هي مجرد ذكرى تحتفي بها برقيات قادة الدول الخمس المغاربية وتتحدث عنها بكثير من تعابير المتمنيات. ففي مثل يوم الغد (17 فبراير)، قبل عشرين سنة تم تأسيس تكتل اقليمي اسمه اتحاد المغرب العربي. كانت مراكش مولد معاهدة إنشائه حيث وقع عليها المغرب والجزائروتونس وموريتانيا وليبيا قبل أن يقف زعماؤها بشرفة قصر بلدية المدينة الحمراء لأخذ صورة تذكارية، فقدت اليوم قيمتها السياسية وفقدت جذوة الامل الذي امتلأت به نفوس أبناء هذا الفضاء الجغرافي الممتد بثلثي شمال افريقيا. هو خيار استراتيجي، ستقول تصريحات الذكرى، وسيحمل بلاغ الامانة العامة للاتحاد المناشدة لعودة الروح الى هياكله التي جمدت منذ صيف 1994، أي خمس سنوات بعد إنشائه حيث تم عقد ست دورات لمجلس رئاسته، الجهاز الرئيسي الذي له سلطة اتخاذ القرار حسب المعاهدة. كان النصف الاول من عقد التسعينات من القرن الماضي مجالا لدينامية أجهزة اتحاد المغرب العربي، ففيها تم إحداث أربع مؤسسات بالاضافة الى الامانة العامة (المغرب)، وهي مجلس الشورى (الجزائر) والهيأة القضائية (موريتانيا) والمصرف المغاربي (تونس) وأكاديمية العلوم (ليبيا)، والمصادقة على عشرين اتفاقية. وفي هذه المدة الزمنية كانت الطريق سالكة من موريتانيا الى ليبيا مرورا بالمغرب والجزائر ، وشهدت التجارة البينية تطورا لم تعرفه منذ استقلال البلدان الخمسة. واتسعت الاستثمارات الحدودية واصبح هذا التكتل الاقليمي المشاطئ للضفة الجنوبية للمتوسط، محاورا كصوت واحد للاتحاد الاوروبي بالضفة الشمالية. لكن كل هذه المكتسبات أطيح بها بعد أن تم إغلاق الحدود بين المغرب والجزائر في غشت 1994، وارتفعت حدة التوتر بين الجارين اللذين يشكلان النواة الصلبة للاتحاد. وأطلق العنان لمنابر وتصريحات غذت ولاتزال الازمة التي غطى جليدها الدفء الذي عرفته العلاقات الثنائية في نهاية الثمانينات. ووجدت المبادلات البينية بين أقطار البلدان الخمسة نفسها الاضعف في العالم ، اذ لا تتجاوز اليوم 2 بالمائة من حجم المبادلات التجارية الذي يفوق 140 مليار دولار.ففي الوقت الذي تعمل الدول على فتح الحدود قدر الامكان، هاهي جارتنا الشرقية تصر على إيصادها متشبثة بحواجز حديدية تقف في وجه تنقل الافراد والسلع. لقد اجتهدت قيادتها السياسية كثيرا وهي تفسر موقفها من مرجعية ربطها ملف الصحراء المغربية بتطبيع العلاقات الثنائية في الوقت الذي تتكفل الاممالمتحدة بإيجاد حل سياسي للصراع الذي افتعلته الجزائر في السبعينات، مستهدفة الوحدة الترابية للمغرب. هكذا تبدو صورة اتحاد المغرب العربي اليوم: شعب في وسط النسيج المغربي تحاصره قيادته السياسية ولاتترك له مجالا لأواصر القربى وروابط الدم والامتدادات الاجتماعية التي تجمعه مع شرق المغرب . قضية مفتعلة دخلت سنتها الثالثة والثلاثين تسعى الجزائر إلى دفعها في اتجاه الانفصال المناقض تماما لطموح أجيال المنطقة التي تعيش تاريخيا على إيقاع مطلب الوحدة. ضعف في محاورة الاتحاد الاوروبي الذي يبني وحدته بالرغم من تباين اللغة والمرجعيات... إنها صورة سيتم الاحتفاء بها اليوم بكثير من التفاؤل الذي يغطي حقيقة أن هناك غياب إرادة سياسية لعودة الروح للاتحاد لدى أحد أطرافه الاساسيين وهو الجزائر.