السؤال المطروح هنا هو: ألم تساهم الدولة آنذاك في تنمية الإيديولوجية الإسلامية لمحاربة الإيديولوجية اليسارية؟ إذا كان الأمر كذلك، وهو فعلا كذلك، ألا يمكن اعتبار تبني أطراف من اليسار لمواقف سياسية أقل «راديكالية»، في حينه، نوعا من التهافت الذي لم يفعل غير إخلاء مواقع النضال الاجتماعي لصالح القوى الأصولية؟ ألم يعوض أنصار العدل والإحسان ذلك التيار النقابي العريض المرتبط بالاتحاد الاشتراكي داخل الكنفدرالية الديمقراطية للشغل لما تبنى الاتحاد الاشتراكي مواقف سياسية «أقل راديكالية»؟ ألم يكن من المعقول أن يصدر عن الاتحاد الاشتراكي في حينه موقف سياسي أكثر جرأة وهو المسنود بمركزية نقابية وازنة وبدعم جماهيري عارم تكشف من خلال أحداث 14 دجنبر 1990 . أم أن الفاعل السياسي « الناجع» هو من يتبنى مواقف سياسية أكثر راديكالية في اللحظة الراهنة وهو بدون امتداد جماهيري قوي وبدون سند نقابي وازن كما كان عليه الحال في أواسط التسعينات؟ أليس في اتخاذ هكذا مواقف سياسية «راديكالية» اليوم نوع من الشعبوية المتأخرة؟.... بلغة مهدي عامل أليست الدعوة إلى مواقف سياسية «أكثر راديكالية» في وقت العملية الانتباذية أمرا معكوسا؟ كان ينبغي لمثل هذه المواقف «الراديكالية» أن تتخذ في وقت انجذاب الحركة الاجتماعية نحو المستوى السياسي، دائما بلغة مهدي عامل.... قد يختلف معنا الأخ حميد باجو في توصيفنا للمرحلة السياسية الممتدة خلال دورتين انتخابيتين من كونها مرحلة إعادة إنتاج، أو قل مرحلة تجدد، النظام السياسي، وهذا من حقه. لكن هل أمكن للاتحاد الاشتراكي أن يدعو، الآن، إلى اتخاذ مواقف سياسية «أكثر راديكالية» لو خرج، من تلك المرحلة السياسية، بمكاسب سياسية وديمقراطية تحظى بموافقة الرأي العام الوطني والجماهير المتعاطفة معه. أكيد أن تلك المرحلة كانت مرحلة تجدد أزمة النظام السياسي؛ لذا كان معقولا أن يخرج الرفيق باجو فيدعو اليسار إلى اتخاذ مواقف أكثر راديكالية. نقول للرفيق حميد باجو - بالرغم من اختلاف تقديراتنا - فنحن مع كل المواقف السياسية الواقعية والجريئة التي تروم الانتقال بالبلاد إلى الديمقراطية الفعلية. لقد كان هدفنا من خلال كل ما تقدم أن نناقش بعض المغالطات الفكرية التي ربما تعمدها الرفيق حميد باجو في تعاطيه مع مشروع مهدي عامل، ذلك المشروع الفكري الماركسي الذي تناول واقع العالم العربي بعيدا عن إقامة تماثلات سطحية بين واقعنا وبين واقع البلدان الرأسمالية في المركز. لقد أثبتت الحرب الحالية على غزة، وخصوصا أزمة النظام الرسمي العربي، مدى راهنية مشروع مهدي عامل؛ وبالتالي أهمية وضرورة العودة لقرائته من جديد في ضوء المعطيات التاريخية والكونية الراهنة.... بكل بساطة لا بد أن نرقى بوعينا إلى مستوى وعي تاريخي كوني حتى نتمكن من مطابقة وعينا مع واقعنا الاجتماعي في شكل تمايزه التاريخي من ذلك الكوني الرأسمالي في طوره العولمي. أما القيام بتماثلات بين حاجيات مستوى تطورنا وبين حاجيات المجتمعات الرأسمالية الغربية، فهذا ناجم أساسا عن عدم تملك ذلك الوعي التاريخي الكوني الكفيل بمطابقة أفكارنا، أو قل للدقة إيديولوجيتنا، مع الواقع الاجتماعي في تعقيداته العينية. انتهى