عندما اندلعت أزمة دارفور بالسودان، لم يجد يوسف من حل امامه سوى البحث عن مخرج ينقذ به نفسه من موت محقق نظرا للحرب الاهلية القائمة بولاية سمتها الاساسية الانتقام والثأر والمجاعة وكل اساليب القتل. وبحكم أن لكل ازمة تجارها فلحرب دارفور الاهلية نصيب من هؤلاء، كل حسب تخصصه، فمن التجنيد ضمن المليشيات الى التهريب مرورا بالدعارة وصولا الى الهجرة السرية. وبحكم أن يوسف، ذو مستوى ثقافي لابأس به ولم يتجاوز بعد ربيعه السادس والعشرين، فقد كان يحلم كغيره من الشباب الافريقي الذي أنهكته الحروب والفقر والبطالة، الهجرة الى الأقطار الاوربية لبناء مستقبله وانقاذ عائلته التي تعيش أوضاعا كارثية. وبدارفور التقى يوسف الوسيط الذي وضعه امام كل الاختيارات والتي لاتتجاوز في احسنها شمال افريقيا. وبعد الاتفاق على المبلغ، جهز يوسف نفسه وركب اهوال الصحاري بحثا عن فردوس مفقود في الضفة الأخرى. فبعد مسيرة دامت عدة أيام، وصل إلى الجزائر، حيث تم تسليم هذه الدفعة الى وسيط آخر بعد ان تسلم نصيبه من الكعكعة قصد ايصالهم الى المغرب الذي يعتبر في نظر المهاجرين السريين قنطرة اساسية للعبور الى اوروبا. وليلا تم تسريبهم عبر الحدود الجزائرية الى المغرب. لحظتها كان يوسف قد تخلص من كابوس الحرب الاهلية الدائرة في دارفور وبدأ يحلم بوضعه الرجل الاولى من الفردوس الاوروبي الموعود، وبحكم أن عائلة يوسف سلمته بعض النقود كزاد للطريق، فقد حاول يوسف استعمالها قصد الهجرة الى اوروبا من وجدة، إلا أن المبلغ كان بسيطا. ومن وجدة استقل الحافلة الى مدينة البيضاء، حيث استقر بداية في فندق قبل ان يتدبر امر كراء غرفة بالحي المحمدي ولمدة اربع سنوات ظل يبحث عن منفذ يهاجر منه الى اروبا دون جدوى خبر يوسف الميناء عدة مرات لكن محاولاته باءت بالفشل. ،كان يوسف قد بدأ يتعاطى لبعض الاعمال الموسمية لضمان المصروف اليومي واقتصاد بعض المبالغ ربما تساعده علي الهجرة بطريقة اقرب الى «القانونية» وبحكم انه اصبح شبه معروف، فقد بدأ ينسج علاقات مع بعض المغاربة بالاحياء الشعبية عله يحصل على كوة ضوء تقود الى مفتاح الهجرة، وبالمقاهي الشعبية بدأ يكون علاقات مع بعض الوسطاء في السيارات وغيرها، خاصة وأن فرصة الهجرة بدأت تتضاءل بحكم الاجراءات الجديدة، التي يفرضها الاتحاد الاوروبي وبتنسيق مع بعض دول شمال افريقيا. وذات مساء وبينما كان يوسف يرتشف قهوته، تجاذب اطراف الحديث مع احد الاشخاص، وبعد ان تبادلا الحديث تواعدا على اللقاء. وبعد مرور يومين التقي بنفس الشخص الذي اخبره ان اسمه بوشعيب بالمقهى. وبعد ان اطمأن له اخبره انه يبحث عمن يهجره الى اوربا فوجد فيه بوشعيب العاطل فرصة ذهبية للاستيلاء على ما كنزه السوداني يوسف. دارفور الجريحة التي تطرد ابناءها الى الخارج في مواجهة الاهوال الصحراوية طمعا في فردوس اوروبي مفقود اتصل هاتفيا بشخص ادعى ان اسمه عبد الله واخبره