لعل المتتبع للشأن الحزبي المغربي يجزم اليوم بضبابية المشهد السياسي، فكل ما تم الرهان عليه بكون المغرب سيدخل في أفق جديد فاصله 2007، وتم تسويقه عشية الانتخابات التشريعية، لم يتم، وكل الإحصائيات التي صرحت بها مختلف المؤسسات عشية هذه الانتخابات كذبتها وقائع هذه الأخيرة، وشاهد هذا المتتبع كيف تحولت النسب المبالغ فيها للمشاركة في الانتخابات إلى مجرد تكهنات عارية من الواقعية، و يبدوا أن من اشرف على تسويق الحلم لم يخطأ بالفعل، لقد كان يسوق لحياة سياسية وحزبية جديدة بتأسيس أحزاب واندماج أخرى، حيث مورس الحق لنيل وترسيخ الباطل، حق تجريح الحزب الواحد، واستغله من ظن ولا زال يظن أن المجتمع المغربي بليد ليس في ذاكرته ولو شذرات تراوده نحو تضحيات القوى الوطنية المتجدرة في عمق الثقافة النضالية الوطنية، وان كان قد عاقب هذه القوى من خلال عزوفه عن التصويت، ولا أقول عدم تصويته لصالحها، لأن من أقصى هذه القوى وفي مقدمتها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية هو ذلك الصوت المسكوت عنه، انه الرافض لممارسة واجبه كمواطن، ليس المكان هنا لتشخيص الوضعية أو لتوضيح طبيعة وواقعية المواطنة اليوم التي تتجه أكثر نحو ثقافة المطالبة بالحق والابتعاد عن ثقافة القيام بالواجب، إذ المواطن الآن يتكلم عن حقه في كل شيء دون ربط هذا الحق بالواجب الذي من المفروض أن يكون ركيزة المطالبة بالحق، وهو ما يستدعي حزبنا للوعي الجماعي السياسي العملي بضرورة طبيعة المرحلة. لقد اظهر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعد شوطه الثاني قدرته على تخطي الصعاب وجعل مصلحة الحزب والتي لا يمكن فصلها بأي شكل من الإشكال دون مغالاة عن المصلحة الوطنية فوق كل اعتبار، واعتمدت المنهجية الديمقراطية في تولي المهام الحزبية على مستوى الكتابة الأولى والمكتب السياسي والمجلس الوطني، وهي المنهجية التي لا يمكن تجاوزها إن على المستوى الوطني أو الجهوي أو الإقليمي أو المحلي للحزب، إنها المنهجية التي لطالما طالب بها الحزب منذ زمان الدولة، من اجل تدبير الشأن العام بشكلها الديمقراطي وبنزاهتها التدبيرية وبتحمل الدولة لمسؤوليتها في مراقبة المفسدين، فبهذه المنهجية اثبت الحزب للأصدقاء قبل الأعداء انه بالفعل حزب حداثي قادر على تجسيد شعاراته على ارض الواقع، وهو المكتسب الذي يجب المحافظة عليه وتطويره وتحصينه بالعديد من الإجراءات والممارسات، في مقدمتها ثقافة المؤسسة والتي تقتضي العمل من داخل المؤسسات الحزبية والفعل والقول المسؤول، وهنا اقصد المسؤولية بالتضامن أي تضامن الجهاز، وليس بعد القرار هناك من كان معارض وهنا من كان مؤيد، بل هناك قرار تم اتخادته وفق الضوابط والقواعد المعمول بها وكل عضو مسؤول داخل الحزب ملتزم بتطبيقه حتى وان كان مختلفا معه، لان العمل هو عمل مؤسسة وليس عمل أهواء ومتمنيات، وهنا تتجسد ثقافة المسؤولية والتضامن في المسؤولية، إن ثقافة المؤسسة التي ندعو إليها تتمثل في مجموعة القيم والمفاهيم التي يؤمن