رشيد شاب من مواليد السبعينات، تلقى تعليما متوسطا لم يسعفه في الحصول على عمل يوفر له مدخولا شهريا قارا ومنتظما، فكان ، وككل أقرانه من شباب العاصمة الاقتصادية، يمني نفسه بيوم يعبر فيه ضفة المتوسط نحو أحد البلدان الأوربية، وإيجاد شغل ، كيفما كان نوعه، شريطة تمكينه من أموال يُحصِّن بها مستقبله ويؤمنه، فيحقق بواسطتها أحلامه وأحلام والديه وذويه باقتناء «قبر الحياة»، يأوي الجميع ويقيم مشروعا من المشاريع ببلاده. حلم رشيد سيخفت وستخبو جذوته، وهو يرى السنين «تسرق» شبابه وتمر أمام عينيه دون أن يستطيع سبيلا لتحقيق مراده، فاستعان برخصة السياقة التي يتوفر عليها من أجل الاشتغال كسائق بإحدى الشركات. عمل سيمكنه من عائد شهري بسيط مقارنة بمتطلبات الحياة اليومية، لكنه كان يؤمن بمقولة «اللهم لعمش ولا العمى»، واستمر على ذلك الحال إلى أن عقد قرانه بفتاة رُزق منها بابنة واستقر للسكن مع عائلته الصغيرة بحي الوحدة. وحدها الصدفة يوما ستوقظ الحلم الذي بداخله والذي سكن دواخله وبقي مختبئا في انتظار الفرصة المواتية لمعاودة «الظهور»، فالفكرة التي طالما أرّقته وحرمته من النوم، والتي انخفضت حدتها بزواجه، سيدغدغها حوار عفوي بينه وبين أحد أقاربه الذي كان يحكي له عن شاب من المعارف قيل إنه استطاع « لحريك» إلى ايطاليا بفضل سيدة ساعدته على ذلك، فانتفض رشيد من مكانه مستفسرا قريبه إن كان يعلم أين يجدها، ليجيبه بأنه يتوفر على بعض المعلومات في هذا الصدد وبإمكانه « تعميق البحث» للوصول إليها. مرت الأيام فالأسابيع إلى أن توصل رشيد بمكالمة هاتفية من قريبه يخبره أنه استطاع معرفة من تكون السيدة وربط الاتصال بها، وقد حددت لهما موعدا من أجل لقائها ومناقشة أمر السفر معها. لم يصدق رشيد أذنيه وظن أنه يعيش حلما، وظل طوال المدة التي كان يترقب فيها وصول موعد اللقاء «مشطون» البال، لايدري أي أحاسيس تخالجه، ففاتح زوجته في الأمر التي كان لها رأي مغاير رافضة الفكرة بالمطلق مؤمنة بمقولة « قطران بلادي ولاعسل البلدان»، إلا أن الزوج أُقفلت عيناه ولم يعد يرى شيئا آخر من غير «الطليان»! كان اللقاء بإحدى المقاهي بقلب منطقة المعاريف، حيث سيتعرف رشيد على السيدة التي كانت تكبره بحوالي ثماني سنوات، تطرقا إلى التفاصيل والشروط المطلوبة والضمانات حتى تتم عملية التهجير بالشفافية الكاملة، اتفقا على دفع رشيد لمبلغ عشرين ألف درهم لتمكينه من السفر، فطلب مهلة «جقر» خلالها مبلغ 15 ألف درهم من هنا ومن هناك، سلمها للسيدة، إضافة إلى جواز سفره، وتسلم بالمقابل منها شيكا بنكيا بالمبلغ المقدم، وضربا موعدا لاسترداد الجواز بالتأشيرة المطلوبة وإتمام باقي المبلغ. ترقب رشيد الموعد المنتظر على أحر من الجمر، إلا انه لم يتوصل بمكالمة السيدة، فحاول مهاتفتها إلا انه وجد هاتفها مغلقا. عاود الكرّة مرارا وتكرارا دون الحصول على رد، فالمجيب الآلي كان يخبره بأنه لايوجد أي مشترك في الرقم الذي يطلبه، فدارت «الدنيا به» ولم يعد يعرف أي إجراء يقوم به، لتمر الشهور تلو الشهور، وهو يطوف الأزقة بحثا عمن يمكنه أن يدله على «الهاربة» التي اختفت واختفى معها المبلغ المالي وجواز السفر، فوجد نفسه في نهاية المطاف ضحية لحلم الهجرة الذي أوهمته « السمسارة» بتحقيقه له وتمكينه منه ! بعد مرور سنتين، وفي إحدى ليالي الأسبوع الفارط، وبينما كان رشيد بمحيط شارع 2 مارس، إذا به يلمح السيدة التي نصبت عليه، فأمعن النظر فيها للتأكد إن كانت بالفعل هي أم اختلط الأمر عليه، إلا أن شكه لم يكن في محله، فهب من مكانه مُسرعا نحوها وأمسك بتلابيبها، ليعمل على «جرها» نحو مركز الأمن القريب لمتابعتها وأخذ حقه بالقانون. تمت إحالة القضية على مصلحة الشرطة القضائية بعد استشارة النيابة العامة، ليكون بذلك حال رشيد أحسن حالا من العديد من الشبان الذين تم النصب عليهم وسرقت منهم أموالهم دون أن تتم معاقبة الفاعلين، أو انتهى بهم الأمر معتقلين لحملهم تأشيرات مزورة، أو استقروا في بطن الحوت أو استحالوا جثثا ضحايا لحلم الضفة الأخرى !