية والاقتصادية والتعليمية، وأنساق الحياة الاجتماعية، والمفاهيم القيمية، إضافة لتقنين وهيكلة النظم الخدمية الأخرى، كالصحة والمواصلات والمرافق العامة والإنشاءات ونظم الاتصال .. وما شابه ذلك، وبصورة لا تخرج عن القواعد التي يحددها الإسرائيليون. فقيام الفلسطينيين بهذه المهام، يعني- في مفهوم نتنياهو- تخليص الكيان العبري من عناء توفير موجباتها للفلسطينيين باعتباره محتلاً لأراضي الغير. ذلك أن القوانين الدولية تفرض على إسرائيل توفير كافة الخدمات التي تعين الشعب الفلسطيني المحتل على مواصلة حياته اليومية. 4 - ليس بعيداً عن هذا السياق، أن ينظر نتنياهو للفلسطينيين من خلال تلك المقولة الصهيونية الحاقدة التي تقول ب : أن الرب لا يخص سوى الشعب اليهودي دون سائر الأمم والشعوب التي ليست- في نظر حكماء صهيون- سوى "أغياراً" لم يُخلقوا إلا ليكونوا خدماً وعبيداً لشعب الله المختار!! .. له أن يفعل بهم ما يشاء، وإن الفرق بين اليهودي وغير اليهودي كالفرق بين الإنسان والحيوان. وهكذا نرى أنه لا يمكن النظر لقول نتنياهو باستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين، بمنأى عن النقاط السابقة التي من المؤكد أنه سيطرحها على المفاوض الفلسطيني، واضعاً في يقينه أن الفلسطينيين لن يقبلوها. وحينها يوجد لنفسه مبرراً للقيام بشن حروب جديدة على المقاومة الفلسطينية وبخاصة على حركة حماس بغية إسقاطها. والواقع أن الأسلحة التقليدية وغير التقليدية التي يمتلكها الكيان العبري، ليست وحدها التي تقف وراء فجور وعربدة هذا الكيان. وإنما الدعم المتواصل الذي يتلقاه من أمريكا ودول أوروبا، ومن هيمنة مجموعات الضغط اليهودية ووسائل الإعلام الصهيونية على صناع القرار فيها .. هو الذي يشجع نتنياهو وأقرانه من المتطرفين الصهاينة على ضرب القيم الإنسانية عرض الحائط، ويُحِلُّون لأنفسهم اغتصاب أراضي الآخرين. عن محيط