اجتمع ثلاثون من العلماء المختصين في الدماغ، قصد تباحث تحسين الخصائص الدماغية، وإليكم في ستة أسئلة وستة أجوبة نتيجة هذه التأملات. لقد عقدوا اجتماعا في جلسة مغلقة من 14 إلى 17 شتنبر في بيت ريفي صغير، يقع في مركز مرفأ النبع البارد بضاحية نيويورك، هذا الاجتماع يمثل ندوة عمل مثل غيرها من الندوات الكثيرة، سوى أن الفئة المشاركة فيها وجدول أعمالها كانت على الأقل غير مألوفة. 30 اختصاصيا في مجال الدفاغ جاؤوا ليناقشوا السؤال التالي: كيف يمكن تحسين دماغنا؟ وأما المنظم لهذا اللقاء الشديد العقلانية فلم يكن أحدا سوى إيريك كانرل، الأستاذ بجامعة كولومبيا بنيويورك الحائز على جائزة نوبل للطب سنة 2000 عن أبحاثه حول الآليات الخليوية للذاكرة (قامت مجلة العلم والمستقبل بلقاء معه عدد 728 أكتوبر 2007) وأعلن إيرك كاندل في استجواب معه بالهاتف: «إن هذا النوع من النقاشات يعد أساسيا في عصر يتصف فيه بشيخوخة السكان« فما فائدة أن نعمر اذا كانت لنا ذاكرات خاذلة و نعيش حياة سيئة الجودة؟» إن الهدف كان هو التفكير في المستقبل، كيف نربي أطفالنا، ولكن أيضا كيف نحسن شيخوختنا بدماغ يشتغل في حالة جيدة؟» فسيسولوجي الأعصاب هذا يعرف عما يتكلم بما أنه يبلغ 79 سنة ومايزال يتابع أبحاثه بكامل النشاط واليقظة. ويذكرنا بتساؤلات الندوة التي صيغت بالشكل التالي في بطاقة الدعوة: «إن أمل كل أب هو أن يكون ابنه لامعا وذكيا». ويعمل الآباء على مساعدة أدمغة أطفالهم على أفضل اشتغال بمدهم بالتربية والحافز. فهل هناك من معطيات جديدة جاء بها علم الأعصاب الإدراكي يتعين على التربية أن تأخذها في الاعتبار؟ وفي الطرف الآخر من الحياة، هل هناك أمل لكل واحد منا أن يتباطأ لديه تدهور الملكات الذي يعد أمرا عاديا مع تقدم العمر؟ هل تبقي الرياضة الذهنية أدمغتنا في مستوى عال من الاشتغال؟ «كيف يمكن استعمال موارد مجتمعنا لمساعدة أدمغتنا على أن تعمل على نحو أفضل؟» إنه برنامج يغري بالنقاش، إلا أن المؤسف أنه مغلق في وجه العموم ومخصص للثلاثين من المدعوين الذين تم انتقاؤهم بدقة. وهكذا، فما إن خرجوا من البيت الريفي حتى اتصلت بهم «مجلة العلم والمستقبل» والحصيلة ستة إجابات عن ستة أسئلة يتساءلها الجميع. والآن يتعلق الامر بترديد سلسلة من الارقام التي تمليها لتقويم كفاءة الذاكرة قصيرة المدى، وذاكرة الاشتغال، يليها التعرف على التخيلات بناء على مجموعة من الصور، وبعد ذلك تعبئة عدة صفحات من الرموز في دقيقتين لتقويم سرعة معالجة المعلومات. السحايا في غليان، وتوتر الاختبار يفقد المرء بعض القدرات واذا ما اصطدم ببعض الصعوبات، فإن الاختصاصية جاهزة لتقديم الدعم، ولتهدىء من الروع، ولكنها لاتؤثر في سير الرائز. والواقع ان الاخير مقنن في دليل موضوع على مقربة منها. و كل تعليمة شفوية يتعين ان تتبع ارتيازا (نص سؤال في اختبار نفسي) دقيقا، مطابعا للارتياز الذي وضع معياره في الرائز الاصلي، لكي تأخذ النتيجة كامل قيمتها الاحصائية. لأن معامل الذكاء ليس «كمية من الذكاء» مطلقة ونظرية ولكنه معطى احصائي. وهذا المفهوم ممتد بتاريخه الى مئة سنة. ففي 1906 كلف عالم النفس الفرنسي ألفريد بنيه من قبل لجنة وزارية بإيجاد وسيلة للعثور على الاطفال العاجزين عن مسايرة الايقاع المدرسي الاعتيادي. لقد أعد مفهوم العمر العقلي بمشاركة عالم نفسي آخر اسمه تيودور سيمون، مستلهما في ذلك، اعمال شارل سبيرمان ومعامل الذكاء العام (9)، والنظرية تقول: ان كل سن تتطابق مع عدد من الاعمال الموفقة في ميادين معينة، اللغة والرياضيات، والتفكير الفضائي، الخ. ففي سن 7، على سبيل المثال، يفترض ان الطفل