بها الاتحاديون والاتحاديات داخل مؤسسة الحزب، إذ أن وجود ثقافة هذه الثقافة يساعد على التكامل الداخلي، فمختلف المناضلين يكون لديهم نفس المبادئ عن أسلوب التعامل مع القضايا وما هو مقبول وما هو مرفوض، بناء على التوجهات والضوابط المتفق بشأنها ضمن المحطات التنظيمية الكبرى لهذا الحزب المؤسسة، كما أن ثقافة المؤسسة تساعد على التفاعل الرزين والمسؤول مع الآخر أكان هذا الأخر الدولة أو المجتمع بمختلف تشكلاته وفئاته، حيث أن جميع المناضلين والمناضلات يدركون أسلوب تعامل الحزب في تحقيق أهدافه والتعامل مع المتغيرات الخارجية عنه، ان هذه الثقافة تجعلنا كاتحاديين بالإضافة إلى المبادئ والقناعات والاختيارات والتوجهات مختلفين عن كثير من التشكلات الحزبوية الأخرى، وهي ما يجعلنا متحدين على كيفية تصريف مبادئنا وقراراتنا، وهنا وجب الإشارة إلى التغيير الذي يمس هذه الثقافة من حيث الفردية و الجماعية، روح الانضباط من عدمه،الاهتمام بالتفاصيل، الاهتمام بالمناضلين وتقديرهم مهما اختلفت درجات مسؤولياتهم بالحزب، الاهتمام بالنتائج ووسائل تحقيقها، التصعيد أو المرونة، الأخلاقيات في الممارسة، الاهتمام بالجودة في المفاوضات والتكتيك والسياسة وبتحقيق الأهداف بناء على مؤشرات قابلة للقياس، وهكذا فان ثقافة المؤسسة تنشأ عن طريق قيادة متميزة لها شرعيتها ومتضامنة فيما بينها، ولا يمكن أن تكون هذه القيادة إلا قيادة الحزب المؤسسة. إن ثقافة الحزب المؤسسة لا تعني غياب الاختلافات وتضارب الآراء والمواقف أو حتى أن يكون هناك صراع سياسي، فهذا أمر طبيعي، لكن عندما نختلف مع أناس ليست لديهم ثقافة سياسية صحيحة وواضحة ومبنية على الضوابط والقوانين فهذه هي المشكلة، فالثقافة السياسية للحزب المؤسسة لابد أن تكون صحيحة المصدر واضحة المبدأ وصادقة المرجع. إن ما يستهدف الحزب من مخططات لتقزيمه وشرذمته لواضحة للعيان بتسخير وسائل إعلام تنتعش بخبر على بساطته على مستوى الحزب، لتضخمه وتجتهد في تأويله بعيدا عن أي شيء اسمه الحرفية والأخلاق الصحفية، بل هدفها أو كما يتوهم بعضهم تشويه صورة الحزب أمام المواطنين، لا ندري هل قرأوا في فن الصحافة السياسة قديما وحديثا أم لهم خلفية تعصمهم من الخطأ في الأحكام والتأويل، وهل عندهم القدرة الخارقة في التحليل والربط بين ما يحدث وهم بعيدين كل البعد عن وقائع الأمور، كم يسعدنا أن نتطلع كل صباح على جرأة الصحافة من اجل نقل مختلف الوقائع إلى فئات المجتمع، لكن أكيد سيسعدنا أكثر لو كانت خلفية نقل هذه الوقائع ليس مبناها على الذوق والعقل الضعيف والفهم السقيم والمصالح الشخصية. صحيح إننا لسنا حزب منزه عن الخطأ أو بعض الانزلاقات، لأننا ببساطة الأمر، حزب ممتد من مجتمع تتجاذبه عقليات وأعراف وتقاليد وتموجات، وطبيعي أن تكون هناك بعض المحطات العصيبة التي يمر منها الحزب ، لكن قوة الإدراك والتبصر التي يتميز بها الحزب تجعله قادرا على إعمال الحكمة السياسية حسب راهنية الوضع ولنا في الشوط الثاني للحزب خير دليل على ذلك.