بدلا من أن يتعلّق المسلمون بأثواب رموز التصوف الإسلامي ويرفعوا أعمالهم وآثارهم في وجوه غلاة طوائفهم الذين يكفّرون الطوائف الأخرى ويعتبرونها ليست على شيء، ويرفعوها أيضاً في وجوه من يزعمون أن المسلمين قوم يتنفسون برئة تكره الآخر وترفضه، إذا بجماعة منهم تُدعى "طالبان"، تفجّر في مدينة بيشاور الباكستانية ضريح شاعر صوفي بشتوني من القرن السابع عشر يُعرف برحمن بابا. أليس غريباً أن يعتبر صوفية السُنة الحسين بن منصور الحلاج شهيداً من شهداء العشق الإلهي برغم كونه شيعياً، وأن يتمايلوا طرباً وهم يصغون لأشعار صوفية الشيعة كحافظ الشيرازي وبابا طاهر العريان؟ وأليس غريباً أن يتخذ صوفية الشيعة أبا حامد الغزالي، السُني المذهب، أستاذاً في هذا الطريق، ويتداولوا في مجالسهم قصائد صوفية لسُنة كسعدي وجلال الدين الرومي وعمر الخيام؟ وأليس غريباً ألا تأتي كتب الصوفية السُنة والشيعة على ذكر الخلافات المذهبية والتاريخية بين الفرقتين، وإذا أتت على ذكرها، فمن باب إذابة الفروق والتماس العذر للمشغولين بها لأنهم لا يعرفون الحقيقة، كما يقول حافظ بما معناه: التمس العذر لحروب الإثني والسبعين فرقة، فقد سلكوا دروب الخيال حين لم يروا الحقيقة. بل أليس غريباً أن يكون كلام محيي الدين بن عربي (ت 1240م) في وحدة جوهر الأديان التي لا تطلب إلا الله، وهي نظرة مستقاة من نبع الإسلام، يشبه كلام رائد التصوف الغربي المسيحي، الألماني ايكارت (ت 1327م)، ويشبه كلامهما كلام الصوفي الهندوسي شنكرا (ت 820م) ليس هذا كله بغريب على التصوف الذي يجمع الناس على المحبة أياً تكن أديانهم ومذاهبهم، فالصوفي الحقيقي يؤمن بالتعددية الدينية ويقول: "حسنك واحد -يا الله- وعباراتنا شتى"، أو كما قال ابن الفارض: "وتظهر للعشاقِ في كل مظهرٍ... من اللبْسِ في أشكالِ حسنٍ بديعةِ"، وقلبه يسع الجميع، والتسامح عنده أمر واقع وليس مجرد مثاليات وكلام نظري. لكن هذا التقارب الجميل بين صوفية العالم، هو بالذات ما يجعل الأصولية الدينية، يجنّ جنونها ويجعلها ترمي الصوفية بالزندقة والإلحاد وتفريق كلمة الأمة، إلى آخره من اتهامات تقتات على سم التعصّب للمذهب وللديانة. ولا تكتفي بكل هذا، بل تحاول إلغاء التصوف ومحو آثاره. بروح التصوف، ونظرته الشمولية التي ترى أن "الحقائق المتعددة" التي يدّعيها المدّعون، ما هي إلا حقيقة واحدة، وأن جوهر الأديان هو الحب والورع والتقوى والعمل الصالح وسمو الأخلاق وإمعان التأمل في الذات والكون، يستطيع الصوفية مخاطبة وجدان البشرية وإذابة جبال الجليد الفقهي أو العقائدي بينهم. حاول العقلاء من كل الأديان والمذاهب التقريب بينها بالحوار حول ما يتفقون عليه وأن يعذر بعضهم بعضاً فيما يختلفون فيه، وكانت النتيجة صفراً في مقابل فوز المتعصّبين من جميع الفرق والمذاهب والأديان وجرّ "المؤمنين" خلفهم في حروب وفتن ونزاعات لا صبح لأيامها. وجرّب الخيّرون كل الطرق، لكنهم لم يجرّبوا السير في طريق التصوف الذي يعتبر أرضية صلبة مشتركة للتلاقي والتواصل الحضاري والتآخي الإنساني يستطيع أن يقف عليها السُني مع أخيه الشيعي مع إخوانهما من غير المسلمين ويرفعوا أيديهم معاً إلى ربّ السماء من دون أن يفرّط أحد في عبادته، أو يتنكّر لخليفته أو إمامه. يقول جلال الدين الرومي: "لقد أتينا إلى هذا العالم لنتواصل، لا لنتفاصل"، مهما كان لسان المتعصبين طويلا وأيديهم تزرع العبوات الناسفة. عن «الاتحاد» الإماراتية