يصادف هذا الأسبوع ذكرى مرور 30 عاماً حددت فيها أعطال في أجهزة ونظم تشغيل إحدى محطات الطاقة النووية في الولاياتالمتحدة، اللحظة الحاسمة في تاريخ هذا النوع من الطاقة. والمقصود بذلك، حادثة انفجار محطة "مايل آيلاند". ورغم أن الانفجار المذكور لم يقتل أحداً ولم تنجم عنه إصابات ومخاطر صحية تذكر، فإن مجرد حدوثه كان سبباً كافياً لتأكيد المخاوف السابقة من خطر انفجار هذه المحطات النووية في أي وقت. وبذلك، فقد تعززت المعارضة الشعبية القوية أصلاً لمشروعات الطاقة النووية. وعليه سادت المفاهيم الخاطئة عن أكبر مصدر محتمل للطاقة الكهربائية في بلادنا. بعبارة أخرى، يمكن القول إن انفجار محطة "مايل آيلاند" كان بمثابة وأد لفكرة الطاقة النووية في أميركا منذ ذلك الوقت وإلى الآن.فمما لا شك فيه أن حادثة الانفجار المذكور، وما أثارته من ذعر في أوساط المواطنين، كانت انتكاسة كبيرة لصناعة الطاقة النووية في أميركا. وبسببها لم تتمكن بعض شركات الطاقة إلا متأخرة جداً من مجرد استصدار تصريحات تخول لها إعادة بناء المفاعلات النووية. ولكن كي لا نبالغ في رسم صورة بكل هذا التشاؤم بمصير الطاقة النووية في أميركا، لنقل إن انفجار "مايل آيلاند" لم يقض حتى على الفكرة في الجزيرة المذكورة نفسها. فبينما انفجر المفاعل رقم واحد، ظل المفاعل الثاني عاملاً إلى اليوم. والحق أن الطاقة النووية تحتل المركز الثاني مباشرة من حيث حجم وإنتاج الطاقة الكهربائية، بعد الفحم الحجري الذي نستولد منه نسبة 50% من الطاقة الكهربائية التي نحتاجها. بذلك نكون قد فندنا الأسطورة الأولى القائلة بموت الطاقة النووية في بلادنا. أما الأسطورة الثانية، فلها صلة بتهويل خطر المواد الإشعاعية على المواطنين. وهنا يجب القول إنه يصعب الحديث عن المخاطر الصحية الناجمة عن المخلفات النووية، دون التفكير في المدة الزمنية الطويلة جداً التي تتطلبها هذه المخلفات قبل أن تصبح سبباً لمشكلة صحية. وقد تصل هذه الفترات إلى آلاف، بل عشرات الآلاف من السنين، وربما أطول من ذلك بكثير. فمثلاً، يشير الموقع الإلكتروني لمنظمة "السلام الأخضر" إلى أن مادة البلوتونيوم 239 لها نصف دورة حياة تقدر بحوالي 24 ألف سنة. وعلى أية حال، فإن المخاطر الصحية الناجمة عن الحياة الكاملة لهذه المخلفات الإشعاعية، تعادل عشرة أمثال المخاطر المرتبطة بنصف دورة المواد هذه. وعليه، فمن الواجب عزلها من النظام البيئي المحيط بالمجتمعات لمدة 240 ألف سنة. ورغم الاعتقاد السائد بوجود شر أو لعنة ما في أي مادة تبقى لفترة طويلة من الوقت، فإن بقاء المواد المشعة بنصف دورة حياتها لأطول فترة ممكنة، لا يعني بالضرورة وجود خطر صحي محيط بها. ويقصد بنصف دورة الحياة، معيار لقياس مدى سرعة تحلل المادة المشعة المعينة. لكن ليس المقصود من كل ما قيل، التقليل من خطر النفايات النووية على حياة البشر وصحتهم بأية حال. الأسطورة الثالثة: الطاقة النووية سيئة بسبب المضار التي تسببها للنظام البيئي، وبسبب حاجة تخزين مخلفاتها لفترات طويلة من الوقت. والحقيقة أن أكبر خطر بيئي تواجهه البشرية اليوم هو الاحتباس الحراري وارتفاع درجات حرارة الأرض. وبما أن العامل الرئيسي المسبب لهذه الظاهرة هو انبعاث غاز الكربون وغيره من الانبعاثات الأخرى الملوثة للغلاف الجوي، فإنه يمكن نفي هذه الأسطورة بالقول إن الطاقة النووية هي المصدر المأمون والخالي تماماً من أي انبعاثات ملوثة للبيئة. بل الغريب في الأمر ألا يفكر حماة البيئة حتى مجرد تفكير في تبني هذا الشكل من الطاقة! الأسطورة الرابعة: الطاقة النووية ليست طبيعية. وقد رد على هذه الأسطورة الرئيس الأسبق هاري ترومان بقوله الشهير في تدشينه لسفينة USS Nautilus، التي تعد أول سفينة تعمل بالطاقة النووية في العالم كله: "فمحركاتها لا تحرق النفط ولا الفحم الحجري. وسوف تسخن غلاياتها بذات الطاقة التي تسخن الشمس، أي تلك الطاقة المستولدة من الانشطار النووي، أي من انشطار المادة الرئيسية التي يتكون منها الكون كله". ثم علينا ألا ننسى أن مواد إشعاعية كثيرة توجد بين المكونات الحميدة الأخرى التي يتكون منها غذاؤنا اليومي. الأسطورة الخامسة والأخيرة: محطة الطاقة النووية أشبه بزرع قنبلة نووية. وهذه فرية تخلو من الصحة العلمية تماماً. فمحطات الطاقة النووية تستخدم انشطار ذرات اليورانيوم لتوليد كميات هائلة من الطاقة، تمكنها من إنتاج الكهرباء التي نحتاجها. وعلى العكس من ذلك، تستخدم القنبلة النووية ما يعرف بالاندماج النووي، أي الدمج بين ذرات اليورانيوم المخصب والهايدروجين لتوليد طاقة انفجارية أكبر. صحيح أن القنابل الأولى التي أُلقيت على هيروشيما وناجازاكي كانت قنابل انشطارية. إلا أن العلم تطور كثيراً وتخطى الزمن ذلك النوع من القنابل البدائية. وتبقى هناك علاقة واحدة تربط ما بين الطاقة النووية والقنبلة، ألا وهي مادة البلوتونيوم التي تنتجها المفاعلات النووية. والمعروف عن هذه المادة أنها تمثل عنصراً رئيسياً في صنع القنبلة النووية. وهذا هو عين ما يثير مخاوف الولاياتالمتحدة إزاء أي أمة أخرى تسعى لتطوير الطاقة النووية. لكن ما يجب قوله إننا لسنا استثناءً دولياً في هذا الخطر المرتبط بإنتاج الطاقة المذكورة. *مؤلف كتاب "أميركا النووية: كيف غيّر انفجار وقائد بحري مسار تاريخ أميركا النووي" عن «لوس أنجلوس تايمز »