خلص تقرير سري صدر عن لجنة الصليب الأحمر الدولية، إلى أن معاملة إدارة بوش لسجناء حربها على الإرهاب تصل إلى حد التعذيب. وتعد هذه الخلاصة إشارة واضحة إلى أن أساليب التحقيق التي اتبعتها وكالة 'سي. آي. إيه' مع المعتقلين، تمثل انتهاكاً للقانون الدولي. جاء ذلك في أجزاء نشرت مؤخراً من وثيقة أعدتها لجنة الصليب الأحمر الدولية منذ عام ،2007 إلا أنها ظلت طي الكتمان. وينسب التقرير ممارسة عملاء 'سي آي إيه' لأعمال وحشية جسدية ومعنوية بحق معتقليها في السجون السرية التابعة لها. كما وصف التقرير الممارسات الأميركية المذكورة بالوحشية واللاإنسانية وبأنها تتعمد الحط من كرامة الإنسان. وخلص إلى أن معاهدات جنيف الخاصة بمعاملة أسرى الحرب، تحظر تلك الممارسات حظراً تاماً وواضحاً. وقد بنيت الاستنتاجات التي توصل إليها التقرير على تحقيقات أجراها مسؤولو لجنة الصليب الأحمر الذين سمح لهم استثناءً بمقابلة العناصر الأشد خطراً بين معتقلي الحرب على الإرهاب، إثر ترحيلهم إلى سجن غوانتانامو الذي يتولى إدارته الجيش الأميركي. وقدم 14 معتقلا ممن كانوا تحت الحبس الانفرادي في السجون السرية التي تديرها وكالة 'سي آي إيه'، إفادات عن سوء المعاملة التي تعرضوا لها أثناء فترة الحبس والتحقيقات التي أجريت معهم، شملت الضرب والحرمان من النوم ووضعهم في درجات حرارة وبرودة شديدة، إضافة إلى الإيهام بالغرق أو ركوب الأمواج. وقد تم تبادل خمس نسخ على الأقل من التقرير المذكور بين مسؤولي وكالة 'سي آي إيه' والبيت الأبيض في عام ،2007 إلا أنه حظر نشره بموجب موجهات عمل لجنة الصليب الأحمر، المعنية بالحفاظ على حياديتها في النزاعات، باعتبارها منظمة إنسانية دولية. غير أن 'مارك دانار' الكاتب الصحفي والأستاذ الجامعي، حصل على نسخة من التقرير ونشر أجزاء واسعة منه في The New York Review of Books. ولم يقل البروفيسور 'دانار' شيئاً عن طريقة حصوله على الوثيقة، إلا أنه اقتبس ضمن ما نشره من محتويات التقرير عبارة: 'إن المعاملة السيئة التي تعرض لها السجناء في معتقلات وكالة 'سي آي إيه'، سواء كانوا أفراداً أم جماعات، تصل إلى حد التعذيب'. يذكر أن هذه الممارسات تطرقت إليها تقارير صحفية كثيرة خلال السنوات الثماني الماضية. بيد أن هذه الوثيقة الصادرة عن لجنة الصليب الأحمر الدولية، تعد حجة في هذا المجال، وخاصة أنها استخدمت عبارة 'التعذيب' للمرة الأولى في سياق قانوني. من ناحيتها رفضت وكالة 'سي آي إيه' التعليق على محتويات التقرير، على حد إفادة مسؤول أميركي عارف بالوثيقة. وأضاف المسؤول إنه: 'من الأهمية أن نلاحظ أن تقرير لجنة الصليب الأحمر يثير مزاعم صادرة عن الإرهابيين أنفسهم'. وباستخدام كلمات السجناء، تمكن التقرير من رسم صورة مروعة عن الظروف السائدة في السجون السرية التابعة ل'سي آي إيه'، حيث كثيراً ما كان يقال للسجناء إنهم سيؤخذون مباشرة إلى حافة الموت. وأثناء التحقيق معهم، اعتاد السجناء على الضرب والرش بالماء البارد ولطم الأجساد بالحائط ابتداءً من الرأس أولا. وما بين جلسات التحقيق كانوا يجردون تماماً من ملابسهم، وتصعق آذانهم بالموسيقى الصاخبة، ويعرضون للبرودة الشديدة، إلى جانب الحرمان من النوم وإرغامهم على تناول الطعام الجاف لعدة أيام متواصلة. وقال بعض السجناء إنهم أرغموا على الوقوف لبضعة أيام، مع تقييد أيديهم فوق رؤوسهم، بينما لا يرتدون سوى ملابسهم الداخلية. وقد ورد في إفادة السجين 'توفيق بن عطاش' المعروف باسم 'وليد محمد بن عطاش، الواردة في التقرير قوله: 'لقد كانت توضع حلقة حول عنقي كل يوم، تستخدم للطم جسمي بحائط غرفة التحقيقات'. وأفاد أيضاً أنهم لفوه لاحقاً في كيس بلاستيكي بينما كان الماء البارد يصب عليه. وقال إن المحققين يبقون عليه في تلك الحالة ويواصلون صب الماء البارد عليه لبضع دقائق، قبل أن يبدأوا معه التحقيق. ومن ناحيتهم لم يطعن مسؤولو لجنة الصليب الأحمر الدولية في صحة المعلومات الواردة في المقتطفات المتسربة من التقرير، لكنهم عبروا عن قلقهم من الكيفية التي تسربت بها. وقال 'برنارد باريت' الناطق باسم اللجنة: 'نحن نعرب عن أسفنا من نشر المعلومات الخاصة بتقرير المنظمة على هذا النحو'. وأضاف المتحدث قائلا: 'لقد واظبت لجنة الصليب الأحمر الدولية على زيارة المعتقلين الذين تتولى وكالة سي آي إيه التحقيق معهم في سجن غوانتانامو دورياً منذ عام .2006 وقد حافظنا على سرية أي ملاحظات أو مخاوف أبدتها اللجنة إزاء أوضاع ومعاملة أولئك السجناء أثناء زيارة مسؤوليها لهم'. يذكر أن بوش كان قد أقر باستخدام أساليب الإكراه في التحقيق مع كبار سجناء تنظيم 'القاعدة' المتهمين بتدبير هجمات 11 سبتمبر ،2001 إلا أنه أصر على اتساق تلك الأساليب مع القانونين الأميركي والدولي. كما أقر 'مايكل في. هايدن' المدير السابق لوكالة 'سي آي إيه' في العام الماضي، باستخدام محققي الوكالة لأسلوب الغرق الإيهامي مع ثلاثة من المعتقلين قبل عام .2003 أما أوباما، فقد سارع إلى نزع أي صفة شرعية عن تلك الممارسات بعد ساعات فحسب من تنصيبه الرئاسي، غير أنه أبدى تردداً إزاء إجراء تحقيق حول ممارسات محققي وكالة 'سي آي إيه' تلك. يذكر أن تقرير لجنة الصليب الأحمر الدولية، يوفر معلومات تفصيلية دقيقة عن معاملة السجين 'زين العابدين محمد حسين' المعروف باسم 'أبو زبيدة' وهو مواطن فلسطيني ولد في السعودية ويعد من كبار مسؤولي تنظيم 'القاعدة' ومدبري هجمات 11 سبتمبر. وليست هذه سوى حالة واحدة من حالات إساءة معاملة السجناء التي ينبغي إجراء تحقيق شامل حولها. محللون سياسيون أمريكيون عن « لوس أنجلوس تايمز» و«واشنطن بوست»