قادر على حل مشكلات مخصصة للاطفال من سن 7 سنوات والاخفاق في المشكلات المصممة للاطفال من سن 8 سنوات، فالافراد لديهم، اذن سن عقلي قد ينسجم أو لا يسنجم مع سنهم الحقيقي، وبعد موت ألفريد بينيه، سنة 1912، قسم السن العقلي المحصل عليه على السن الحقيقي ثم ضرب الحاصل في مئة. وهكذا نشأ «معامل الذكاء». ولكن المفهوم سيعرف مراجعة في أربعينيات القرن الماضي من قبل دافيد ويسلر (1981/1891). فعالم النفس الامريكي هذا يعتبر ان من الانسب تصنيف الفرد وفق نتائجه مقارنة مع مجموعة عمرية مشابهة فرقم 100 يصبح متوسط مجموعة سكانية من سن معينة وسلم معامل ذكاء ويسلر بالاحرى، يشير فيما اذا كنا نوجد أعلى او أدنى من هذا المتوسط. فمعامل الذكاء، إذن لا يثبت الا الفرق مقارنة مع المعيار. وتتابعت صيغ التطبيقات: روائز القوالب (ايجاد الشكل الهندسي المكمل لسلسلة) تكملة صور (ايجاد تفصيل ناقص).. وبذلك فسلم ويسلر لمعامل الذكاء يهدف الى تقويم قدرات التجريد، والمفهمة، والمنطق، وا لحس السليم، والانتباه، ونقاط الاستدلال المكانية - الزمانية، والاهتمام بمحيط الفرد. ومع ذلك، فإن شخصيات مثل هوارد غاردنر يؤاخذون على سلم معامل الذكاء هذا، اكتفاء بالتركيز على القدرات العقلية الضرورية للتمدرس التقليدي، ووفق غاردنر لم يأخذ في حسبانه القدرات غير المدرسية الموجودة داخل كل منا، ثم من جهة أخرى، ليس للنتيجة النهائية المرقمة والكلية من أهمية كبيرة: فهي تجميع لقدرات مفرطة التباعد. ولأجل هذا،ففي فرنسا اليوم، اذا كنا مازلنا نستطيع أن نحسب معامل ذكاء كلي، فذلك بفضل أربعة مؤشرات مختلفة. وقدمت لنا اختصاصية علم النفس حصيلة مارتان، 5 سنوات وشهران، الذي أحضره ابواه الراغبان في التحاقه مباشرة بالقسم الاول الابتدائي: فمارتان له مستوى اعلى بكثير من متوسط الاطفال من سنه فيما يخص «وظائف الكلام» (اللغة والاستدلال، والفهم واختبار المحاكاة..) وكذلك وظائف اللغة (فهم الكلمات، وتعيين أسماء الصور)، ويقارب المتوسط فيما يخص »الانجازات« (المكعبات، والقوالب، وتكملة الصورة وتركيبات الاشياء)، ولكنه ظهر أدنى من المتوسط في «سرعة المعالجة». والخلاصة التي توصلت إليها اختصاصية علم النفس: «النتائج تسمح بفرضية وجود إبكار عقلي في المجال التلفظي. ولكن النتائج الاخرى والغرارة العاطفية (عدم النضج العاطفي) لاتسمح بقبول الالتحاق المسبق بالقسم الابتدائي الاول. وماذا عن معامل ذكائه الكلي إذن؟ لم تقدمه، كما هو حال معظم زملائها فيما بعد. ففي سنة 2005 نشر مقال وقع عليه، مع آخرين، اختصاصي علم النفس روبير فوايا بولوس، المكلف بالتدريس في جامعة باريس 5، حمل المقال العنوان التالي: «علماء نفس يتساءلون حول معامل الذكاء وعن بعض استعمالاته». ليتحول هذا السؤال الى عريضة مطالب، ويؤيدون القول بأن معامل الذكاء لا قيمة له في حد ذاته، ويجب ان يشكل جزءا من تقييم شامل يقوم به مهنى مكون لأجل هذا الغرض. ان الانتظارات الاجتماعية، في موضوع الذكاء، هي بهذا الشكل بحيث ان وسم طفل بمعامل ذكاء ضعيف او قوي يعد امرا خطرا، وتؤكد الاختصاصية النفسية قائلة: «اذا ما حاولت ان تقدم النتيجة النهائية، فإن الطفل سينطلق في بداية حياته وهو يحمل بطاقة ملصقة بجبهته عليها صفة «فائق الموهبة» او «غبي» ويمكن ان يسبب ذلك اضرارا وسط بعض العائلات، ومقابل ذلك لايمكن رفض لقاء مع الابوين: «فكثيرا ما يخفي مثل هذا الطلب شيئا آخر ينبغي اغتنامه لتوضيح معناه. إنه نقطة انطلاق لمساعدة الطفل او عائلته التي تعيش المعاناة». انتهت الجلسة، وأغلقت الصندوقة دون اعلان نتيجة مرقمة، ولا أهمية كبيرة لذلك في الاخير. يتبع