فهل نسي السيد «بنعمرو» أن حزبه شارك في الانتخابات التشريعية لسنة 2007 ضمن تحالف يساري( وقد أوردنا بعضا من دوافع ذلك) حتى يتحدث عن إدخال الاتحاد الاشتراكي في المؤسسات الانتخابية؟. وهل الحزب الذي يقوده هو دخل أو أدخل إلى الانتخابات؟ .وهل يريد- بعد أن نسي أن حزبه شارك في الانتخابات- أن يحصر العمل السياسي في المعارضة ومن خارج المؤسسات، بينما نعلم جميعا أن الحزب، أي حزب، يساريا كان أو يمينيا، يفترض فيه أنه يحمل مشروعا مجتمعيا يعمل على تحقيقه من خلال وصوله إلى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع أو الدفاع عن هذا المشروع من موقع المعارضة؟ (خارج هذه المعادلة نكون في منطق آخر أثبت التاريخ عدم صوابه ولا جدواه). وعلى كل، هناك تناقض واضح بين المشاركة في الانتخابات واتهام الآخر (الاتحاد هنا) بإضعاف اليسار بسبب هذه المشاركة. صحيح أن المغرب أخطأ كثيرا من المواعيد مع التاريخ وأجهض عددا من التجارب وعطل الانتقال الديمقراطي. فالمشروع مازال متعثرا وقابلا للنكوص لعوامل نعرف بعضها ويخفى عنا الكثير، لكن طريق الديمقراطية كما قلنا شاق ويحتاج إلى النفس الطويل. وليتذكر السيد «بنعمرو» الذي عاشر القائد الاتحادي الفذ ما كان يردده الفقيد «عبد الرحيم بوعبيد» عن الديمقراطية وممارستها. إن جعل الاتحاد مصدر كل المشاكل التي يعرفها اليسار، دون كلمة واحدة عن أخطاء هذا اليسار (اليسار الجذري نقصد) ليس فيه من اليسارية إلا الجمود في المواقف وفي الأحكام. فقيم اليسار التي تشبعنا بها لا تتحدث عن النقد إلا وكان مقرونا بالنقد الذاتي. لكن يظهر أن السيد «بنعمرو» لا يحسن إلا النقد، ولا عهد له بالنقد الذاتي. فبالنسبة له، كل مصائب اليسار آتية من الاتحاد الاشتراكي (ويشترك في هذا الحكم مع بعض من حلفائه حتى لا أقول باقي حلفائه). فليس هناك حزب يساري واحد (فيما أعلم) تحلى بالشجاعة بعد انتخابات 2007 واعترف بالفشل وبالمسؤولية فيما وقع، إلا الاتحاد الاشتراكي. فإذا كان السيد «بنعمرو» يعلق فشل حزبه على مشجب الاتحاد الاشتراكي، فإن السيد «محمد مجاهد»، الآمين العام للحزب الاشتراكي الموحد، في استجواب أجرته معه جريدة «الأحداث المغربية» بعد انتخابات شتنبر 2007، قال، في رده عن سؤال حول تراجع اليسار، بنوع من الرضى عن النفس، بأن من تراجع هو الاتحاد الاشتراكي وأن أحزاب التحالف فيها من حافظ عن موقعه وفيها من تقدم بعض الشيء. ولا حاجة لأن أذكر بعدد المقاعد التي حصل عليها التحالف الذي ركز حملته الانتخابية ضد الاتحاد الاشتراكي بالأساس، وبالمواقع التي يتحدث عنها السيد «مجاهد». لقد أدى بالفعل الاتحاد ثمن دفاعه عن العمل الحكومي في الوقت الذي تنصل منه آخرون. كما أن الحملات التي تعرض لها الاتحاد من كل المشارب السياسية وغير السياسية، أتت أكلها. لكن الاتحاد الاشتراكي كانت له الشجاعة للقيام بالنقد والنقد الذاتي، حيث اشتغلت أجهزته التقريرية شهورا لوضع تقييم دقيق للقصور الذاتي الذي اعترى أداءه وللعوامل الموضوعية التي ساهمت في تراجعه من المرتبة الأولى إلى المرتبة الخامسة. وقد أسفر هذا التقييم عن صياغة وثيقة تركيبية تاريخية نشرت بصحافة الحزب ليطلع عليها العموم وقدمت كوثيقة من وثائق المؤتمر الوطني الثامن. خلاصة القول، معيقات وحدة اليسار توجد في اليسار نفسه؛ ومنها الجمود الفكري وتحجر المواقف وسيادة لغة الخشب وغياب التواضع وعدم الاعتراف بالآخر وغياب النقد الذاتي وتبني نوع من الصوفية السياسية للتغطية على الطموحات الشخصية الجامحة، وغيرها من العاهات الثقافية والسياسية التي تقف في وجه كل المبادرات الرامية لتوحيد قوى اليسار. ومن هنا يمكن تحديد متطلبات وحدة اليسار المنشودة. «إن الوقت اليوم حاسم لاستيعاب الفكرة الإصلاحية والتخلي عن التصوف في اليسار، والاعتراف بأن اليسار تعددي ومتنوع وأن المطلوب تواضع جماعي ومتبادل في اليسار»، يقول «عبد الحميد الجماهري»، عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، في تدخله باسم الحزب في المناظرة التي تحدثنا عنها.