1 - في مقال له نشر مؤخرا بجريدة «أخبار اليوم» تحت عنوان «حول موت المثقف» أبرز المفكر المغربي الأستاذ محمد سبيلا أن مقولة موت المثقف المغربي هي مقولة سطحية، مقولة إيديولوجية ناتجة عن الصراع داخل نفس النخبة الديمقراطية الحداثية بسبب التحولات التي أفرزها الحدث السياسي الذي دشنه النظام المغربي في مطلع السبعينيات من القرن الماضي و الذي تمثل في قرار استئناف و استكمال حركة التحرر الوطني بهدف وضع حد «للاحتراق الداخلي» بعد تواتر انتفاضات المدن و الحركات الانقلابية و التي شكلت شرطا تاريخيا للمصالحة التاريخية الكبرى و انخراط المعارضة و انتقالها التدريجي إلى مواقع السلطة.هذا الحدث كان حاسما في تحول فئة المثقفين مما نتج عنه ارتخاء في علاقة المثقف بالالتزام السياسي و الإيديولوجي.فبمقابل بروز الاحتراف السياسي تطور تدريجيا ما يمكن وصفه بالتخصص المعرفي عند المثقفين .كما أن المثقف قد اكتشف أنه ليس بوقا و ليس كائنا مهدويا. نفس الحدث السياسي و تطوراته أبرز توجها تدريجيا نحو نوع من استقلال المجال الثقافي عن المجال السياسي. كما أن التحليل الفكري المعمق له متطلباته و ابيستيمولوجيته الخاصة. و بأن التفكير في الحداثة و الثرات و العقل و الإصلاح الفكري هو في العمق تفكير في الآني و ليس انعزالية أو استقالة بل إنه انخراط في التاريخ لكن بشكل آخر. هذا العرض السريع لمقالة الأستاذ محمد سبيلا هو اختزال و بالتالي نكون قد سمحنا لأنفسنا بإجراء عمليات اختيار و كل اختيار هو إقصاء.ما أقصي من المقال هو ضحية اتفاقنا التام معه ثم أن لنا عذرا أو مبررا آخر في ذلك هو أننا أخضعنا هذه القراءة لمتطلبات حوار آخر كنا قد دشناه في موضوع حاجة اليسار الحزبي المغربي إلى التجديد الفكري و المعرفي و الثقافي على صفحات الإتحاد الاشتراكي. ألا نكون بفعلتنا هذه قد ارتكبنا خطأين ، خطأ أول في حق المقال و صاحبه، و خطأ ثان في حق جريدة «أخبار اليوم» التي يفترض أن يكون مقالنا من نصيبها. لكليهما نقدم سلفا اعتذارنا و ليعلما أننا لا نكن لهما إلا الكثير من المحبة و التقدير. و أن نبل المقصد سيغفر لنا عندهما هذا الخطأ. 2 - يطرح مقال «حول موت المثقف» قضايا عدة، بل إشكاليات عدة.إلا أن صيغة المقال الصحفي أملت عليه الاكتفاء برؤوس الأقلام، و بالإشارة الصريح منها و الضمني. لذا نجد الأستاذ و في سياق الحديث يقول أنه «سنحاول في هذه السطور».إكراه الفضاء هذا جعل الأستاذ محمد سبيلا يُحمّل هذه السطور القليلة أكثر ما يمكن من الأفكار و المقترحات.و أود أن أركز على فقرة تبدو لي أساسية فهي تفتح أمام القارئ قارة بحثية بكاملها يقول الأستاذ «حالة الارتخاء الوحيدة و البارزة في علاقة المثقف بالالتزام السياسي و الإيديولوجي هي حالة المثقف الحداثي، سواء وعي ذلك أم لم يع. و هنا يتعين علينا الاجتهاد في فهم مظاهر و تحديد هذا الارتخاء و الاسباب الموضوعية و التاريخية المتعلقة بالتحولات الميدانية في مجالي الثقافة و السياسة و كذا الاسباب الذاتية الخاصة بعموم المثقفين، و الأسباب الذاتية الخاصة بكل مثقف في إطار تحولات البنية السياسية و البنية المعرفية و الأكاديمية» إنها دعوة مفتوحة أمام كل المثقفين بما هم كذلك للإنكباب على مشروع بحثي نحن في أمس الحاجة إليه. و ما قدمه الأستاذ هنا هو مجرد إشارات و توجهات ممكنة للبحث. في مساهمتنا هذه لا ندعي و لم نفكر أساسا في الشروع في ما يقترحه ضمنيا علينا المقال، بل نستعجل الأمر وننطلق في طرح بعض التساؤلات التي رفضت الانتظار و ألحت على الخروج إلى الفضاء الرحب للكتابة عوض الانحصار داخل الدوائر الضيقة للخواطر. 3- و نبدأ بالتساؤل : إذا كانت السياسة المنتهجة منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي قد كانت لها التأثيرات المذكورة أعلاه، أفلا يطرح على المثقف النظر في كل هذه التحولات وقد وصلت مرحلة استنفدت فيها الكثير من قدرتها على صناعة الحدث و توجيهه و أدت إلى شبه إجماع على فشلها في تحقيق النقلة الديمقراطية الموعودة إن من طرف النظام أو من طرف قوى المعارضة الديمقراطية الحداثية. ألا يشكل هذا الوضع المستجد مناسبة لكي يمارس المثقف دوره النقدي في شروط مختلفة عن تلك التي سادت طيلة المرحلة الممتدة من 1972 إلى 2007 ؟ ألا تحتمل المرحلة الجديدة الشروع في صياغة مختلفة لعلاقة السياسي بالثقافي و بالتالي علاقة المثقف بالالتزام السياسي و الإيديولوجي ؟ ألا يفكر المثقف الحداثي المغربي في طرح تصوره الخاص لوضع حد لحالة الاسترخاء في علاقته بالسياسة و الإيديولوجيا ؟