المعادلة السياسية هي الحفاظ على توازن القوى والسلط بين طرفي متساوية، والبحث عن الحلول الممكنة ضمن مجموعة الحلول، رغم تعدد وتنوع المجاهيل والعناصر المشكلة لها، وبالنسبة للمعادلة السياسية المغربية وإلى حدود مرحلة التناوب التوافقي بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، فقد مرت بكثير من التغيرات والإضافات والإقصاءات بين طرفي المعادلة، وعلينا التسليم افتراضيا أن الطرف الأول نسميه «المعارضة» وتضم الأحزاب المستمدة شرعيتها من الحركة الوطنية، والأحزاب اليسارية والديمقراطية، والنقابات الجماهيرية، وممثل الحركة الطلابية (إ.و.ط.م) والجمعيات التقدمية. والطرف الثاني نسميه المخزن ويتكون من السلطة المركزية، المؤسسة العسكرية والدستورية وبعض التقنوقراط ورجال الدين. وسنعتبر أن البرلمان والحكومة بعد حكومة عبد الله إبراهيم مجاهيل ضمن المخزن لأنهما لا ديمقراطيتين ومتحكم فيهما، ونظرا لأن المعادلة السياسية هي إفراز المجتمع المغربي الذي يمثل معمل الصراع وحلبة التباري وفضاء رحبا وخصبا لإنتاج المجاهيل المرتبطة بالفاعلين الجدد المفترض فيهم أن يساهموا في الحفاظ على توازن المعادلة، «المعارضة = المخزن»، إذ نعوضهم بأرقام لتقديم الحساب السياسي، في الحالات الحرجة التي مر منها المغرب، إما لطمأنة الرأي العام الداخلي أو الشركاء الدوليين. لقد تأسس سنة 1963 «الفديك» برئاسة أحمد رضا كديرة، وذلك كرد فعل على تحول طرأ في المعارضة، تصور المهدي بن بركة للمرحلة المتضمنة في كتابه الاختيار الثوري، وفي سنوات الإستثناء 1965 - 1970 والتي تميزت بالاستغناء عن الحكومة والبرلمان، استوجب للضرورة الرياضية إقصاء عنصر قوي من طرف المعارضة أي إبقاء الحظر على حزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية، وفي سنتي 1971 - 1972 لما انتقل عنصر مهم من المؤسسة العسكرية المحسوب على طرف المخزن إلى المعارضة، كاد أن يصبح للمعادلة السياسية المغربية حل واحد هو الانقلاب، لأن المعارضة ضعيفة وطرفها القوي إ.و.ق.ش غائب ووجوده ظل محصورا في إطار العنصر المجهول «العمل السري» ولضمان حل المعادلة ضمن مجموعة الحلول الممكنة، والذي يعتبر الانقلاب خارج دائرتها وينتمي إلى المجموعة الفارغة الهدامة، فقد كان يكفي إضافة بعض العناصر إلى طرف المخزن وطرح عناصر جديدة من جانب المعارضة، الكشف عن بعض المجاهيل المتبنية للعمل السري، للحصول على حل ضمن مجموعة الحلول، وهكذا فشلت تجربة الحل الواحد كما فشلت تجربة الحزب الواحد، وفي سنة 1975 انضاف إلى المعادلة السياسية فاعل قديم بصيغة جديدة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والذي ضخ الدماء في صفوف المعارضة، وكان بالمقابل إعادة ترتيب بعض المجاهيل وتفكيك رموزها من طرف المخزن، وبالأخص في القيادة العسكرية والأمنية. لقد انطلقت مرحلة ما بعد تبني إستراتيجية النضال الديمقراطي، كمنهجية جديدة في تدبير الصراع وتفعيل النضال الاجتماعي وتحقيق التراكم لصالح المعارضة، عن طريق البحث داخل الحركة الجمعوية والنقابية والطلابية عن عوامل وعناصر تقويتها، وتعزيز إمكانية الحل ضمن الاحتمالات المتوقعة والمطروحة والمتوافق عليها ضمنيا بين طرفي المعادلة؟ ففي نهاية السبعينيات أسست نقابة (ك.د.ش) وتمت إعادة إحياء«إ.و.ط.م» وانضافت مجموعة من الجمعيات التربوية والحقوقية إلى المعادلة السياسية، هذه الإستراتيجية فرضت على المخزن وضع خطة موازية ومثيلة، فقام بالبحت داخل المجتمع عن فاعلين جدد، لإضفاء صبغة نوعية على طريقة احتكاره للسلطة، وتحولهم إلى أرقام للحفاظ على التساوي داخل المعادلة، وإن كانت هذه الأرقام في كثير من الأحيان سلبية، مستفيدة من الترسانة القانونية الدستورية والعسكرية والرمزية المرتبطة باقتصاد الريع واحتكار توزيع الثروات، في هذه الظرفية تأسست أحزاب الأحرار واللامنتمين، من التراكم الذي حققه الحزب السري، ودعمت التنظيمات الإسلامية، وتعددت الجمعيات الإقطاعية والانتهازية، وتم الرفع من عدد رجال السلطة والمخزن، واستمرت هذه العملية بشكل ميكانيكي على مستوى السيرورة التاريخية وتفاعلي على مستوى البنيات التنظيمية، إلى حدود تشكيل الكتلة الديمقراطية سنة 1992 اللحظة التي اعتبرت بداية الحسم في الحلول الممكنة للمعادلة السياسية، بعد تنازل الطرفين عن بعض الحلول الصعبة التحقق، وانتقال الكتلة للتسيير إلى جانب المخزن فرض حلولا ممكنة، وسهل التنبؤ بها سياسيا وفق طريقة الانتقال، وهو ما يعني المساهمة في تدبير الشأن العام من داخل الحكومة، بشكل فوقي وانتقائي بعيدا عن القواعد، ويصبح الحل الممكن للمعادلة المتساوية: المخزن + الكتلة = العدالة الاجتماعية أو المخزن + الكتلة = الإقصاء الاجتماعي أو المخزن - الكتلة = 0 نقطة انطلاقة العمل النضالي والحركة الاجتماعية. وما بين سنة1992و1998 انصب التفكير في طرح عدد الاحتمالات، وتعددت الاجتهادات لفك خيوط مجاهيل المعادلة، وأهمها داخل المخزن التخلي عن وزراء السيادة وعلى رأسهم ادريس البصري، والإصلاح الدستوري، الذي تم التوافق عليه سنة 1996 ومن جانب الكتلة تليين مواقف بعض القيادات وإقصاء آخرين، وإذا كانت المعادلة السياسية المغربية عرفت التوازن على الأقل لاستقرار المجتمع المغربي واستمراره، إلى حدود تجربة التناوب التوافقي، ومرحلة انتقال السلطة بين عهدين ،فإن مرحلة العشرة سنوات من التسيير وتدبير الشأن العام، فرضت على المعادلة السياسية مجموعة من المتغيرات، لدرجة التماهي والتفاعل البنيوي والتداخل في الأدوار والأهداف، مما أدى إلى نتائج وخلاصات غير متوقعة، تفرض معادلة جديدة بأطراف وعناصر هي خلاصة المرحلة الماضية، ومن البديهي على هؤلاء الفاعلين الجدد البحث عن شرعيتهم الاجتماعية لشرعنة وضعهم داخل المعادلة. وما نريد توضيحه من خلال طرح المعادلة السياسية التي أطرت المرحلة الماضية، هو انعكاساتها الاجتماعية وتأثيرها على النسيج الاجتماعي المغربي،