بوجود شخص يود الهجرة الى اوروبا. وبعد الاتفاق سلمه يوسف (400 اورو) الا انه بعد مرور عدة ايام بدأ أمل يوسف يتضاءل في الهجرة وبعد أن التقي بوشعيب طلب منه إعادة المبلغ اليه، وبحكم أنه اصبح في ورطة، فقد انتقل برفقته الى حيث يوجد بضريح سيدي بليوط وبعد أن اقنعه بضرورة الجلوس بالقرب من الضريح الى حين العودة بالمبلغ المذكور وبعد أن اعياه الجلوس قام يوسف للبحث عنه، الا انه لم يعثر له علي اثر فعاد خائبا الى غرفته، الا انه قرر البحث عنه في كل مكان لاسترجاع المبلغ الذي سبق وان سلمه له. وبإيعاز من بعض أصدقائه تم التوصل إلى عائلة بوشعيب التي أخبرته أن هذا الأخير يسكن مدينة آزمور، فقرر الانتقال إلى المدينة المذكورة ومنها إلى مدينة الجديدة وبالصدفة وبينما كان يوسف يتسكع بشوارعها صادف بوشعيب باحد الشوارع فقبض عليه وتوجه رفقته إلى الدائرة الأمنية حيث أفاد بوشعيب انه تعرف على احد الاشخاص الذي يدعى محمد والذي عمل على ربط الاتصال بعبد الله قصد تهجيره إلى فرنسا مقابل (10.000 درهم) على اساس البحث عن مجموعة من الذين يودون الهجرة وكان من بينهم المدعو يوسف الذي سلمه مبلغ (400 اورو) الذي سلمها لعبد الله. الا انه بعد مرور عدة أيام اخبره ان المبلغ المذكور غير كاف للهجرة، فسلمه هاتفه النقال من النوع الرفيع. ورغم ذلك فقد طال الانتظار وبدأ اليأس يدب في نفس يوسف فطلب منه استرجاع المبلغ فذهبا الى ضريح سيدي بليوط بحثا عن عبد الله دون جدوى. واستغلها بوشعيب فرصة للفرار الي مدينة ازمور، الا ان يوسف ظل يبحث عن مكان تواجده الي أن عثر عليه وانتقل يبحث عنه الى أن صادفه بمدينة الجديدة. واعترف انه تسلم منه مبلغ (400 اورو) وهاتفه النقال قصد تهجيرة. الا ان ذلك كان مجرد نصب واحتيال. فتمت احالة الملف على المدعي العام الذي احاله بدوره على المحكمة بعد ان تابع يوسف في حالة اعتقال ويوسف في حالة سراح مؤقت. وامام المحكمة، حيث احضر بوشعيب في حالة اعتقال وبعد التأكد من هويته التي جاءت مطابقة لمحضر الشرطة اشعره الرئيس بالمنسوب اليه فافاد انه فعلا تسلم مبلغ (400 اورو) من المدعو يوسف السوداني الجنسية على اساس التوسط له في عملية الهجرة وسلمها بدوره لشخص يدعى عبد الله وسلمه بعد ذلك هاتفه النقال فسلمه هو الآخر إلى عبد الله. الا ان هذا الاخير اختفى عن الانظار. وامام ذلك عمد هو الاخر الى ترك يوسف باحدى المقاهي واختفى قادما الى مدينة ازمور حيث لحق به غريمه فتم ايقافه. وبعد أن كان المتهم آخر من تكلم، انسحبت الهيئة للمداولة وعادت بعدها حيث اصدرت الحكم التالي: حكمت المحكمة علنيا ابتدائيا وحضوريا بمؤاخذة المتهم من أجل جنحة النصب و بستة (06) اشهر حبسا نافذا وغرامة نافذة قدرها (1000 درهم) مع تحميله الصائر وبعدم مؤاخذته من أجل باقي المنسوب اليه والحكم ببراءته من اجله وأشعر باجل الاستئناف وتم طرد السوداني خارج الحدود.