كثر الحديث عن دواعي إضراب 23 يناير و10 فبراير وأسبابه ومحاولات الحكومة التشكيك في مشروعية الاضراب باتهامها للنقابات بكونها غادرت طاولة الحوار دون مبرر، ما رأيكم؟ للأسف، يمكن القول بأن الذي دفعنا لإضراب 23 يناير الماضي وخوض إضراب 10 فبراير هو الموقف الحكومي من الحوار الاجتماعي. فالحكومة هي المسؤولة على تأجيج الساحة الاجتماعية، فقد قبلت الحكومة على لسان الوزير الاول في الجلسة الافتتاحية لجولة الخريف من الحوار الاجتماعي أن يضم جدول الاعمال كل النقط المقترحة من أي طرف في الحوار، وسجلنا بكل إيجابية خطاب رئيس الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب بنفس المناسبة. لكن تبين من خلال مجريات الحوار ان الحكومة لم تهيئ أية أرضية مقترحات حول عدد من النقط التي نعتبرها أساسية في ملفنا المطلبي وعلى رأسها مسألة تحسين دخل الموظفين والعمال وذلك بالزيادة في الأجور وإصلاح حقيقي للنظام الضريبي على الدخل وتمكين الموظفين المستوفين للشروط النظامية للترقي منذ سنة 2003 من ترقية استثنائية ورفع كوطا الترقية الداخلية وإعادة النظر في مراسيم الترقي والتنقيط وامتحانات الكفاءة المهنية. وقد كان الاستثناء هو مقترح الحكومة بحذف السلاليم الدنيا من 1 الى 4 سنوات، وسجلنا ان الحكومة رفضت كل المقترحات النقابية الرامية الى الإنهاء العاجل لهذا الملف الذي يتم اجتراره منذ سنة 2000 أي 9 سنوات. وسيرا على نفس النهج، تعاملت الحكومة مع مقترحاتنا ذات العلاقة بالمرسوم المنظم للانتخابات المهنية حيث رفضت دفعة واحدة وبدون مبرر معقول بعد 7 أسابيع من النقاش والعمل، كافة التعديلات التي تمت بلورتها بين الادارة وممثلي المركزيات النقابية. كما سجلنا بكل أسف غياب ممثلي أرباب العمل عن اجتماعات اللجن الموضوعاتية في القطاع الخاص، رافضين النقاش في أي موضوع هادف الى تحسين دخل العمال. هكذا يتضح ان الموقف الحكومي هو المسؤول عن هذه الوضعية، حيث أفرغ المؤسسة التي ناضلنا من أجلها من أي مضمون يخدم الشغيلة المغربية والمصالح العليا لبلدنا. بقي أن أؤكد ان نقابتنا والنقابات المشاركة في الحوار لم تقدم أية شروط مسبقة، بل دخلت الحوار بروح تفاؤلية وصادقة من أجل إنجاحه ودعم مؤسسته وكانت مستعدة لمناقشة بناءة للقضايا المطروحة. الحكومة تقول عبر وسائل الاعلام بأن الحوار أسفر عن نتائج، في حين تعتبر النقابات أنه ليس هناك حصيلة تذكر. لقد سجلنا ان الحكومة تحتكر وسائل الاعلام العمومية لترويج خطاب مغلوط ومخدوم، هدفه تلويث صورة النقابات وتحقير العمل النقابي عبر تبخيس نسب المشاركة في الاضراب وذلك للتغطية على فشلها الاجتماعي. وبالرغم من موقفنا من نتائج الحوار الاجتماعي لشهر أبريل الماضي، فالحكومة لازالت تتمسك ب «نتائج» الماضي الهزيلة وتقيم كل الدعاية لها لتعكسها مرة أخرى على الحاضر. ونحن ندعو الحكومة بالمناسبة الى تنظيم مواجهة عبر وسائل الاعلام لمناقشة الحصيلة التي تدعيها وإطلاع الرأي العام على حقائق الأمور. خاضت الاضراب الاخير ليوم 23 يناير 2009 ثلاث نقابات في إطار التنسيق. ماهي آفاق محطة 10 فبراير المقبل؟ لقد توصلت جميع النقابات المشاركة في الحوار الى خلاصة واحدة هي مسؤولية الحكومة في إفشال الحوار الاجتماعي وإفراغه من محتواه وتحويله الى وسيلة لربح الوقت. وكان من المرجح أن تتخذ هذه النقابات مواقف عملية تجاه رفض الحكومة لكل المطالب الأساسية. غير ان ما يلاحظ على عدد من المواقف هو كونها لم ترق بعد الى مستوى ما يتطلبه الموقف، حيث الإصرار على عدم التنسيق مع باقي النقابات لحد الآن. لكننا نسجل تقدما ملموسا في الآونة الاخيرة بدخول الاتحاد الوطني في التشاور من أجل تنسيق المواقف الى جانب قرار عدة نقابات وطنية تنتمي الى مركزيات نقابية بخوض إضراب في نفس يوم 10 فبراير 2009. ونأمل بصدق أن يتوسع التنسيق النقابي أكثر لنتمكن جميعا من خلق ميزاني قوى اجتماعي يسمح بإسماع صوت المأجورين ومناقشة مطالبهم بجدية ومسؤولية أكثر. الحكومة تعتبر بأن إضرابي شهر 23 يناير و10 فبراير هي تسخينات انتخابية ومبادرات سياسوية، كيف تردون على ذلك؟ للأسف، فقد توقعنا منذ فشل الحوار الاجتماعي بأن الحكومة ستلجأ الى مثل هذه التأويلات لتحويل أنظار الرأي العام عن عمق المشكلة والمتمثلة في تهربها من مسؤولياتها تجاه الفرقاء الاجتماعيين. وأود في هذا الإطار أن أؤكد أن الذي يقوي النقابات ليس هو افتعال الاضرابات كما تدعي الحكومة ولكن قدرتها على حل المشاكل وتحقيق مكتسبات للمأجورين مهما كان حجمها. لقد خاضت 8 مركزيات نقابية بفرنسا إضرابا عاما شل كل القطاعات يوم 29 فبراير 2009 ولم يعلق أي مسؤول حكومي بأن وراء الاضراب العام خلفيات سياسوية أو انتخابوية، بل سجلنا أن الحكومة دعت الى مباشرة الحوار مع مختلف النقابات خلال هذا الشهر. لذلك أؤكد مرة أخرى ان الذي دفع النقابات الى الاضراب ليس قرب الانتخابات المهنية كما تروج الحكومة خطأ، بل هو الموقف الحكومي غير المسؤول والذي أجهض الحوار الاجتماعي، هذا هو السبب الحقيقي لمعركتنا النضالية ولسنا من عشاق الاضرابات، ولكن مكره أخاك لا بطل. ستخوضون إضرابا يوم الثلاثاء 10 فبراير بشكل وحدوي، لكن كيف ترون الآفاق إذا استمر التجاهل والصمت الحكومي؟ إننا نأمل ألا تتعامل الحكومة مع محطة 10 فبراير بنفس تعاملها مع إضراب 23 يناير الماضي، لأنه سيكون موقف غير مسؤول سياسيا ومن شأنه أن يزيد من احتقان الوضع الاجتماعي ويقوي الإحساس لدى المأجورين بأن الحكومة غير مكترثة بمشاكلهم مهما فعلوا لإثارة انتباهها. نحن من جهتنا لم نيأس من الحوار ومستعدون لخوض غماره وفي كل الظروف لكن بمسؤولية وإرادة حقيقية من أجل إيجاد حلول معقولة ومقبولة للمشاكل المطروحة. لكن إذا استمرت الحكومة في صمتها وتجاهلها، فإننا سنتحمل مسؤولياتنا في الدفاع عن مطالب وكرامة المأجورين وهذا هو مبرر وجودنا. بعد 10 فبراير، ستجتمع النقابات في إطار التنسيق وسوف تقوم بتقييم الوضع والموقف الحكومي وستتخذ القرارات التي تراها ضرورية.